هل ينهي الصراع بين سعيد والنهضة حقبة الإخوان في تونس؟

هل ينهي الصراع بين سعيد والنهضة حقبة الإخوان في تونس؟

هل ينهي الصراع بين سعيد والنهضة حقبة الإخوان في تونس؟


26/04/2023

برغم أنّها فقدت أغلب قواعدها الشعبية، وخسرت بريقها تماماً في الشارع التونسي، ظلّت حركة النهضة الإخوانية بتونس ترتكز على خزان إعلامي كبير يعتمد على أموال الحركة التي يديرها زعيمها راشد الغنوشي بفضل علاقاته مع تنظيم الإخوان وداعميه، بالإضافة إلى حلفاء النهضة في الخارج، لكنّها فقدت ذلك أيضاً باعتقال الغنوشي، ممّا قد يعجّل بانتهاء حقبة الإخوان، التي بدأت منذ ثورة 2011.

اعتقال الغنوشي الذي قاد البرلمان المنحل بقرار رئاسي في تموز (يوليو) 2021، يحيل أيضاً إلى اجتياز العلاقة بين نظام الرئيس التونسي قيس سعيّد والحركة الإسلاموية نقطة اللّاعودة، بحسب دراسة نشرها (مركز الإمارات للسياسات)، بعنوان "نهاية حقبة في تونس، آفاق الصراع بين حركة النهضة والرئيس سعيّد"، للكاتب التونسي أحمد نظيف.

حاولت الدراسة استكشاف آفاق الصراع السياسي بين حركة النهضة ونظام الرئيس سعيّد، انطلاقاً من واقعة اعتقال راشد الغنوشي، وتداعياتها محلياً ودولياً.

اعتقال الغنوشي ودلالاته

في البداية، لفتت الدراسة إلى أنّ الصراع الدائر بين نظام الرئيس قيس سعيّد والحركة الإسلامية ليس جديداً، بل هو تقريباً القاعدة التاريخية التي حكمت علاقة الدولة التونسية بالحركة باستثناء العشرية الأخيرة (2011 - 2021).

وفي جميع جولات الصراع التاريخي بين الدولة والحركة، عادةً ما كان اعتقال رئيسها راشد الغنوشي، أو خروجه من البلاد، بمثابة النقطة التي تُدشِّن الطابع الوجودي لهذا الصراع، واستندت الدراسة في ذلك إلى ما حَدَثَ في عام 1987 في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وكذلك ما حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، وهو ما رأت أنّه يتكرر اليوم في عهد الرئيس قيس سعيّد.

 الصراع الدائر بين نظام الرئيس قيس سعيّد والحركة الإسلامية ليس جديداً

واعتبر الباحث أحمد نظيف أنّ اعتقال الغنوشي جاء في سياق عام مأزوم تعيشه تونس منذ مطلع العام الحالي، فقد شرعت السلطات منذ شباط (فبراير) الماضي في حملة اعتقالات واسعة طالت وزراء سابقين ورجال أعمال وصاحب أكبر محطة إذاعية في البلاد، بتهم التآمر على أمن الدولة.

وفي سياق خاص يتعلق بحركة النهضة، طالت الاعتقالات عدداً كبيراً من قياداتها كذلك، بتهم التآمر على أمن الدولة، والتورط في شبكات التسفير لبؤر التوتر في ليبيا وسوريا والعراق بين 2012 و2015، وكذلك تحت طائلة قضايا تبييض أموال وفساد.

اعتقال الغنوشي يحيل إلى اجتياز العلاقة بين نظام الرئيس التونسي قيس سعيِّد والحركة الإسلاموية نقطة اللّاعودة

لكنّ حملة الاعتقالات لم تصل إلى الغنوشي حتى منتصف نيسان (أبريل)، رغم أنّه كان مُلاحَقاً في قضايا أخرى، وقد مثل في شباط (فبراير) أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب عقب شكوى اتهم فيها بتسمية الشرطة بـ "الطغاة". وقبل ذلك، وتحديداً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، استمع إليه قاضٍ من المركز القضائي لمكافحة الإرهاب في قضية تتعلق بإرسال جهاديين إلى سورية والعراق، وقبلها استجوب للاشتباه به في قضيتي فساد وغسيل أموال مرتبطتين بتحويل أموال من الخارج إلى منظمة خيرية تابعة لحركة النهضة تموز (يوليو) 2022.

هذا، وقد تم اعتقال اعتقال الغنوشي هذه المرة على خلفية مقطع فيديو مُسرَّب من أحد اجتماعات جبهة الخلاص الوطني المعارضة، قال فيه: "إنّ تصوّر تونس بدون نهضة، وبدون إسلام سياسي، هو مشروع حرب أهلية".

اعتقال الغنوشي وضع حداً لما يشاع في الأوساط السياسية المحلية من أنّ الغنوشي كان يتمتع بنوع من الحصانة بدفع من حكومات أجنبية وعربية، وفقاً للدراسة، لكنّ الدلالة الأبرز لهذا الحدث أنّه يُمثِّل ذروة المعركة السياسية بين حركة النهضة والرئيس قيس سعيّد، حيث أردفت السلطات قرار الاعتقال بقرار يقضي بإغلاق المقر المركزي للحركة، ومنع الاجتماعات في كل مقرات حركة النهضة، وأغلقت مقر اجتماعات جبهة الخلاص المعارضة، اعتماداً على قانون الطوارئ.

وهو ما اعتبرته الدراسة تطوراً لافتاً في تعامل السلطة التونسية مع نشاط المعارضة السياسية، لا سيّما حركة النهضة، مع تزايد إمكانية الاتجاه نحو تعميم هذا النهج السياسي والأمني في التعاطي مع بقية قوى المعارضة، كأحزاب اليسار والليبراليين والحزب الدستوري.

ردود الفعل الدولية

قرار اعتقال راشد الغنوشي، وإن شكّل دفعاً قوياً لشعبية الرئيس قيس سعيّد لدى أنصاره، الذين يطالبونه "بمحاسبة من حكموا خلال العشرية الماضية"، إلا أنّه أثار حفيظة بعض القوى الدولية التي ما فتئت تعلن تحفظها، من وجهة نظر حقوقية، على سياسات الرئيس سعيّد ونظامه.

 حملة الاعتقالات لم تصل إلى الغنوشي حتى منتصف نيسان (أبريل)، رغم أنّه كان مُلاحَقاً في قضايا أخرى

فقد لفتت الدراسة إلى موقف الاتحاد الأوروبي الذي أعرب عن "قلقه الشديد" إزاء ما اعتبره "تدهوراً سريعاً للوضع السياسي في تونس" عقب اعتقال الغنوشي.

من جانبها، حذّرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك مِن تراجع تونس عمّا سمّته "أساسيات ديمقراطيتها". وقالت بربوك: إنّ برلين تنظر إلى اعتقال الغنوشي "بأكبر قدر من القلق"، مُشددةً على أنّ "الإنجازات الديمقراطية في تونس منذ 2011 يجب ألّا تضيع".

أمّا وزارة الخارجية الأمريكية، فقد رأت في اعتقال الغنوشي "تعارضاً مع أحكام الدستور التونسي حول حرية الرأي والتعبير".

الاعتقال وضع حداً لما يشاع في الأوساط السياسية المحلية من أنّ الغنوشي كان يتمتع بنوع من الحصانة بدفع من حكومات أجنبية وعربية

 كذلك، أبدت بريطانيا، التي يحتفظ الغنوشي بعلاقة قوية معها، باعتبارها كانت منفاه خلال (23) عاماً من حكم الرئيس زين العابدين بن علي، موقفاً مُشابهاً، إذ قالت على لسان وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طارق أحمد: "تؤدي هذه الاعتقالات، بما في ذلك اعتقال راشد الغنوشي، والقيود المستمرة على المعارضة المشروعة في تونس، إلى تآكل مساحة التعددية السياسية. أحثّ الحكومة على احترام مبادئ وقيم المجتمع المفتوح والديمقراطي لصالح جميع التونسيين".

الدراسة لفتت في تقصيها للمواقف الدولية، موقف الجزائر أو فرنسا أو إيطاليا، دول الجوار التونسي الداعم للرئيس قيس سعيّد، التي لم تعبّر حتى الآن عن موقفها ممّا يجري، في وقت تسعى فيه روما بقوة لإقناع صندوق النقد الدولي بمنح تونس القسط الأول من قرض تمويل الموازنة، إذ أعاد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، في 24 نيسان (أبريل) التأكيد على أنّ سلطات بلاده "تدفع نحو حل جيد" بين تونس وصندوق النقد.

السيناريوهات المحتملة

كاتب الدراسة اعتبر أنّه، في ضوء الاستقطاب السياسي بين النظام والمعارضة (لا سيّما القوى الإسلامية) الذي بلغ درجةً غير مسبوقة، تبدو المسارات المستقبلية للصراع بين الطرفين متجهةً نحو (3) سيناريوهات ممكنة.

يتمثل السيناريو الأوّل في تصعيد السلطات التونسية لحملة الاعتقالات تجاه قيادات حركة النهضة، والتسريع في فتح ملفات قضائية، وإصدار أحكام يمكن أن تؤدي إلى حلّ الحركة من الناحية القانونية، وبالتالي إنهاء الوجود التنظيمي للإسلام السياسي في البلاد.

واستبعد هذا السيناريو في ضوء ما وصلت إليه العلاقات بين الطرفين، لكن ستكون له على الأرجح تداعيات أمنية داخلياً، وتداعيات دولية، حيث يمكن أن يواجه هذا المسار معارضةً غربية، وخاصة من قبل واشنطن ولندن وبرلين، ممّا سيؤثر على حظوظ الحكومة التونسية الاقتصادية.

لكنّه في الوقت نفسه يمكن أن يكون دافعاً لدعم دولي من دول أخرى لديها مواقف متحفظة أو مضادة للإسلام السياسي، لا سيّما فرنسا وإيطاليا.

ويتمثل السيناريو الثاني في محافظة السلطة التونسية على نسق مستقر من المواجهة مع حركة النهضة، حيث يمكن أن تواصل فتح الملفات القضائية التي تستهدف الحركة دون أن تذهب بعيداً نحو حلّها، باعتبار أنّ هذا المسار قد يجلب مزيداً من الدعم الدولي وحتى المحلي للحركة، ومزيداً من التحفظات الدولية حول ملفي الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس.

ومضت الدراسة في اعتبار أنّ السلطة ستحاول تطويق نشاط المعارضة عموماً، وحركة النهضة على نحو خاص، من خلال تطبيق إجراءات قانون الطوارئ. وهو السيناريو الذي اعتبرته الأقرب للحدوث، بوصفه الخيار الأفضل للسلطة وخاصة لحلفائها الخارجيين، لاسيّما باريس وروما، لأنّهم لا يريدون الوقوع في إحراج دعم أيّ إجراءات يعتبرونها "مخالفة للقيم الديمقراطية"، خصوصاً بالنسبة إلى إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

السلطة ستحاول تطويق نشاط المعارضة عموماً، وحركة النهضة على نحو خاص، من خلال تطبيق إجراءات قانون الطوارئ، وهو السيناريو الذي اعتبرته الأقرب للحدوث

ويذهب السيناريو الثالث إلى تراجُع السلطات التونسية عن القيام بإجراءات تجاه حركة النهضة وبقية قوى المعارضة، وإخلاء سبيل القيادات التي اعتُقِلَت، بمن فيهم الغنوشي نفسه، وهو سيناريو يبدو ضعيفاً، لا سيّما على المدى القريب، بالنظر إلى الطبيعة السياسية للرئيس قيس سعيّد.

مواضيع ذات صلة:

لماذا تخلى إخوان تونس عن رئيس حركتهم في محنته؟

مناورة إخوان الجزائر في تونس ... اعتداء والتفاف وتعمية

هل قطعت حركة النهضة التونسية حقاً مع الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية