هل يقطع السودان مع ماضيه الإسلاموي؟

هل يقطع السودان مع ماضيه الإسلاموي؟


28/07/2020

ترجمة: محمد الدخاخني 

قال وزير العدل السوداني إنّ بلاده ستقوم بحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وإلغاء الحظر على التحول الديني عن الإسلام، والسماح لغير المسلمين باستهلاك الكحول، وذلك في قطيعة حاسمة مع ما يقرب من أربعة عقود من السياسات المتشددة في ظلّ الحكومة الإسلاموية السابقة.

اقرأ أيضاً: لأول مرة في تاريخ السودان.. سيدتان في منصب "والي"

وكانت الحكومة الانتقالية، التي تولت السلطة بعيد الإطاحة بالمستبدّ السوداني، عمر البشير، العام الماضي، قد واجهت معارضة شديدة من المحافظين الذين ازدهروا في ظلّ النظام السابق، لكن يبدو أنّ رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، قد سرّع من وتيرة الإصلاحات بعد نداءات من مجموعات مناصرة للديمقراطية بتغيير أسرع.

وخلال الأسبوع الماضي، استبدل وزراء المالية والخارجية والطاقة والصحة، كجزء من تعديل وزاري جديد، كما أقيل قائد الشرطة السودانية ونائبه، اللذين تعدّهما المجموعات المناصرة للديمقراطية مقربين من نظام البشير.

...

وقال حمدوك، الذي يقود إدارة مكونة من التكنوقراطيين، بموجب اتفاقية تقاسم سلطة مربكة، عمرها 39 شهراً، بين الجيش والمجموعات المدنية: إنّ التعديل الوزاري يهدف إلى "تعزيز أداء وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية والاستجابة للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة".

عدم تجريم غير المسلمين بسبب الخمر

وقال وزير العدل، نصر الدين عبد الباري، للتلفزيون الحكومي، إنّ القوانين الجديدة، التي أعلنت نهاية هذا الأسبوع، تعني أنّ الأقلية غير المسلمة في السودان لن تجرَّم بعد الآن لشربها الكحول في الأماكن الخاصة، وبالنسبة إلى المسلمين، سيبقى الحظر قائماً، وعادة ما يجلد الجناة بموجب الشريعة الإسلامية.

خلال حكم البشير، قال بعض رجال الدين السودانيين إنّ أشكالاً من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مباحة دينياً، مجادلين حول ما إذا كان ذلك واجباً أم لا

هذا وكانت المشروبات الكحولية قد حظرت في السودان، منذ أن أدخل الرئيس السابق، جعفر النميري، الشريعة الإسلامية، عام 1983، ملقياً زجاجات الويسكي في النيل في العاصمة الخرطوم.

كما سيحظر السودان ممارسة "التكفير"، التي يمكن من خلالها أن يعلَن مسلم ما مرتداً من قبل آخر، ويخضع لعقوبة محتملة بالإعدام، وقال عبد الباري: "لقد صار تكفير الآخرين يشكّل تهديداً لأمن المجتمع وسلامته".

حظر الختان

ولطالما سعت الناشطات لفرض حظر على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية؛ فقد قدّر مسح مدعوم من الأمم المتحدة، عام 2014، أنّ "87 في المئة من النساء والفتيات السودانيات، بين سنّ 15 و49، تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وتخضع معظمهنّ لشكل متطرف من التشويه؛ هو الاستئصال والخياطة المعدلة، إزالة البظر وخياطة ثلثي الجزء الأمامي من الشفرين الصغيرين، وكلّ من تثبت إدانته بتهمة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية سيحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام، طبقاً لنسخة من القانون الجديد.

اقرأ أيضاً: لماذا يُتهم السودان بالتنازل لصالح أثيوبيا في أزمة سدّ النهضة؟

وقالت وزارة العدل في بيانها؛ إنّ تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية "يهين كرامة المرأة".

وخلال حكم البشير، قال بعض رجال الدين السودانيين إنّ أشكالاً من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مباحة دينياً، مجادلين بأنّ النقاش الوحيد يدور حول ما إذا كان ذلك واجباً أم لا.

وبينما ابتهج الكثيرون بتمرير القانون الذي طال انتظاره، حذرت مجموعات حقوقية من أنّ هذه الممارسة ما تزال راسخة بعمق في المجتمع المحافظ في المنطقة، وأنّ عملية فرض القانون تمثّل تحدياً جمّاً.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تبعية لأردوغان وإثارة للفوضى في تونس ومزايدة على السودان

وفي مصر المجاورة، على سبيل المثال، حيث حظر قطع الأعضاء التناسلية عام 2008، ورفع إلى مرتبة الجناية عام 2016، وجد استطلاع حكومي، مع ذلك، أنّ ما يقرب من 9 من كلّ 10 نساء مصريات خضعن لتشويه أعضائهن التناسلية، وشكّك نشطاء مخضرمون آخرون في توقيت اعتماد القانون، قائلين إنّ جائحة فيروس كورونا تضعهم في وضع غير مواتٍ؛ لأنّهم لا يستطيعون تعبئة حملات توعية أو تدريب الشرطة في بلد يمرّ بحالة إغلاق.

ظروف غير مناسبة للتشريع

وقالت ناهد طوبيا، وهي ناشطة رائدة في مجال الحقوق الصحية للمرأة السودانية ومتخصصة في إنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية: "يوجد حالياً نقص في الوقود وانقطاع للتيار الكهربائي، بشكل يومي ومطوّل، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بـ "كوفيد-19"، وأضافت: "اتصال الأشخاص وتنقّلهم في حالة عرقلة شديدة، وهذه ليست الظروف التي تكون فيها الدعوة للتشريع ضدّ تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ذات أولوية، أو ممكنة حتى".

هذا وقد تمّ تأكيد وجود أكثر من 10,000 حالة إصابة بـ "كوفيد-19" في السودان، و649 حالة وفاة.

يعيش المسيحيون السودانيون بشكل رئيس، في الخرطوم وفي جبال النوبة، بالقرب من حدود جنوب السودان، ويتبع بعض السودانيين أيضاً معتقدات أفريقية تقليدية

ومع ذلك؛ فإنّ الخطوة، الرمزية والتبعية، أثارت آمالاً في حماية أقوى للحريات الشخصية مع تحرّك السودان نحو الانتخابات الديمقراطية المقرّر إجراؤها في عام 2022.

وفي تغيير آخر، لن تحتاج النساء، بعد الآن، إلى تصريح من أفراد عائلاتهن الذكور للسفر مع أطفالهن.

رغم انتقاد البعض وتيرة الإصلاح؛ فقد اتخذت الحكومة الجديدة سلسلة من الخطوات التي فاجأت وأسعدت العديد من المراقبين الدوليين.

الدكتاتور السابق

من بين تلك الخطوات؛ تقديم البشير للمحاكمة بتهمة الفساد، بل والإشارة إلى أنّ الدكتاتور السابق قد ينقل في نهاية المطاف إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمواجهة اتهامات بالإبادة الجماعية، وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية؛ بسبب الفظائع التي ارتكبتها القوات الموالية للحكومة في دارفور.

وفي نزاع دارفور؛ أعلن متمردون من أثنيات وسط أفريقية وأفريقية جنوب صحرواية عصياناً في الإقليم، عام 2003، متذمّرين من اضطهاد الحكومة التي يهيمن عليها العرب في الخرطوم، فردّت الحكومة بقصف جوي، وأطلقت العنان لميليشيات تعرف باسم "الجنجويد"، وهي ميليشيات متهمة بالقتل الجماعي والاغتصاب، وقد قتل ما يصل إلى 300 ألف شخص، وطرد 2.7 مليون شخص من منازلهم.

اقرأ أيضاً: مصدر أمني لـ"حفريات": الإخوان الفارون سلموا أردوغان أموال السودان وأسراره

وخلال الشهر الماضي؛ اعتقل في جمهورية أفريقيا الوسطى أحد أشهر قادة "الجنجويد" المتورطين في حروب دارفور، وسُلِّم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو علي كوشيب، الذي كان هارباً منذ 13 عاماً، وقد استسلم للسلطات في زاوية نائية من شمال جمهورية أفريقيا الوسطى بالقرب من حدود البلاد مع السودان.

وفي أيار (مايو)؛ عيّن السودان سفيراً لدى الولايات المتحدة، وهو أول مبعوث من هذا النوع منذ أكثر من 20 عاماً.

النميري والشريعة

وكان إدخال النميري الشريعة الإسلامية عاملاً مساعداً رئيساً في حرب دامت 22 عاماً، بين شمال السودان المسلم والجنوب المسيحي، بشكل رئيس، والتي أدّت، عام 2011، إلى انفصال جنوب السودان.

وقد تحوّل النميري بعيداً عن الأيديولوجيات القومية والاشتراكية والعروبية السابقة تجاه الإسلاموية، في أوائل الثمانينيات، لكنّه ظلّ حليفاً مهماً للولايات المتحدة في المنطقة.

اقرأ أيضاً: هل يصلح السودان ما أفسدته جماعة الإخوان؟

وعزّز البشير الشريعة الإسلامية، بعد توليه السلطة، عام 1989، ساعياً لتقوية دعمه بين الفصائل المحافظة القوية في السودان.

ويعيش المسيحيون السودانيون بشكل رئيس، في الخرطوم وفي جبال النوبة، بالقرب من حدود جنوب السودان، ويتبع بعض السودانيين أيضاً معتقدات أفريقية تقليدية.

المصدر:

جيسون بورك، "الغارديان"، 12 تموز (يوليو) 2020



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية