أمراض الشتاء تعمق مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة

أمراض الشتاء تعمق مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة

أمراض الشتاء تعمق مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة


27/11/2023

تتعاقب المآسي على سكان قطاع غزة، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ويأتي فصل الشتاء ليعمق من المعاناة التي يعشيها سكانها القطاع المحاصر؛ إذ إنّ العراء الذي اضطر إليه مئات الآلاف من السكان لم يعد متاحاً لهم، بسبب هطول الأمطار والبرودة القارسة التي تميز شتاء القطاع.

لا يقتصر الأمر على تأثير الطقس المباشر، إذ إنّ سقوط الأمطار في ظل الدمار الواسع النطاق الذي تسبب فيه الجيش الإسرائيلي، سيزيد من المخاطر الصحية والوبائية، في فصل تنشط فيه أنواع عدة من الفيروسات، ناقلة الأمراض التي تصيب الإنسان.

معاناة متفاقمة

مثّل تساقط الأمطار على قطاع غزة فرحة للسكان الذين يعانون من شح المياه الصالحة للشرب، بعد قطع إسرائيل ضخ المياه بشكل شبه كامل عن القطاع منذ الأيام الأولى للحرب. لكنّ تلك الفرحة سرعان ما تحولت إلى كابوس يهدد السكان، سواء الذين نزحوا إلى مخيمات اللجوء أو افترشوا العراء بحثاً عن مأوى من القصف الذي طال سائر مناطق القطاع. جاءت أول الإنذارات من الآثار الكارثية لتساقط الأمطار من بلدية غزة، عبر منشور على صفحتها في موقع "فيسبوك". حذرت البلدية يوم الثلاثاء الماضي، من خطر وشيك لفيضان ناتج عن زيادة منسوب المياه في بركة الشيخ رضوان، نتيجة تجمع مياه الأمطار والمياه العادمة، مع توقف محطات رفع المياه نتيجة نفاد الوقود اللازم للتشغيل، وتعرض عدة خطوط ناقلة إلى القصف.

تجمع المياه الملوثة ينذر بفيضان في بركة الشيخ رضوان

وناشدت بلدية غزة الأمم المتحدة والصليب الأحمر والمنظمات الدولية، للتدخل العاجل قبل فيضان البركة وغرق آلاف المنازل في منطقة مكتظة جداً بالمواطنين، مما يفاقم من الكارثة البيئية والصحية والإنسانية في مدينة غزة. كانت لجنة الطوارئ في البلدية قد أعلنت أنّ مدينة غزة تواجه كارثة صحية وبيئية كبيرة؛ بسبب تكدس النفايات وتسرب المياه العادمة للبحر وبركة تجميع مياه الأمطار بحي الشيخ رضوان، والنقص الحاد في المياه الصالحة للشرب. 

تقارير منظمة الصحة العالمية تستمر في التحذير من ارتفاع مخاطر انتشار الأمراض في غزة بسبب تعطل المرافق الصحية وأنظمة المياه والصرف الصحي

وتحتاج البلدية لنحو 7 آلاف لتر وقود يومياً لتشغيل خدماتها بالحد الأدنى. ونظراً لشح الوقود توقفت خدمات رفع المخلفات من مناطق القطاع، واقتصرت على المستشفيات ومراكز الإيواء، ما يهدد حال سقوط الأمطار بخلق أزمة صحية كبيرة نتيجة تلوث المياه من المخلفات التي تملأ شوارع ومناطق القطاع، واختلاطها بمياه الصرف الصحي (المياه العادمة) نتيجة القصف الذي تعرضت له خطوط صرف صحي ناقلة ورئيسة في حي الزيتون، وفي منطقة النفق، والتي تخدم نحو نصف عدد سكان مدينة غزة.

تفشي الأمراض يتزايد

يقول المدير التنفيذي لمنتدى الشرق الاوسط للدراسات الإستراتيجية والباحث في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع، بأنّ فصل الشتاء في قطاع غزة يتصف بأنّه بارد ممطر بشكل كبير، وفي بعض الأحيان يشهد منخفضات جوية قد تستمر لعدة أيام، تكون مصحوبة بأمطار غزيرة ورياح شديدة.

أفاد لـ"حفريات" بأنّه نظراً لافتقار القطاع إلى بنية تحتية ملائمة، تغرق الشوارع بمياه الأمطار مسببة اختناقات في حركة السير والحركة، وذلك الوضع كان هو السائد قبل الحرب الحالية. يتابع مطاوع لـ"حفريات" بأنّه بعد الحرب أصبح الشتاء بمثابة أزمة إنسانية في حد ذاته؛ لأنّ هناك جثثاً ملقاة في الشوارع، ومع توقف خدمات النظافة العامة، في ظل الدمار الكبير الذي طال البنية التحتية والشوارع والمباني، سيؤدي ذلك بالنتيجة إلى تجمع مياه الأمطار لتختلط بالجثث وتؤدي إلى تحللها، وكذا النفايات، لتنشأ برك مياه تصبح مصدراً لنشر الأمراض المعدية.

عبد المُهدي مطاوع: أصبح الشتاء أزمة إنسانية في حد ذاته

وتعرض قطاع غزة لمنخفض جوي في 20 من الشهر الجاري، تسبب في هطول أمطار غزيرة، سقطت بشكل مباشر على رؤوس النائمين داخل الخيام المنتشرة في ساحات المدارس والتجمعات الأخرى، التي تضم النازحين، بحسب تقرير لصحيفة "عُمان".

كما تجمعت مياه الأمطار بشكل كبير في ساحات مراكز الإيواء والشوارع، لعدم تشغيل المضخات التي تقوم بتصريف هذه المياه إلى الآبار الجوفية، بسبب إغلاق الشوارع وتدمير البنية التحتية. تأتي تلك الحالة الإنسانية المتدهورة التي تشجع انتشار الأمراض التنفسية، مثل الأنفلونزا بأنواعها المختلفة، في ظل بيئة غير صحية تتمثّل إلى جانب ما سبق في التكدس الكبير للنازحين في أماكن الإيواء، وسوء التغذية وشبه انعدام الخدمات الطبية، والنقص الحاد في الأدوية والأمصال.

الباحث عبد المُهدي مطاوع لـ"حفريات": معظم النازحين كانوا بملابس صيفية، ولم يصطحبوا ملابس مناسبة للشتاء، ما سيؤدي إلى تزايد الأمراض المعدية، خصوصاً بين الأطفال

وتستمر تقارير منظمة الصحة العالمية في التحذير من ارتفاع مخاطر انتشار الأمراض في غزة بسبب تعطل المرافق الصحية وأنظمة المياه والصرف الصحي. وأشار أحدث التقارير الصادر في 21 من الشهر الجاري، إلى رصد 72 ألف حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي العلوي في ملاجئ النازحين، بالإضافة إلى نحو 49 ألف حالة إسهال، أكثر من نصفها بين الأطفال دون سن الخامسة، ويزيد ذلك العدد بنحو 31 مرة عن معدل حالات الإسهال شهرياً بين الأطفال دون الخامسة في عامي 2021 و2022 الذي كان يقدر بـ 2000 حالة.

البرد القارس

وأجبر القصف الإسرائيلي المكثف نحو 1.7 مليون من مواطني قطاع غزة إلى النزوح من منازلهم في شمال ووسط القطاع إلى الجنوب. واضطر النازحون إلى الإقامة في المدارس ومراكز الإيواء والمخيمات التي أُقيمت في العراء، في ظل افتقار القطاع إلى التجهيزات الخاصة من الخيام ومراكز الإيواء الميدانية، وشح التجهيزات التي تدخل القطاع في ظل العدد المحدود من المساعدات المسموح بدخولها.

يقول الباحث عبد المُهدي مطاوع، بأنّ معظم النازحين كانوا بملابس صيفية، ولم يصطحبوا ملابس مناسبة للشتاء معهم، مشيراً إلى وجود نقص كبير في الملابس الشتوية والأغطية، ما سيؤدي إلى تزايد الأمراض المعدية، خصوصاً بين الأطفال.

أحد المخيمات مقام في العراء

فضلاً عن ذلك، بدأت برودة الطقس في حرمان الغزيين من مياه البحر، التي لجأوا إليها كبديل لتلبية احتياجاتهم من النظافة العامة والشخصية، نتيجة الشح الشديد في المياه الصالحة للشرب.

أمام تلك المعاناة المتفاقمة، يأمل سكان القطاع بأنّ تمثّل الهدنة في تخفيف حدة المعاناة، ومنحهم وقتاً لالتقاط الأنفاس. ومن المتوقع أنّ يدخل القطاع نحو 200 شاحنة من المساعدات يومياً خلال الهدنة، ما سيسمح بإدخال المزيد من التجهيزات والاحتياجات اللازمة لمواجهة تداعيات فصل الشتاء، بما في ذلك توفير الحد الأدنى من الغذاء اللازم لمواجهة برودة الطقس.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية