هل يصلح قيس سعيد ما أفسدته عشرية كاملة؟

هل يصلح قيس سعيد ما أفسدته عشرية كاملة؟

هل يصلح قيس سعيد ما أفسدته عشرية كاملة؟


12/04/2023

حكيم مرزوقي

لعل أطرف وأصوب ما سمعته شخصيا، من قراءة وتوصيف للأزمة السياسية في تونس، والمتمثلة في تحميل حركة النهضة وحلفائها الرئيس قيس سعيد وحكومته مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، هو ذاك الذي أدلى به رجل ميكانيكي في المقهى.

صاح مصلح السيارات محتجا في وجه زبون يجلس إليه يلومه، يتهمه بقلة الكفاءة والشطط في الأجرة، ويستعجله في تصليح المركبة التي جاء بها إليه معطلة ومشوهة بعد جملة حوادث مرورية مريعة قائلا: أنت تذكرني بالغنوشي وجماعته من المعارضة، استلم منهم الرجل البلاد بغية إنقاذها وهي في حالة يُرثى لها بعد عشرية طويلة من سوء الإدارة المتمثلة في النهب والفساد حتى كادت لا تقوم لها قائمة ثم جلسوا يتذمرون وينتقدون، وكأنه هو الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه.

ضحك جميع من في المقهى لهذه المقاربة الطريفة، لكني وجدتها منطقية ومعقولة، والصحيفة بين يدي أقرأ فيها بيان حركة النهضة الذي يقول بأنه “لم يبق للحكومة من موجب للبقاء بعد الفشل الذريع، كما لم يبق لسلطة الانقلاب من حجة توهم بها الشعب وهي تحمل البلاد نحو الفوضى والمجهول”.

نعم، كيف يقع اللوم على من جاء ليصلح ما أفسدته عشرية كاملة من النهب والخراب، ويُتهم بالانقلاب ومن ثم العجز عن امتلاك حلول واقعية تنقذ البلاد من الإفلاس الوشيك كما ورد في البيان؟

ثمة “وقاحة سياسية” لا يمكن إنكارها لدى هؤلاء الذين ما ينفكون يسجلون النقاط ضد الحكومة.. نقاط يأتون بها من رصيد فشلهم، أي أن هناك نوعا من التزوير والتجيير، أن أحملك مسؤولية ما صنعته أنا بنفسي، من أخطاء ثم أستخدم هذه الأخطاء كي أتهمك بالعجز عن إيجاد الحلول.

وفوق ذلك كله، أدينك بقمع الحريات والتضييق عليها في عارض البحث والتحقيق، فإن أفرجت عن متهمين قلت إني خاطئ في توجيه التهم، وإن احتفظت بهم رهن استكمال التحقيق، قلت إني تعسفي وظالم.

أمر محير وغريب أن تتهم السلطة بمثل ما تمتدح به المعارضة نفسها، كالبحث عن العدالة وتطبيق الدستور، وعدم الأخذ على الشبهات وعدم الاستقواء بالجهات الأجنبية، وعدم الطعن في الرموز الوطنية، وغير ذلك من متاهات تعج بها بيانات المعارضة وتصريحاتهم لوسائل الإعلام الأجنبية.

التناقض الآخر الذي تتخبط فيه المعارضة هو اتهامها للرئيس سعيد بتدمير المنظومة القضائية من ناحية، وسعيه إلى إفساد علاقة تونس بالدول الأجنبية عبر تصريحات غير مسؤولة من ناحية أخرى، والإشادة ببلاغ النّيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب الذي نشر في الأول من أبريل 2023، والذي برأت من خلاله جميع الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين بتونس ونزّهتهم عن كلّ تورّط في تهمة التآمر.

هذه المعارضة التي يتزعمها ألد أعداء بورقيبة من الإسلاميين، تعبر في بياناتها عن “عمق اعتزازها بنضالات المجاهدين في الحركة الوطنية خلال معركة التحرير والاستقلال وتترحم على زعيم الحركة الوطنية الحبيب بورقيبة في ذكرى وفاته الثالثة والعشرين”.. وكأن الرئيس الذي عبّر في أكثر من مرة، عن تبنيه للخط البورقيبي مع اعتزام تطويره، قد جاء ليحارب ما بناه الأب المؤسس.

وفي هذا الصدد، أصاب قيس سعيد خصومه بصفعة مزدوجة، حين قال على هامش حفل بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة أول رئيس للجمهورية، إنّه في ما يخصّ صندوق النقد الدولي فإنّ “الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدّي إلى المزيد من التفقير مرفوضة”.

هنا، مربط الفرس؛ لقد ارتبكت المعارضة وترنحت أمام مطالب جماهيرية تسعى لإيجاد حل مع المؤسسة المالية الدولية يضمن انتعاشة الاقتصاد التونسي بأقل الأضرار الممكنة، فبادرت إلى تحميل الرئيس مسؤولية هذا العطل دون طرح الحلول، وذلك على عكس ما كانت تقدم عليه من طلب قروض ومعونات لم ينتفع منها الشعب التونسي، بل أوقعته في أزمات يزايد بها الإسلاميون وحلفاؤهم الآن.

كل هذا لن يعفي الجميع من مسؤولية الأزمة ولن يقدر على جعل الناس تنسى دورها في ذلك، لكن اتهام الرئيس وحده، يذكرنا بصاحبنا الميكانيكي في المقهى، وإطلاقه لصرخة الغضب في وجه صاحب المركبة الأهوج الذي تسبب في تشويه السيارة ثم جاء يحتج على التأخير في إصلاحها، ودون تكاليف تذكر.

ونبقى دائما في هذا المقهى الشعبي الذي يعكس صورة حقيقية للرأي العام في تونس، فإن سائق السيارة المعطلة قد علا صراخه أمام الميكانيكي متهما إياه بالرعونة وسوء التدبير، بالإضافة إلى غلاء أجرته المشط أمام سوء الأوضاع المعيشية.

رد الميكانيكي مبررا ذلك بغلاء قطع الغيار وصعوبة توريدها، وأن الحل هو أن نعول على ما يتوفر لدينا من إمكانيات.. واشتعل النقاش من جديد إلى درجة أن أحد المتعاطفين مع الميكانيكي صرخ على الملأ قائلا إن السائق لا يمتلك في حوزته رخصة قيادة أصلا، ومن أساسه.

سكت الجميع، واستمر صوت فيروز يغني في المقهى “ها السيارة مش عم تمشي، بدنا حدا يدفشها دفشة”.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية