هل ينتخب لبنان أخيراً رئيساً يحقق الاستقرار؟

هل ينتخب لبنان أخيراً رئيساً يحقق الاستقرار؟

هل ينتخب لبنان أخيراً رئيساً يحقق الاستقرار؟


04/02/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

مؤخّراً، قال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، في مقابلة مع صحيفة (الأخبار): إنّه لا يُعارِض انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للبنان. وجاء ذلك بعد فترة من قول جنبلاط العكس تماماً. بالنسبة إلى العديد من المراقبين، فإنّ قُرب صحيفة (الأخبار) من حزب الله يشير إلى أنّ الزعيم الدرزي يبعث برسالة إلى الحزب حول استعداده المحتمل لتأييد فرنجية، مُرشَّح الحزب.

جنبلاط يُعتبر الشخص الذي يُمكن من خلال سلوكه معرفة اتجاه الرياح في السياسة اللبنانية، وقد كانت خطوته محسوبة بعناية. لقد أكّد أنّ آراءه بشأن فرنجية لا تعكس بالضرورة رأي كتلته النيابية (وذلك وَهْم كثيراً ما يُصرُّ عليه) التي يرأسها، رسمياً على الأقل، ابنه تيمور. لذلك إذا كان للكتلة أن تصوِّت لصالح فرنجية، كما أشار جنبلاط، فسيتعين على المرشَّح تقديم تنازلات سياسية.

وتكمن مشكلة فرنجية -مع أخذ مسألة أنّ رئاسة لبنان مخصصة للمسيحيين الموارنة بعين الاعتبار- في أنّ جميع الأحزاب المسيحية الرئيسة تعارضه. ولذلك فإنّ أصوات الكتلة النيابية التي يقودها جنبلاط ستكون ضرورية ليُنتَخَب بأغلبية غير مسيحية، إلى جانب أصوات بعض البرلمانيين المسيحيين المحسوبين على الكتل المُسلمة، وهذا يضع جنبلاط في موقف يُحسَد عليه.

ربما كان الدافع وراء خطوة جنبلاط هو التصريح الذي أصدره قبل أكثر من أسبوعين رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو حليف رئيس لحزب الله. لقد أعلن بري أنّ فرنجية هو "المرشح الوحيد" لرئاسة الجمهورية. ويُبحِر الزعيم الدرزي دائماً بالقرب من بري، ويفهم أنّ تصريحه بمثابة إعادة تأكيد على أنّ حزب الله لن يقبل أيّ شخص آخر.

وليد جنبلاط

وبما أنّ جنبلاط لا ينوي مواجهة حزب الله، فقد رأى فائدة سياسية في محاولة استغلال أيّ إجماع حول فرنجية. لكن فيما يتعلق بما هو أبعد من ذلك، لماذا تحرَّك جنبلاط في وقت ما يزال فيه انتخاب رئيس أمراً بعيد المنال، بالنظر إلى الصراع في غزة وقرار حزب الله بدعم حماس من خلال فتح جبهة لبنانية؟ هناك عدة أمور تُفسِّر حسابات الزعيم الدرزي.

الأمر الأوّل يرتبط على وجه التحديد بالصراع في غزة. يتوقع العديد من اللبنانيين، ومن بينهم جنبلاط، أنّه بمجرد انتهاء الحرب على طول الحدود مع إسرائيل، فإنّ حزب الله سوف يضغط من أجل ضمان انتخاب رئيس يثق به، أي رئيس يحمي "المقاومة" التي يجسدها الحزب. ومنذ البداية قال حزب الله إنّه يسعى لانتخاب فرنجية، لأنّه "لن يطعن المقاومة في الظهر".

وفي الوقت الحالي، هناك ضغوط إسرائيلية وأمريكية متزايدة من أجل التوصل إلى اتفاق دائم على طول الحدود الجنوبية. ويريد حزب الله ضمان وجود رئيس يمكنه الدفاع عن أولويات الحزب في أيّ مفاوضات، أو في أعقاب مثل هذا الاتفاق إذا جاءت الانتخابات الرئاسية في وقت لاحق. ومن المُرجَّح أن تشمل المفاوضات الولايات المتحدة، وهي من بين الدول الـ (5) التي شَكَّلت مجموعة اتصال بشأن لبنان، والتي تضم أيضاً فرنسا، والسعودية، وقطر، ومصر.

هناك ضغوط إسرائيلية وأمريكية متزايدة من أجل التوصل إلى اتفاق دائم على طول الحدود الجنوبية

وقد يشعر حزب الله أيضاً بوجود فرصة هنا، إذا لم تكن هناك انتخابات رئاسية قبل محادثات التفاهم حول الحدود اللبنانية -وهو الأمر الذي وضعته إسرائيل كشرط لعدم غزو لبنان- فقد يربط الحزب انتخاب فرنجية بأيّ تنازلات قد يقدمها. بمعنى آخر؛ إذا طُلِبَ منه سحب وحداته بعيداً عن الحدود، ولو رمزياً، فإنّ أحد الأشياء التي قد يطالب بها في المقابل هو أن تقبل مجموعة الدول الـ (5) بفرنجية.

وقد أصبح من الواضح بشكل متزايد لمجموعة الدول الـ (5) أنّ إيران، من خلال حزب الله، سيكون لها دور تلعبه في الانتخابات الرئاسية، على الرغم من أنّها غير ممثلة في المجموعة. ولهذا السبب انتبه اللبنانيون إلى اللقاء الودي الذي جرى الأسبوع الماضي بين سفيري السعودية وإيران في لبنان. وفي صراع غزة اتخذت الرياض موقفاً أقوى ضد إسرائيل، ورفضت المشاركة في تحالف من الدول كانت الولايات المتحدة تحاول تشكيله لمحاربة الحوثيين.

وقد رحَّبت إيران بذلك، ومن المتوقع أن يكون للتقارب السعودي الإيراني تأثير إيجابي على المشهد اللبناني، وربما يُمهِّد الطريق لقبول السعودية في نهاية المطاف بفرنجية. سيكون هذا مهماً، لأنّه إذا وافقت المملكة، فقد تكون قادرة على إقناع حليفها المسيحي اللبناني الرئيس، حزب القوات اللبنانية، بالتصويت لصالح فرنجية، ممّا يضفي عليه شرعية طائفية.

وبحسب ما ورد، سوف تجتمع الدول الـ (5) في شباط (فبراير)، على الرغم من عدم تحديد موعد. لكن مع وجود نوع ما من التسوية في حرب غزة -التي أصبحت الآن جزءاً من المعادلة- أصبحت الفرصة قائمة لتحقيق الاستقرار في لبنان من خلال إنهاء الفراغ الرئاسي كوسيلة لتحقيق استقرار الوضع في بلاد الشام.

والسؤال المطروح هو ما إذا كانت الأحزاب المسيحية اللبنانية ستوافق على ذلك. لقد شهد المسيحيون بقلق بالغ قوتهم تتضاءل في لبنان، وهذا التضاؤل لا يمكن أن يتزايد إلا إذا حُدِّد المنصب المسيحي الماروني الأعلى بشكل رئيس من قِبل أحزاب غير مسيحية، مدعومة من قوى إقليمية ودولية.

لكنّ المصالح المسيحية هي آخر ما يدور في أذهان معظم الدول التي سئمت من النظام العاطل في لبنان. لقد حولت الحرب في غزة التطورات في لبنان إلى أحد أبعاد معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن عجيب المفارقات إذاً أن تُوقِّع الدول الـ (5) على ترتيب يعمل في نهاية المطاف على تعزيز قوة إيران وحلفائها، الذين استفادوا بالفعل إلى حد كبير من هذا الصراع.

المصدر:

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2024/01/31/there-is-an-opportunity-coming-up-to-stabilise-lebanon-by-finally-electing-a-president/

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية