أفلام قد تغير القوانين الخاصة بنظام حماية الأطفال

أفلام قد تغير القوانين الخاصة بنظام حماية الأطفال

أفلام قد تغير القوانين الخاصة بنظام حماية الأطفال


03/08/2023

النظام الذي أُريدَ به أن يكون وسيلة لحماية الأطفال في أمريكا وأوروبا أصبح أداة قهر وحرمان للآباء من أطفالهم. هذا ما يصوره الفيلم الوثائقي "اعتن بمايا"، وفيلم السِّيرة الدرامي "السيدة تشاترجي ضد النرويج". يضعنا الفيلمان أمام سؤال: هل حادَ النظام فعلاً عن مهمته وأصبح يمارس الظلم عمداً؟ أم أنّ الحالات التي يناقشها هذان الفيلمان استثنائية وغير مقصودة؟ وهل هدف هذه النوعية من الأفلام هو انتقاد نظام حماية الأطفال من أجل إصلاحه، أم أنّ الهدف هو تقويضه، وبالتالي العودة إلى نظام تقليدي غير قابل للمساءلة والرقابة المؤسساتية ويكون فيه الأطفال ملكاً لتصرف الآباء؟

ذكرى من التاريخ
يعزز الفيلمان أعلاه الأخبار عن "اختطاف" الأطفال في السويد، ويعيدان التذكير بسياسة نزع الأطفال التي كانت تمارسها الحكومة الأسترالية بين عامي 1905 و 1967، ضد أطفال السكان الأصليين، والتي يطلق على ضحاياها اليوم اسم "أجيال مسلوبة" أو "أطفال مسروقة".

التقديرات الحكومية الرسمية تشير إلى أنّ ما بين واحد من كل عشرة (10) أطفال إلى واحد من كل (3) أطفال، من السكان الأصليين الأستراليين، نُزعوا قسراً من عائلاتهم ومجتمعاتهم خلال تلك الفترة. قامت الحكومة الأسترالية بانتزاع الأطفال من أصل مختلط من مجتمعاتهم ذات "الأصل الخالص"، ووضعهم في إرساليات تبشيرية تديرها الكنيسة، ثم أنشأت لاحقاً محميات ومجمعات منفصلة لاستيعاب جميع الأستراليين الأصليين. وطُبقت هذه السياسة استجابة للقلق العام بشأن زيادة عدد الأطفال المختلطين بسبب الاستغلال الجنسي لشابات السكان الأصليين من قبل رجال من غير السكان الأصليين، فضلاً عن مخاوف السكان غير الأصليين من أنّ السكان ذوي الأصول المختلطة يفوقونهم عددهم.

الأم الحقيقية مع الممثلة راني التي قامت بالدور

صُوِّرت هذه السياسة في واحد من أشهر الأفلام الدرامية الأسترالية، وهو فيلم "سياج مقاوم للأرانب" (Rabbit-Proof Fence) المبني على قصة حقيقية عن مولي كريج والدة مؤلف كتاب "Follow the Rabbit-Proof Fence" وأيضًا على قصة فتاتين من السكان الأصليين: ديزي كاديبيل وجرايسي، اللتان هربتا من مستوطنة مور الأصلية، غرب أستراليا، للعودة إلى عائلتيهما من السكان الأصليين، بعد أن وضعتا قسرًا في المستوطنة في عام 1931. يتتبع الفيلم الفتاتين أثناء سيرهما لمدة تسعة أسابيع على طول 1500 ميل (2400 كيلومتر) من سياج مقاوم للأرانب؛ للعودة إلى مجتمعهما في جيغالونج، بينما تلاحقهما سلطات إنفاذ القانون البيضاء ومتعقب أثر من السكان الأصليين.

ثقافتان مختلفتان
يصور فيلم السيرة الدرامية "Mrs. Chatterjee vs. Norway"، 2023، قصة كفاح أُم هندية من أجل استعادة طفليها من نظام الرعاية النرويجي. يبدأ الفيلم بحدث محوري عن اختطاف (3) نساء لطفلة رضيعة. وبإعادة الأحداث إلى الوراء نعرف أنّ النساء موظفات في مؤسسة فلفريد لحماية الأطفال وهنّ في مهمة تقييم للبيئة الأسرية منذ (10) أسابيع، وقد استنتجت المؤسسة بعد اجتماع مع الطبيب النفسي وتقييم البيئة الأُسرية أنّ الوالدين غير مؤهلين لرعاية طفليهما. يُظهر الفيلم أنّ التقييم مبني على اختلاف ثقافي بين المجتمعين: الهندي والنرويجي. فالأم "ديبيكا" تطعم طفليها بيدها، استناداً إلى ثقافة شعبية تعتقد أنّ تناول الطعام باليد فيه بركة، إضافة إلى وضع الكحل لهما، والإهمال في متابعة واجبات الطفل في المدرسة وعدم مشاركة الزوج لزوجته في الأعمال المنزلية. ثم نكتشف أنّ سبب المراقبة هو بلاغ عن حادث عنف مارسه الزوج ضد زوجته.

التقديرات الحكومية الرسمية تشير إلى أنّ ما بين واحد من كل عشرة (10) أطفال إلى واحد من كل (3) أطفال، من السكان الأصليين الأستراليين، نُزعوا قسراً من عائلاتهم ومجتمعاتهم خلال تلك الفترة

بعد نزع الطفلين من قبل المؤسسة تُعيّن الحكومة محامياً للأسرة فينجح في إقناع القاضي بإعادة الطفلين لوالديهما مستندًا إلى أنّ "التنوع لا يفكك المجتمع بل يعززه"، وأنّ مؤسسة فلفريد "تقوم بتفكيك العائلات باسم رعاية الأطفال"، وفقاً للمحامي الذي أنهى مرافعته بسؤال: "هل فصل الطفلين عن والديهما في صالح الطفلين؟" ليجيب بأنّ المطاف سينتهي، في هذه الحالة، "بأطفال مضطربين وآباء غاضبين".

يُلزِم القاضي الوالدين باتباع النظام النرويجي المتعلق بتربية الأطفال. ويأمر مؤسسة فلفريد بإعادة الطفلين خلال (24) ساعة. وهذا ما لم يحدث؛ ففي الوقت الذي من المتوقع أن يستلم فيه الوالدان طفليهما تمتنع المؤسسة بسبب تلقيها شكوى من إحدى الأمهات في المدرسة تفيد بأنّ أُم الطفلين غير مستقرة نفسياً بعد. تصور إحدى الموظفات ردّ فعل الأم الهيستيري، ويَعمل هذا الشريط المصور لاحقاً في إضعاف قضيتها، إضافة إلى اختطافها الطفلين، من منزل عائلة تبنتهما، والهرب بهما إلى حدود السويد، حيث يقبض عليها هناك، وتكون ردة فعلها مشابهة، ممّا سيجعل محكمة الاستئناف تحكم بأنّها غير مستقرة نفسياً.

Mrs. Chatterjee vs. Norway

ما قامت به الأم يكشف عن ثقافتين مختلفتين؛ فهو تصرف طبيعي لحرمانها من طفليها واعتقادها بأنّها لم تُسئ التصرف في حق طفليها. لكنّه من وجهة نظر الثقافة والمؤسسة النرويجية تصرف يكشف عن اضطراب؛ فالتصرف الطبيعي هو أن تظل هادئة، مثلما هو حال الأب، وأن تسلك الطريق القانوني لا العاطفي من أجل استعادة الطفلين، وهو ما كان سيتحقق سريعاً لولا رّد فعل الأم الغاضب.

في مرافعة المحامي الثاني عن العائلة يقول: "إنّ مؤسسة فلفريد نزعت الطفلين دون إخبار الوالدين، وهذا خرق صريح للفقرة الرابعة من البند السادس لقانون رعاية الأطفال." وتردّ محامية المؤسسة بأنّ "هناك مخاوف من أن يتسبب الوالدان بأذية الطفلين." وفي الأخير تأمر قاضية الاستئناف بنزع الطفلين حتى يبلغان الثامنة عشرة. لكنّ الأم لا تستسلم. إذ تستثمر وجود مسؤولة هندية في النرويج فتقتحم الأم المؤتمر وتطلب الكلمة وتعرض قضيتها أمام المسؤولة التي تتعاطف معها وتناصر قضيتها، وهو ما يسهم في فتح القضية من جديد والحكم بإعادة الطفلين لوالديهما. عند هذه النقطة تتحول المسألة إلى صراع ثقافي: الاستعطاف والتهور مقابل العقل والقانون، وبين مؤسسة يحاول موظفوها فرض قيمها بالقوة لا بالإقناع، ووالدين مستعدان للاندماج في حال إعادة الطفلين.

ما يؤخذ على الفيلم هو إشارته الصريحة إلى وجود أجندات خفية كما ورد على لسان واحدة من الأمهات في مجموعة الدعم. تقول الأم: إنّ مؤسسة فلفريد "تدير أعمالها بذريعة رعاية الأطفال. وإنّ النرويج تجذب المهاجرين بالمغريات المادية، وبعد وصول العائلات يأخذون الأطفال، وهذه جريمة منظمة الجميع متورط فيها: القضاة والمعلمون وعائلات التبنّي والمحامون... وكلما أدخلوا المزيد من الأطفال في دار الرعاية، يجنون مالاً أكثر."

ما يؤخذ على الفيلم هو إشارته الصريحة إلى وجود أجندات خفية كما ورد على لسان واحدة من الأمهات في مجموعة الدعم

هذه الإشارة كانت ستبقى مجرد عرْض لوجهة نظر شائعة لو لم يُظهر الفيلم تعسف وتعنت موظفي فلفريد، إلى درجة رفضهم حضانة الأبوين وإغراء شقيق الأب بقبول حضانة الطفلين مقابل مبلغ مالي كبير، وهو ما يقبله الأخ، وينتهي الحال بمعركة ثانية بين الأم وعمّ الطفلين في محاكم الهند. وفي أحد المشاهد يظهر بيت العائلة التي تبنّت الطفلين وهي في وضع مزرٍ، أكثر سوءاً من منزل الوالدين البيولوجيين، ممّا يشير إلى أنّ المال، وليس مصلحة الطفلين أو حمايتهما، هو الدافع من وراء نزع الطفلين، وأنّ إهمال الأبوين الجديدين سهَّل اختطافهما من قبل أمهما البيولوجية. يريد الفيلم بهذا تأكيد غياب نزاهة مؤسسة حماية الأطفال ومؤسسة القضاء، وإلى وجود أجندات أخرى غير حماية الأطفال. والفيلم على هذا النحو يمثل وجهة نظر الأم مثلما فعل الفيلم الوثائقي "اعتنِ بمايا".

حالات مشابهة
أسهمت قضية (ساغاريكا تشاكربورتي)، وهو الاسم الحقيقي للأم "ديبيكا"، في فتح قضايا عديدة مشابهة. الأثر نفسه تركه الفيلم الوثائقي "Take Care of Maya"، بظهور حالات مشابهة تشتكي من نظام حماية الأطفال، وإصرار الأُمّين: ديبيكا و "بياتا" (أُم مايا) مكّنهما من الوقوف ضد النظام، ومقاضاة المؤسستين.

يصور الفيلم الوثائقي "اعتن بمايا" نموذجاً لتشدد نظام حماية الأطفال من خلال التركيز على حالة الطفلة مايا التي تعاني من حالة مرضية نادرة. يبدأ الفيلم بالتعريف بحالة مايا ومعاناتها من مرض نادر واستشارة والديها إخصائيين عدة، إلى أن يوصي أحدهم بعلاج مايا في المكسيك باستعمال غيبوبة الكيتامين.

 Rabbit-Proof Fence

تسافر الأسرة إلى هناك، وبعد استيقاظ مايا من غيبوبة الكيتامين تتحسن حالتها، ثم تنتكس بعد أشهر. يقوم الوالدان بإدخال ابنتهما مستشفى جون هوبكنز للأطفال حيث يساء تشخيص حالة مايا. ولأنّ الأم تعمل ممرضة وعلى دراية بحالة ابنتها توصي بنوعية العلاجات وكميتها التي تناسب حالة ابنتها، وهو ما يعترض عليه المشرفون على حالة مايا. وأمام تأزم الوضع بين الأم والمشرفين على العلاج يطلب المستشفى تدخل الطبيبة سالي سميث لتقييم حالة الأم، وما إذا كانت تحاول إيذاء ابنتها. تُقيَّم حالة مايا أيضاً، وتُتهم بأنّها تدَّعي المرض بتأثير من أُمها. وبناء على التقييم تُحتجز مايا في المستشفى لـ (3) أشهر مع عدم السماح للوالدين بزيارة ابنتهما، ما عدا مكالمات هاتفية مُراقَبة.

حرص الأُم على الاحتفاظ بكل ما يتعلق بحالة ابنتها وتسجيل المكالمات مع إدارة المستشفى... مكَّن عائلة كوالسكي من مقاضاة إدارة المستشفى التي سعت لتسوية القضية خارج المحكمة. ومن خلال تلك الوثائق توفرت للمخرج هنري روزفلت مادة أمكنه بها أن يصنع فيلماً قد يغير نظرتنا لنظام حماية الأطفال، وربما يغير القوانين الخاصة بهذا النظام. في الحكم الأول استند القاضي إلى تشخيص المستشفى، وبعد نطقه بالحكم لصالح المستشفى طلبت منه الأم السماح لها باحتضان ابنتها لكنّه رفض، وهذا ما حزّ في نفسها ودفعها للانتحار، لكن قبل أن تُقدم على ذلك كتبت رسالة مؤثرة للقاضي تطلب فيها إنصاف ابنتها وإطلاق سراحها من المستشفى. في هذا السياق يشير الوثائقي إلى أنّ الأم لم تكن لتنتحر لو أنّ القاضي سمح لها باحتضان ابنتها.

حرص الأُم على الاحتفاظ بكل ما يتعلق بحالة ابنتها وتسجيل المكالمات مع إدارة المستشفى... مكَّن عائلة كوالسكي من مقاضاة إدارة المستشفى التي سعت لتسوية القضية خارج المحكمة

لا يملك المشاهد إلا أنّ يتعاطف مع مايا وأسرتها، وهو تعاطف مبنيّ على معرفة بتفاصيل القضية وحيثياتها، إضافة إلى أنّ الطرف الآخر في القضيتين شبه غائب، وهو وضع يشبه قصص آباء وأمهات عرب يشكون من "اختطاف" النظام في السويد لأطفالهم. كما أنّ الجهل بطبيعة وقوانين نظام سحب الأطفال قد يعزز من هذا التعاطف.

قد يحكم القاضي في الجلسة القادمة، المقررة في أيلول (سبتمبر) المقبل 2023، بتعويض عائلة كوالسكي، لكن لن يعني هذا التعويض إدانة للمستشفى بشكل عام، وإنّما يعني إنصافاً لحالة خاصة. فالمستشفى سبق أن أصدر بياناً قال فيه: إنّ "أولوية المستشفى هي سلامة وخصوصية مرضانا، ومسؤوليتنا الأولى هي دوماً الطفل الذي يوضع تحت رعايتنا، ونحن ملزمون قانونياً بإبلاغ قسم شؤون الأطفال عندما نرصد إشارات إساءة أو إهمال محتمل، وقسم شؤون الأطفال هو من يحقق في الأمر، وله القرار النهائي حيال أفضل حل في مصلحة الطفل." كما أصدر القاضي بياناً قال فيه: إنّ "قرارات تواصل مايا مع عائلتها بُنيت على شهادة وتوصيات طبية مرموقة وموظفين في المستشفى تقدموا آنذاك كخبراء في مجالاتهم، وقرار القاضي مبنيّ على جودة الأدلة التي تبدو أهلاً للثقة، كما هو الأمر في هذه الحالة."

Take Care of Maya

ربما نكون هنا أمام حالات لتطرف النظام الذي يستبعد العاطفة ويعطي الأولوية للأوراق والمستندات والتقارير الرسمية. هذا النظام يتسق مع طبيعة المجتمعات الحديثة بشكل عام والمجتمع الأمريكي والأوروبي الذي يوصف بأنّه مجتمع تعاقدي، ويقابله المجتمع التقليدي التراحمي الذي تحكمه غالباً العاطفة والأهواء والأمزجة المختلفة للقائمين عليه. وبمقارنة المجتمعين نصل إلى نتيجة مفادها أنّ المشاكل المترتبة على النظام التعاقدي أقلّ بكثير من المشاكل الناتجة عن المجتمع التراحمي، فضلاً عن أنّ نظام حماية الأطفال في المجتمعات الحديثة محاط بالقوانين والمستندات، لكنّه في الأساس نابع من الرحمة بالأطفال وعينه على مستقبلهم.

مواضيع ذات صلة:

الحلال والحرام يتنازعان مشروع حقوق الطفل الأردني

أطفال داعش.. هل تمّ استثناؤهم من اتفاقية حقوق الطفل؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية