وثيقة مسرّبة تشدد: صرح الإخوان في الجزائر ينهار

وثيقة مسربة تشدد: صرح الإخوان في الجزائر ينهار

وثيقة مسرّبة تشدد: صرح الإخوان في الجزائر ينهار


21/06/2023

شدّدت وثيقة مسرّبة ـ حصل عليها مراسل "حفريات" ـ على أنّ "صرح الإخوان في الجزائر ينهار"، فما هي الحيثيات؟   

جاء في الوثيقة التي أمضاها "مجموعة من الإخوة والأخوات، ممّن تجندوا عن قناعة وبإخلاص خلف المرحوم الشيخ محفوظ نحناح والشيخ محمد بوسليماني" (وهما مؤسّسا تنظيم الإخوان بالجزائر)، أنّهم "تابعوا بمرارة كبيرة ما وصل إليه التنظيم من انفجار وتكسير للمرجعيات والمقومات والأخلاقيات، فضلاً عن تكسير للأبواب والأقفال وانتهاك شامل وصارخ للأعراض، واستحلال للحرمات وانخراط مشين في ممارسات الفساد".

وركّز محرّرو الوثيقة بشكل خاص على ما انتاب الفترة التي أعقبت رحيل محفوظ نحناح في 19 حزيران (يونيو) من العام 2003 إلى غاية العام 2009 داخل حركة السلم (أكبر واجهة محلية للإخوان)، قائلين: إنّ "هذه الانحرافات الخطيرة أفرغت حركة السلم من محتواها، وأبعدتها عن الفكرة في فلسفتها وأهدافها وآلياتها، وأبعدتها عن التزاماتنا بما عاهدنا عليه الله ورسوله، وبايعنا عليه المؤسسين، ونحن نتلوا قول الله تعالى: "إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله".

وتابعوا: "كنّا حريصين على البقاء في الظلّ، لولا نصائح بعض الشيوخ والمرجعيات ومناداتهم بضرورة التعبير عن الصوت الآخر للدعوة الإسلامية الذي ظل يعمل بعيداً عن الأضواء، طمعاً في مضاعفة الأجر، وتجنباً لاستغلال الدين لأغراض دنيوية وسياسية ونفعية".

وبرّر أصحاب الوثيقة خطوتهم بحرصهم "على صيانة شباب الحركة وأبنائها وبناتها وطلّابها وطالباتها وصلاحها من الاصطفاف في طوابير العصيان والانحراف والردّة، وحرصاً منّا على الفكرة والمشروع، وحرصاً منّا على عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة".

(7) محاذير

أكّدت الوثيقة الموجّهة إلى أتباع الإخوان (7) محاذير:

1ـ التصرفات اللّامسؤولة للمنظومة القيادية المركزية بجميع محاورها؛ ممّا جعل الجميع عاجزاً عن صناعة المخرج.

الراحل محفوظ نحناح

2ـ دخول المعترك السياسي قبل الإعداد التربوي الجيد، رغم ما كان يبرره من تهديد لكيان الدولة ومشروع  الصحوة في بداية التسعينات، إلّا أنّه يبقى في تقديرنا السبب الرئيسي فيما وصلنا إليه، وعليه نعتبر أنّ كل إصرار على مواصلة العمل السياسي الحزبي في ظل هذه الظروف هو إمعان في تشويه الفكرة والمشروع، وإصرار على تمييع الدعوة والتيئيس من المستقبل، وذاك ناتج في تصورنا عن خطأ الحركة الإسلامية في دخولها المعترك السياسي الحزبي في غياب مرجعية قوية، وقبل أن تؤسس مدرسة سياسية معلومة الفلسفة بيّنة الأهداف والبرامج.

3ـ شروط العمل السياسي الحزبي غير متوفرة، ولن تتوفر بالقدر الكافي فيما تبقى من عمر جيلنا، الذي ليس من حقه اتخاذ القرار في مكان الأجيال القادمة، بقدر ما هو مطالب بالإعداد الجيد والمسؤول، ونتصور أنّ الأولوية بالنسبة إلى الإسلاميين الجزائريين في المرحلة القادمة، تكمن في الانشغال بالدعوة إلى الله والرجوع إلى التركيز على تجذير المؤسسات الدعوية، والإبحار من جديد في كتاب الله وسنّة نبيه.

4- التهميش المبالغ فيه للطاقات والكفاءات، وإصرار جميع القيادات على الترشح وفرض الترشيح في الانتخابات البرلمانية الأولى والثانية والتسابق نحو الاستيزار، مما ولّد انسحاباً صامتاً لخزان واسع من الكوادر، وولّد احتقاناً قوياً ومفجّراً لدى معظم القيادات القاعدية الميدانية، ممّا دفعها إلى ردّات فعل عنيفة وغير شرعية في اختياراتها للقيادات والقرارات في المؤتمرين الثالث والرابع، وولّد لديها سلوكيات وممارسات غريبة عن منهج الحركة وسمتها التربوي، وجعلها تختار الانتخاب العقابي على جميع المستويات وفي جميع المناسبات، وأوقعها ضحايا التهميش والإذلال في وقت الشيخ نحناح وباسمه، وضحايا القيادة المزاجية المنقوصة الوعي والفهم باسم المؤسسات بعد وفاته.

الفقيد محمد بوسليماني

5ـ الجدار المنيع الذي ضُرب بين الشباب الصاعد من القيادات الطلابية والكشفية والشبانية وبين علماء الأمة ومرجعياتها وفقهائها وقادتها، جدار وُضع بإحكام رغم أنّ تلكم المهمة هي من أبرز مهمات المنظومة القيادية لما تملكه من علاقات واتصالات وإمكانيات مادية ومالية وصلاحيات تنظيمية وقيادية، وهو ما جعل الكثير من القيادات الصاعدة في غياب الالتصاق بمنابع العلم والدين والتفقّه والمرجعيات تقع فريسة ممارسات الفساد والانحرافات السياسية بحكم البيئة السياسية الملوثة التي يتحركون فيها، وقد اشترك في هذه الممارسات قادة الشرعية والتغيير معاً.

6ـ الانقلاب العنيف على خط الشيخ نحناح بعد وفاته، وإذلال أصحابه ومحبيه والمقرّبين منه، وردم تراثه ومسودات كتبه التي لم ترَ النور إلى يومنا هذا، وبدأت نظريات السيف المسلول والمعركة المفتوحة تطبق على المخالفين في الرأي، وتجلى ذلكم بوضوح في جمعية الإرشاد ومنظمة الكشافة (أهمّ واجهات الإخوان محلياً)، ونسفت المؤسسات وصودرت المجلات، واختيرت جميع الطواقم ووُزّعت جميع المناصب على أساس ولاءات غريبة ومشبوهة، وشهدنا بألم الانتقال العلني إلى التنظير للعنف بشقيه المادي والمعنوي داخل الحركة من خلال كتاب "المعركة المفتوحة".

7ـ فشل قيادة الشرعية الرسمية في إدارة التوازنات المطلوبة، وفشل قادة التغيير في طرح تصور واضح ومقنع لمشروعهم، لذا أصبحت المؤسسات خالية من روح الفكرة التي آمنا بها والمشروع الذي حملناه، وأصبحت صناعة الدسائس المادة الأكثر رواجاً.

انسحاب من التنظيم والتزام مع الدولة

أعلن أصحاب الوثيقة "انسحابهم التام من أيّ عمل سياسي حزبي"، وأبرزوا تفرغهم الكلّي لمهمتين أساسيتين:

الأولى: مرافقة الأفراد والمجموعات الراغبة في مواصلة الفكرة المشروع وبعيداً عن الأطراف الحزبية المتصارعة، ومساعدتهم في إنجاز مشاريعهم الدعوية.

الثانية: الالتزام بأخلاقيات الفكرة، وصدّ الإخوان قدر المستطاع عن مواصلة تجاوز الضوابط الشرعية في ممارساتهم الحزبية، قياماً بواجب النصح وإبراءً للذمة أمام الله.

صورة تجمع محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني في ثمانينات القرن الماضي

وتضمّنت الوثيقة نفسها "الوعد للدولة الجزائرية بالتفكير فيما نساهم به في بناء المستقبل بعيداً عن أيّ طابع سياسي حزبي، وبعيداً عن أيّ طابع تنظيمي كلاسيكي، لأنّنا مقتنعون بأنّ الدولة قد تخطت مرحلة الخطر بفضل جميع  المخلصين، وفي مقدمتهم مؤسستها العسكرية المنسجمة والموحدة، وبفضل المؤسسة الرئاسية التي اختارها الشعب، وإنّنا لا نصطف خلف أيّ جهة،  بقدر ما نحرص على ارتمائنا في أحضان المجتمع من أجل فترة نقاهة طويلة الأمد نلملم عبرها جراحنا ونعيد صياغة أنفسنا وأهلينا ومن يأتمر بأمرنا، دينياً وروحياً ونفسياً وعلمياً".

ودعا المنسحبون "المقتنعين بخيارهم إلى إنشاء مؤسسات مستقلة لمواصلة الدعوة إلى الفكرة والمشروع بعيداً عن أيّ شكل من أشكال الصراع"، وقالوا: "سنلتقي بعد أعوام من العمل الجاد والمتواصل في الفضاءات الرحبة والواسعة والمفتوحة، بعيداً عن أيّ شكل من أشكال التنظيم الكلاسيكي المغلق الذي يصنع الاختناق ويولّد الانفجار، فالفكرة والمشروع أوسع من الحركة، وأكبر من التنظيم، وأقدس وأنظف من ممارساته سلوكيات الحريصين على التموقع والظهور".  

مواضيع ذات صلة:

الجزائر: ماذا يقصد الإخوان بالدعوة إلى "تحرير الفقه السياسي"؟

إخوان الجزائر: المشروع الصهيوني لن يعود إلى ما كان عليه

ماذا وراء تقارب إخوان الجزائر؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية