​ماذا بعد إعادة الاعتبار الغربي للنظام الإيراني؟

​ماذا بعد إعادة الاعتبار الغربي للنظام الإيراني؟


22/03/2022

رندة تقي الدين

منذ بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجومه على أوكرانيا بدأ الغرب، وخصوصاً الإعلام الغربي، يتذكر الحرب السورية وكيف أنقذ بوتين الرئيس السوري وحماه في حربه ضد شعبه، في ظل سكوت غربي عن كل ما قام به من أعمال في سوريا، بدءاً بالقاعدة البحرية والجوية، الى القصف الجوي على شعب بريء.

الآن تستعد إدارة جو بايدن لإخراج النظام الإيراني من لائحة الإرهاب، بحجة توصل قريب الى اتفاق نووي مع إيران. فبعدما هللت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للنجاح في اغتيال قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، سنرى إدارة بايدن تعفو عن الحرس الثوري وتزيله عن لائحة الإرهاب، وتهرول للطبيع مع إيران مثل كل دول أوروبا.

فبايدن بحاجة الى النفط الإيراني لتخفيض سعره في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة، وهو لا يبالي بهيمنة إيران على لبنان عبر "حزب الله"، وإخراج إيران من لائحة الإرهاب يعني أنه لم يعد هناك أي عذر لترك "حزب الله" في اللائحة وتحت العقوبات.

البراغماتية الأميركية التي جعلت الرئيس السابق باراك أوباما يمتنع عن ضرب القواعد العسكرية السورية في 2013 قبل تدخل روسيا، هي نفسها التي، إذا تم الاتفاق على النووي الإيراني، ستعيد الى إيران موقعها الاقتصادي الجاذب لدول أوروبا والولايات المتحدة. فأميركا تحتاج الى استثمارات في هذه المنطقة. كما أن دول أوروبا، بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، كلها ستهرول للاستثمار في الغاز الإيراني. لإيران احتياطي من الغاز أقل من احتياطي قطر، ولكنه من امتداد الحقل الشمال نفسه الذي هو من الجانب القطري أكبر احتياطي عالمي من الغاز، وهو حتى الآن غير مستثمر بسبب العقوبات.

إن عودة إيران وإعادة الاعتبار العربية الى بشار الأسد تستكملها الانتخابات التشريعية اللبنانية في إعطاء كل النفوذ لـ"حزب الله"، نتيجة التشتت على الساحة السنية اللبنانية وضعف المعارضة وانقسام قوى الثورة. أما تحالف "حزب الله" مع "التيار الوطني الحر" فيعني حصول الحزب الحليف لإيران على المزيد من الشرعية في الانتخابات، كما يجعل الاحتمال أكبر لتسليم الرئاسة في لبنان الى الصهر المفضل للرئيس ميشال عون جبران باسيل، عندئذ لا أحد في الأسرة الدولية يمكنه معارضة هذا الواقع الجديد، لأنه سيواجه بأن اللبنانيين اختاروا بالانتخابات.

هذا ما يصر عليه المجتمع الدولي: الانتخابات قبل كل شيء. وهي ستكون مأساة للبلد لأنها ستكرس شرعية "حزب الله" والهيمنة الإيرانية. ستكون عودة الاعتبار الى النظامين المجرمين: الإيراني والسوري حليفي بوتين. مستقبل المنطقة محكوم بهذا المصير، بغضّ النظر عن الجرائم التي ارتكبت والحروب التي أطلقت على أيدي قيادات هجرت الملايين من بلدها الى الدول المجاورة، وجوّعت شعبها بسبب العقوبات عليها. وهي لم تغير نهجها وبقيت على القمع والفساد والإرهاب. ورغم ذلك للغرب حساباته ومصالحه الخاصة، فكما فعل مع بوتين في الماضي عندما تمركز في سوريا ودمر حلب، قرر اليوم أن يعفو عن الأنظمة المجرمة ويرفع العقوبات عنها.

المأساة اللبنانية أن لبنان دولة صغيرة لا تملك موارد طبيعية تستقطب اهتمام العالم الغربي، فإذا تبين أن "حزب الله" نال أكثرية كاسحة في الانتخابات مثلما هو متوقع، بحسب قانون انتخابي كارثي، فستسعى الدول الغربية بعد انتخاب رئيس جديد (الأرجح أنه سيكون باسيل مرشح "حزب الله") لعقد اجتماع دولي للأطراف اللبنانية لإعطاء "حزب الله" جزءاً أكبر من الكعكة اللبنانية وتغيير اتفاق الطائف الذي لم يعد يهم الدول الراعية له، كونها ملّت من لبنان وانسحبت منه، ومنعت زعيم السنّة فيه من الترشح.

إنها لمأساة فعلاً عودة الاعتبار الى كل من خرّب وزعزع استقرار المنطقة. فلا شيء مستغرباً من الإدارات الأميركية التي كانت باستمرار الى جانب إسرائيل التي هجرت الفلسطينيين وقمعتهم وقتلتهم، واليوم تعيد اعتبار الغرب للنظام الإيراني وتغض النظر عن كل ما يقوم به "حزب الله" في سوريا ولبنان.. وكل ذلك يصب في خانة حماية الديكتاتوريات والأنظمة القمعية المجرمة في المنطقة، فأحد مبررات بوتين لحربه على أوكرانيا هو أنه لا يريد نظاماً ديموقراطياً حراً على حدود روسيا. ولكن الغرب في مواجهته لبوتين لا يتوانى عن تعزيز الأنظمة القمعية والمخربة في منطقة الشرق الأوسط.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية