3 سيناريوهات لتعامل العالم مع طالبان

3 سيناريوهات لتعامل العالم مع طالبان


19/08/2021

بعد سقوط العاصمة الأفغانية، كابول، في قبضة مسلحي حركة طالبان، على هذا النحو المباغت، وبالمخالفة للتقديرات الأمريكية، تسعى القوى الدولية والفاعلين الإقليميين باتجاه ملاحقة الأحداث والتطورات السياسية الميدانية المتسارعة. وبينما دعت حركة طالبان مسلحيها إلى دخول كابول بعد أن طوقت المناطق المتاخمة لها، مطلع الأسبوع الحالي، بدأت تحركات أممية لجهة عقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في أفغانستان.

طالبان في كابول.. أين يقف المجتمع الدولي؟

وقد طالبت روسيا وإستونيا والنرويج بتدشين جلسة طارئة لمجلس الأمن، لبحث المستجدات الأخيرة على الساحة الأفغانية، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن مغادرة الرئيس أشرف غني كابول، إذ قال المبعوث الرئاسي الروسي الخاص لأفغانستان، ومدير إدارة آسيا الثانية بوزارة الخارجية الروسية، زامير كابولوف، إنّ موسكو تعمل مع دول أخرى لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول كابول، بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة.

وخلال اجتماع مجلس الأمن، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، على ضرورة "استخدام كل الأدوات المتاحة لديه لوقف التهديد العالمي في أفغانستان"، وأكد على أنّ وجود الأمم المتحدة في أفغانستان سيتكيف مع الوضع الأمني، غير أنه سيستمر ويقدم الدعم، وتابع: "ثمة تقارير تقشعر لها الأبدان عن قيود شديدة على حقوق الإنسان، لا سيما الانتهاكات المتزايدة بحق النساء والفتيات".

كما أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن موسكو تدعو جميع الأطراف الأفغانية إلى تفادي العنف، وقال: "ندعو جميع الأطراف الأفغانية المعنية إلى الامتناع عن العمل العسكري وتعزيز التسوية السلمية".

واللافت أنّ الموقف الروسي يحاول التعامل بحذر مع الأوضاع السياسية والتطورات الميدانية في الحديقة الخلفية لموسكو، بغية تفادي التهديدات المحتملة في آسيا الوسطى، وآثارها السياسية والأمنية؛ إذ ذكرت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، أنّ المبعوث الرئاسي الروسي لأفغانستان، أعلن تأكيده أن روسيا من الدول التي حصلت على ضمانات من جانب طالبان بشأن أمن سفاراتها، مؤكدة على أنّ موسكو "حصلت على ضمانات منذ فترة"، وتابع: "روسيا لم تكن (الدولة) الوحيدة التي حصلت عليها".

موسكو والإرث الثقيل في أفغانستان

كما أعلنت موسكو أنها لا تعتزم إخلاء سفارتها في العاصمة الأفغانية كابول؛ حيث قال كابولوف "لا إجلاء مرتقباً"، منوهاً إلى أنّه "على تواصل مباشر" مع السفير الروسي في كابول، وأن المتعاونين معه يواصلون العمل "بهدوء" في السفارة.

أستاذ العلاقات الدولية الدكتور عمرو الديب

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الدكتور عمرو الديب، أستاذ في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، ومدير مركز خبراء رياليست الروسي، أنّ الانتصارات العسكرية المتوالية والمباغتة لحركة طالبان، منذ الإعلان عن الانسحاب الفعلي للولايات المتحدة من أراضي افغانستان، تضع كلاً من موسكو والصين تحت ضغط هائل، وذلك على خلفية التهديدات الأمنية الخطيرة الناتجة عن إعادة تموضعها، السياسي والميداني، في منطقة آسيا الوسطى.

ويشير الديب إلى أنّ تبعات هذا الانسحاب سوف تتحمله كل من موسكو وبكين، كما ستعمل على مواجهته، لخوفهما على الأوضاع الأمنية في مناطق الحدود المشتركة مع أفغانستان، والتي من الممكن أن تشهد نمواً مطرداً في ما يخص عمليات التسلل لعناصر إرهابية، وكذا انضمام مناطق آسيا الوسطى والقوقاز لمستنقع الجماعات الإرهابية.

لدى الصين تخوفات جمة من انفلات أمني على حدودها، وتحديداً مع قيرغيزستان،  ولروسيا تخوفات مماثلة في أن تصبح "طاجيكستان وقيرغيزستان ساحة لتحركات حركة طالبان

ولدى الصين تخوفات جمة من أن يكون هناك انفلات أمني على حدودها، وتحديداً مع قيرغيزستان، وفقاً لمدير مركز خبراء رياليست الروسي، كما أنّ لدى روسيا تخوفات مماثلة، تتمثل في أن تضحى "طاجيكستان وقيرغيزستان ساحة لتحركات حركة طالبان، أو جماعات إرهابية أخرى، ومن ثم؛ تشكل تهديداً على أمن الاتحاد الروسي، ودول منظمة الأمن الجماعي".

ويلفت الديب إلى أنّ الانسحاب الأمريكي سواء من أفغانستان أو من العراق يرشح تلك المناطق للدخول في احتراب أهلي أو سيولة وفوضى أمنية، كما أنّه يعطي بعض القوى الاقليمية زمام المبادرة في هذه الدول، ويردف: "هنا أقصد، على وجه التحديد، إيران وتركيا؛ إذ إنّ مسألة زمام المبادرة هذه غير مقصود بها إعطاء هاتين الدولتين فرصة للسيطرة، وإنّما فرصة لإذكاء الفوضى والصراعات بين دول المنطقة، وصعود الجماعات الإرهابية".

التنافس الدولي في آسيا الوسطى

وينوه المصدر ذاته إلى أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان مقرراً حدوثه، منذ إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولكن تأتي طريقة تنفيذه في ظل إدارة جو بايدن لتثير التساؤلات حول أهداف هذا الانسحاب ومآلاته، لافتاً إلى أنّه "بعد حوالي عقدين، ما زالت حركة طالبان في الواجهة داخل الدولة الأفغانية. وتسيدها المشهد ليس نتيجة للانسحاب الأمريكي المباغت؛ إذ إنّها، منذ قرابة الثلاثة أعوام، متواجدة على الساحة، سواء من خلال مفاوضات مباشرة مع واشنطن، عن طريق منصة الدوحة، أو من خلال مفاوضات مباشرة مع موسكو".

وإلى ذلك، غرد جوزيف بوريل المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي: "إثر التطورات الأخيرة في أفغانستان، وبعد مشاورات كثيفة مع شركائنا في الأيام والساعات الأخيرة، قررت أن أعقد بعد ظهر غد اجتماعاً استثنائياً عبر الفيديو، لإجراء تقييم أولي للوضع".

وأردف بوريل: "أفغانستان حالياً عند مفترق طرق. سلامة ورفاه مواطنيها، وكذلك الأمن الدولي، على المحك".

إذاً؛ تشكل عملية السلام مع طالبان "نقطة فارقة" في تاريخ الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، بحسب الباحث في العلوم السياسية الدكتور محمد ربيع الديهي، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول مصير باقي التنظيمات الإرهابية، خاصة أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كشف عن مؤشرات لافتة بعد سيطرة الحركة على أغلب الولايات في أفغانستان، مما ينذر بصراع جديد في المنطقة.

د. محمد الديهي لـ"حفريات": ستسعى طالبان لبناء علاقات تعاون مع الأطراف الخارجية، والفاعلة إقليمياً ودولياً، كما ستعمل على تطوير قدراتها العسكرية، وتعزيز روابطها مع الحركات الارهابية

كما أنّ وصول طالبان للحكم، سوف يتبعه صعود للحركات الإرهابية والمسلحة في المنطقه مدعومة من طالبان، لا سيما وأنّ الأخيرة سوف تجعل من أفغانستان نقطة تمركز وانطلاق، وفقاً للديهي الذي أبلغ "حفريات"، بأنّ التقارير الدولية تشير إلى أنّ "تنظم داعش يسعى لإحياء نفسه، مجدداً، وينشط في أفغانستان، ولذلك؛ سوف تكون هناك مجموعة من العواقب الصعبة، مع تعاطي القوى الإقليمية والدولية مع النظام الجديد في أفغانستان، والاعتراف بشرعيته، في حال استيلاء طالبان على كامل السلطة".

ووصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان سوف يعني "ارتفاع معدلات العنف في المجتمع، وإهدار للحقوق والحريات، ناهيك عن الأزمات والنزاعات الداخلية المتوقعة، خلال الأيام المقبلة، والتي قد تصل إلى حرب أهلية مفتوحة".

وتتمثل الإشكالية الأهم والأبرز، وفقاً للباحث في العلوم السياسية، في كيفية تعاطي المجتمع الدولي مع الأوضاع القائمة في أفغانستان، وتحديداً مع حركة طالبان؛ حيث إنّ طالبان "حينما تصل للحكم لن ينتهي الأمر، وسوف تسعي نحو بناء علاقات تعاون مع الأطراف الخارجية، والفاعلة إقليمياً ودولياً، كما ستعمل على تطوير قدراتها العسكرية، وتعزيز روابطها مع الحركات الارهابية في العديد من الدول، بهدف الانتقام من خصومها المحليين".

وعليه؛ يرجح المصدر ذاته، أن ينقسم تعامل المجتمع الدولي مع طالبان إلى ثلاثة أنواع: "فبعض الدول ستتعامل ببراغماتية وتنفتح في علاقاتها مع طالبان، ومن بين هذه الدول ستكون إيران، فالأخيرة استضافت مفاوضات للحركة، خلال الأشهر الماضية، ومعها الصين وروسيا، كما أنّ هناك دولاً سوف تكون حذرة في التعامل مع الحركة لتخوفها من ردود فعلها بعد الوصول للحكم، أو ما يمكن تسميته بمرحلة جس النبض، والسيناريو الأصعب هو مقاطعه أفغانستان وفرض عقوبات عليها، ومن ثم عودة قوات حلف الناتو".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية