احتجاجات الريف تكشف الوجه الآخر لحكومة الإسلاميين في المغرب

احتجاجات الريف تكشف الوجه الآخر لحكومة الإسلاميين في المغرب


26/07/2018

لا حديث في الشارع المغربي، في الفترة الأخيرة، إلّا عن الأحكام التي صدرت في حقّ معتقلي حراك الريف، وعلى رأسهم المعتقل ناصر الزفزافي، فبعد أكثر من عام على محاكمتهم، وقرابة 84 جلسة، أصدرت هيئة الحكم في ملف معتقلي حراك الريف، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء 26 حزيران (يونيو) 2018، أحكاماً تراوحت ما بين 5 إلى 20 عاماً سجناً نافذاً، وكانت العقوبة القصوى في حقّ زعيم الحراك ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، سمير آغيد، ووسيم البوستاتي.

بلغ مجموع الأحكام التي وزعتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء حوالي 187 عاماً

وبلغ مجموع الأحكام التي وزعتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمحافظة الدارالبيضاء، حوالي 187 عاماً؛ أي قرابة القرنين من الزمن على معتقلي حراك الريف، أحكام رأى البعض أنّها أنهت السجال الدائر حول قضية استأثرت باهتمام الجميع، وطوت ملفاً من الملفات التي شغلت بال الرأي العام الوطني والدولي حول الأحداث التي اندلعت بمحافظة الحسيمة (حوالي 302 كلم شمال العاصمة الرباط)، إثر احتجاجات ذات طابع اجتماعي، تقول أدلة الإدانة إنّها ستتحول فيما بعد إلى مطالب سياسية تهدد أمن واستقرار الدولة الداخلي.

اقرأ أيضاً: المغرب: استقالة وزير بعد تضامنه مع شركة تتعرض لمقاطعة شعبية

أحكام ستشعل نار الغضب في صفوف جزء مهم من مكونات المجتمع المدني وستدفعهم إلى الخروج إلى الشارع، وتنظيم مسيرتين احتجاجيتين؛ الأولى جابت الأحد 8 تموز (يوليو) 2018 شوارع الدار البيضاء، والثانية جابت بعد أسبوع بعد ذلك (الأحد 15 تموز (يوليوز) 2018) شوارع العاصمة الرباط، مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين، ومندّدين بالعنف وبـ"الشطط في استعمال السلطة"، على حدّ تعبير المحتجين.

صحيح أنّ معتقلي حراك الريف قاموا بالاعتداء على رجال الأمن والسلطة وإضرام النار، وتكسير ممتلكات عمومية وخاصة، وهي جرائم تشكل تهديداً لأمن الدولة الداخلي، وصحيح أنّهم قاموا بتعطيل صلاة الجمعة، ورفع شعارات داخل مؤسسة دينية، وصحيح كذلك أنّ القضاء المغربي تمهّل في النطق بالأحكام، وذلك بعد التداول في الملفات المتعلقة بالمعتقلين، في احترام تامّ ودقيق لكل المساطر وحقوق هيئة الدفاع والمتهمين، إلا أنّ غير الصحيح؛ هو أنّ هذه الأحكام غير متناسبة مع الفعل الجرمي، لكن مع السياق العام الذي تمرّ منه البلاد محلياً وإقليمياً ودولياً.

السماح بالاحتجاج والتظاهر السلمي وحمايته يعدّ من أهم مؤشرات العمل الديمقراطي واحترام الحريات

ثمّ إنّ السماح بالاحتجاج والتظاهر السلمي وحمايته من طرف الدولة يعدّ من أهم مؤشرات العمل الديمقراطي، واحترام وصون الحريات ودولة الحقّ والقانون، والدستور المغربي نصّ صراحة على مشروعية التظاهر السلمي والحقّ في الإضراب.

إنّ ما جرى في الفترة الأخيرة، خاصة بكل من مدينتي الحسيمة وجرادة، مؤشر على تراجع حقوقي يضرب في العمق المكتسبات الإيجابية التي عرفها المغرب في العقدين الأخيرين؛ في مجال حرية الرأي والتعبير والصحافة، والحقّ في الإضراب والاحتجاج والتظاهر السلميعندما قطع مع أعوام الجمر والرصاص والاعتداءات الجسيمة لحقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب يفشلون في تطويق الخلافات الداخلية

تراجع وصفه مسؤولون سياسيون وحقوقيون بالـ "ردّة غير المسبوقة منذ وصول حكومة بنكيران إلى الحكم"، وهي ردّة ستكون لها، من دون شكّ، انعكاسات سلبية تمسّ كلّ القطاعات وكلّ المجالات؛ بل هناك من ذهب إلى أكثر من ذلك، عندما عدّ مغرب سنوات الجمر والرصاص أرحم بكثير من هذا الذي يرأس حكومته الإسلاميون.

التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية سكتا وانزويا إلى ركن ركين وكأنّ الأمر لا يعنيهما لا من قريب ولا من بعيد

ويستندون في ذلك إلى مجموعة من المعطيات، منها؛ تصاعد وتيرة احتجاجات المواطنين في مجموعة من المدن وخصوصاً في مدينتي الحسيمة وجرادة، للمطالبة بحقهم في الشغل والسكن والعلاج والتعليم...، وعوض الاستجابة لهذه المطالب الاجتماعية المشروعة، فضّلت حكومة العثماني مواجهتها بالضرب والتنكيل والتهديد والاعتقال، ضاربة عرض الحائط بدستور 2011، الذي ينصّ صراحةً، وبشكل واضح وشفاف، على أنّ: "من حقّ المواطنين التظاهر بشكل سلمي وخوض الإضراب"، وكي تبرّر هذا الفعل اللاحقوقي اتهمت هؤلاء بالتعامل مع جهات خارجية معادية للوحدة الترابية للمغرب، وأنّهم مجرد عملاء مخربين وانفصاليين وما إلى ذلك، ثم عادت لتعتذر وتعترف  على لسان رئيسها، خلال لقاء خاص مباشر بثته يوم السبت 1 تموز (يوليو) 2017ب، على القناتين الأولى والثانية، بأنّ موقف الأحزاب الحكومية كان خطأ لم يكن ليُرتكب، مبدياً أسفه الشديد لما حصل، ومشدداً علىضرورة التجاوب مع مطالب سكان المنطقة في إشارة إلى منطقة الريف.

اقرأ أيضاً: إلى أين سيؤدي بناء جدران الكراهية في المغرب العربي؟

أمام هذا الابتذال، الذي يطال ملف حقوق الإنسان في المغرب، لا يمكننا أن نستغرب سكوت التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، وانزواءهُما إلى ركن ركين، وكأنّ الأمر لا يعنيهما لا من قريب ولا من بعيد، رغم أنّ ما يحدث في الفترة الأخيرة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ هو أفظع بكثير من الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، التي هيّأت لاستئصالها التوحيد والإصلاح، مع بداية الألفية الثالثة، كلّ إمكاناتها، المادية والبشرية، دون أن تفلح في ذلك؛ إذ عادت الخطة الوطنية من جديد تحت مسمى آخر هو مدونة الأسرة.

التوحيد والإصلاح، التي لم تعد تلتفت إلا للجزئيات، فهي مستعدة كلّ الاستعداد للدخول في معارك ضارية وشرسة، لكن وهميّة، ضدّ الخمور أو السفور أو المعارض أو المهرجانات الثقافية والفنية التي تقيمها وزارة الثقافة، وعاجزة كلّ العجز عن مباشرة قضية كبرى مثل هذه القضية الحقوقية التي استأثرت باهتمام الجميع، عدا المتاجرين بقدسية الدين. 

النزوع الانتهازي غذّى سلوكيات سلبية وجدت المرتع المناسب للانتعاش والتفشّي وسط أعضاء التوحيد والإصلاح

لقد تحولت التوحيد والإصلاح إلى كائن نمطي مجرد من كل إرادة، ومسيج بالإكراهات، ولم يعد بمقدوره أن يغير شيئاً، مما وسّع دائرة الذين في قلوبهم مرض، من الذين غيّروا وبدلوا مواقفهم بمواقع متقدمة في سلم الارتقاء الاجتماعي، مرجحين خلاصهم الفردي والعائلي، على خلاص التمسك بالمبدأ والعزيمة.

هذا النزوع الانتهازي غذّى سلوكيات سلبية وجدت المرتع المناسب للانتعاش والتفشّي وسط أعضاء التوحيد والإصلاح، سلوكيات لها ارتباط وثيق بكل أشكال الاستغلال الديني والتوظيف السياسي المخلّ بأدبيات وأخلاقيات ديننا الإسلامي، للنصوص الشرعية من الكتاب والسنّة، حتى أنّ اللازمة التي لازمت خطاب ما يسمى بـ "القيادات" في حركة الوحيد والإصلاح لم تكن تخرج عن نطاق "قال الله... قال الرسول..."، بمناسبة أو من غير مناسبة، المهمّ هو إضفاء نوع من القداسة على النصّ، وتمثل الصفة الفعلية للعاملين والعارفين بأمور الدين والدنيا.

اقرأ أيضاً: إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع

حالة غير سويّة، جعلت الجيل المؤسس للتوحيد والإصلاح يعيش لحظات من الحسرة والتذمر، ويقرّر تحت وقع الإحساس بالاستهجان مغادرة التنظيم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية