2022 عام انهيار كلّ شيء... عن الأفغانيّات المنسيّات في سجن "طالبان" الكبير

2022 عام انهيار كلّ شيء... عن الأفغانيّات المنسيّات في سجن "طالبان" الكبير

2022 عام انهيار كلّ شيء... عن الأفغانيّات المنسيّات في سجن "طالبان" الكبير


29/12/2022

صبا سكرية

"لقد تحولن إلى عاملات في المنازل وضحايا استعباد جنسي للرجال وآلات تكاثر بشرية"... لم تستطع الناشطة الحقوقية والكاتبة الأفغانية مرسال ساياس كتم مشاعرها الغاضبة وهي تشرح ما آلت إليه أوضاع النساء في أفغانستان، منذ عودة حركة "طالبان" إلى الحكم في آب (أغسطس) 2021. وتقول في حديث لـ"النهار العربي": "ما يحدث الآن في أفغانستان كارثي. لا كلمة لشرح كل هذه الأوقات الصعبة التي تواجهها نساء بلادي. لا أصدق أن هذا يحدث في القرن الحادي والعشرين. إنه الفصل العنصري بين الجنسين والعبودية بذاتها". 

من المعروف عن "طالبان" الأفغانية أنها "كارهة النساء". ومنذ الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان والإعلان عن عودة الحركة إلى السيطرة على الحكم في أغسطس عام 2021، عاد القلق ليسيطر على النساء اللاتي سبق وعرفنه - أو سمعن عنه - لسنوات عديدة أثناء حكم "طالبان" سابقاً، والذي تميّز بتعنيف النساء ومنعهن من ممارسة حياتهن الطبيعية وتنفيذ أشنع الجرائم بحقهن، وصولاً إلى القتل بذرائع واهية.

في الأيام الأولى لعودة "طالبان" إلى الحكم، ظهر المتحدث الرسمي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد ليتعهّد بعدم المسّ بحقوق المرأة "وفق الشريعة الإسلامية"، بما في ذلك الحق في العمل ومتابعة التعليم العالي، حيث أكّد في مؤتمر صحافي أن "المرأة ستكون نشطة في مجتمعنا". حينها علّقت الأمم المتحدة بضرورة الحاجة لرؤية تصرفات "طالبان" على الأرض، لما لها من تاريخ دموي بحق النساء.

الحرمان من التّعليم

بداية القرارات التعسفية طالت التعليم الثانوي، لتعيد الحركة تنفيذ القرار الذي كان سائداً بين عامي 1996 و2001، بعدما تراجعت عن قرار فتح المدارس الثانوية للفتيات بعد ساعات فقط من إصداره، بحجّة ضرورة اعتماد زي مدرسي موحّد يتناسب مع "الشريعة الإسلامية"، وهدمت بذلك أحلام الفتيات في الحصول على أدنى حقوقهن الدراسية.

حاربت "طالبان" التعليم في مختلف مراحله، ولم يقتصر على المرحلة الثانوية. ولا تزال ردود الفعل الدولية تتوالى تنديداً بقرار طرد الفتيات من الجامعات وإغلاقها أمامهن، رغم مرور أيام على بدء العمل بالقرار الذي برّره وزير التعليم في حكومة "طالبان" بأن الفتيات "لا يحترمن اللباس الشرعي المفروض".

قبل 3 أشهر، خاضت آلاف الفتيات امتحانات قبول في الجامعة رغبة منهن في الدخول إلى مختلف المجالات كالهندسة والطب، ثم أتت "طالبان" لتنسف مجدداً كل الجهود التي بذلتها الفتيات لتذليل العقبات في سبيل بناء مستقبلهن.

حظر التّنقل

بعد أيام قليلة، ألحقت الحركة قرار منع التعليم بقرار تقييد حركتهن، فمنعت أي امرأة من السفر لأبعد من 72 كلم دون مرافقة أحد أفراد الأسرة الذكور، وبعثت برسالة إلى شركات الطيران في البلاد في آذار (مارس) 2022، عمّمت فيها قرار منع النساء من الصعود إلى الطائرات بلا وجود "مَحرم".

وبحسب تقرير لهيئة الأمم المتحدة، فإن قرارات "طالبان" التي شملت مطالبة أحد الأقارب الذكور بمرافقة المرأة العاملة إلى مكان عملها وفي الأماكن العامة، ومنعها من استخدام الصالات الرياضية والحمامات العامة، وحظر النساء من استخدام وسائل النقل العام بمفردهن، أثّرت مباشرةً على قدرة النساء على كسب الرزق، وخصوصاً اللواتي يعتبرن المعيلات الوحيدات لأسرهن.

اعتقالات وتهديد

لم تقف النساء وقوف المتفرجات بعد سلسلة القرارات التي طاولت حقوقهن الأساسية، فنزل الآلاف منهن إلى الشارع ونفّذن وقفات احتجاجية بدعم من جمعيات نسوية وحقوقية محلية ودولية، فما كان من "طالبان" إلا أن ردّت بحملة اعتقالات واسعة، تضمّنت تعذيباً جسدياً ونفسياً وتهديدات بقتل أحد أفراد الأسرة، كما سُجّلت حالات اختفاء قسري بتهم غير معروفة أبرزها "الفساد الأخلاقي" أو "الخروج بلا محرم".

زواج القاصرات

ظاهرة زواج القاصرات أو "الطفلات" انتشرت كثيراً خلال حكم "طالبان" في التسعينات، وهي بالطبع عادت مجدّداً مع عودة الحركة ولأسباب عدة، أهمها الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعدم قدرة الفتيات على استكمال تعليمهن أو إيجاد فرص عمل في الظروف المعيشية الصعبة.

سبب آخر زاد من انتشار الظاهرة الخطيرة، وهو إجبار عناصر في الحركة العائلات على بيع بناتهن للمتاجرة بهن أو الزواج منهن.

المرأة في الحياة العامّة

استبعدت النساء من حكومة "طالبان"، وألغيت وزارة شؤون المرأة، واستبدلتها الحركة بوزارة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، سعياً منها لإقصاء النساء واستبعادهن منهجياً من جميع جوانب الحياة العامة والسياسية.

كذلك فرضت الحركة قيوداً على أصحاب معظم المهن وضغطت عليهم لاستبعاد النساء منها، وآخر القرارات في هذا الشأن كان حظر تشغيل النساء في المنظمات غير الحكومية، والتبرير بقي نفسه دائماً وهو "انتهاك تعاليم الشريعة الإسلامية من خلال الامتناع عن لبس الحجاب"، والذي ترافق مع تهديد برفع الترخيص في حال عدم الالتزام بقواعد الحظر.

"نعاني من أجل بلدنا"

"إمكاناتنا محدودة في المنفى، ومع ذلك، نعمل جاهدين مع الناشطين حول العالم للتحدّث عن مشكلات نسائنا وجذب انتباه المؤسسات المختلفة إلى مصير شعب أفغانستان وخاصة النساء"، تقول مرسال ساياس التي تواجه وغيرها من الناشطين الذين اضطروا إلى ترك بلادهم بسبب الأوضاع الصعبة، اتهامات دائمة بـ"الهروب".

وتردّ ساياس على ذلك بأنها كرّست معظم وقتها للأنشطة التي تهدف إلى جذب انتباه الأشخاص الذين يؤثرون في صنع القرارات في أفغانستان: "لقد اضطررنا إلى مغادرة بلادنا لكن قلوبنا وعقولنا بقيت هناك".

"ليس هذا ما تريده النساء الأفغانيات"

استطاعت النساء الإيرانيات حشد الدعم الخارجي، خصوصاً من نظيراتهن حول العالم، بعد الثورة الكبيرة التي أطلقنها إثر مقتل الشابة مهسا أميني. وبالمقارنة مع قضية النساء الأفغانيات، تعلّق ساياس قائلة: "للأسف، لم تعد المرأة الأفغانية موضع اهتمام حول العالم، رغم حديث المرأة الأفغانية الدائم عن الموضوع وفي مختلف الأمكنة. تصدر الأمم المتحدة إعلاناً وأحياناً لا تفعل. العالم يغفل عن حقوق الأفغانيات، فهم يريدون الإبقاء على بعض التفاعل مع طالبان. لقد صارت الأمنية الوحيدة للعالم فتح المدارس، ليس هذا ما تريده النساء! ليس فتح المدارس التي يتم إهانة الفتيات فيها، حيث ليس لها الحق في طرح الأسئلة والنقد والتعليق والتعلم، فقط يمكنها تقديم الطاعة للأزواج والرجال. لا تعطوا تنازلاً لطالبان".

شجاعة ومقاومة

يوم الأحد الماضي وقفت طالبة أفغانية عمرها 18 عاماً، بمفردها على بعد أمتار قليلة من مدخل حرم جامعة كابول، حاملة بشجاعة منقطعة النظير ورقة كتبت فيها "إقرأ"، مندّدة بحرمان الفتيات من التعليم الجامعي. تحمّلت مروة، التي اكتفت بذكر اسمها الأول لوكالة "فرانس برس"، كلمات السخرية والمضايقات من عناصر "طالبان" رغم معرفتها السابقة بأنها ستواجه حتماً مصيراً سيئاً كالاعتقال والتعذيب والوصمة الاجتماعية. كلّ ذلك لم يؤثّر على عزيمتها، ورغبتها في تحقيق ذاتها المفقودة وسط كل هذا الكم من الحرمان. تقول: "نعتوني بأوصاف سيئة حقاً، لكني بقيت هادئة. أردت أن أظهر قوة فتاة أفغانية واحدة، وأن شخصاً واحداً يمكنه الوقوف في وجه الاضطهاد".

وهو اضطهاد تلخّصه ساياس في حديثها لـ"النهار العربي" بالآتي: "هذا العنف الممنهج ضد النساء والفتيات ينتزع استقلاليتهن ويجعلهن لا يفعلن شيئاً سوى إطاعة أوامر الرجال لأجيال. أنا عاجزة عن الكلام ومنكسرة".

أما كلمات مروة فلم تكن سوى صرخة هادرة أرادتها أن تجوب العالم، علّه يلتفت إلى ذلك السجن الكبير الذي وُضعت فيه مع رفيقاتها والملايين من النساء الأفغانيات. "لا أريد أن أسجن. لديّ أحلام كبيرة"، وهي مستعدة لتدفع غالياً ثمن تحقيقها.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية