إخوان المغرب: البحث عن الشعبية من باب مدونة الأسرة

لا ينحصر السجال في الفضاء العام المغربي حول مدونة الأسرة بين الإخوان المسلمين والقوى السياسية الأخرى، بل يمتد إلى سجال عام في الثقافة والاجتماع العربي الإسلامي حول قضايا الأسرة، والموقف الديني التقليدي من العديد من تلك القضايا، لكن يسعى إخوان المغرب لاستعادة شرعيتهم عبر تصعيد خطاب شعبوي، لا يخلو من تطاول واصطياد باسم الدين والقيم.

تعديل مدونة الأسرة

بدأ السجال حول تعديل المدونة (القانون) بعد توجيهات العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بإصلاح الخلل في تطبيق المدونة بنسختها الأخيرة لعام 2004، وإدخال تعديلات تناسب التطور في الحياة الاجتماعية، وذلك في خطاب العرش الذي ألقاه في تموز (يوليو) 2022.

جاء في الخطاب: "الأمر هنا، لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية؛ وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها. وهنا، ندعو لتفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها."

وأضاف "إذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأنّ التجربة أبانت أنّ هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أنّ فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أنّ هذه المدونة خاصة بالنساء".

ثم أعاد العاهل المغربي الحديث عن تعديل المدونة خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء في سبتمبر (أيلول) الماضي. كانت اللجان المعنية بإدخال تلك التعديلات بدأت في عملها، وتشمل الجهات التالية؛ المجلس العلمي الأعلى (الهيئة الدينية الرسمية)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وبمشاركة هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.

وقبل أنّ تشرع اللجان التي شُكلت من تلك الهيئات في عملها، اشتعل السجال بين أطراف سياسية وثقافية متعددة، منها حركات مدنية وقوى سياسية تطالب بإدخال تعديلات جذرية وأخرى منها الإخوان المسلمين ممثلين في حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، الذين يصرحون بأنّ المكلفين بتلك التعديلات يعملون على تفكيك الأسرة.

هجمة الإخوان المسلمين لا تخلو من تشكيك في شريعة الهيئات الدينية الرسمية حيث أنّ تلك الهيئات ممثلة في لجان إصلاح مدونة الأسرة

في مقال رئيسة منظمة نساء العدالة والتنمية، سعادة بوسيف على موقع الحزب، كتبت " لماذا يتم التركيز على الأسرة تحديداً؟ مع أنّ الفساد عام ومنتشر في جميع القطاعات والحاجة إلى الإنصاف وتكافؤ الفرص واجب الوقت في كل المجالات" وأجابت في مقالها "تزايد الاهتمام بالأسرة ليس بالضرورة من أجل حمايتها أو تقوية أدوارها الحضارية أو تمنيعها بمنظومة القيم، بل من أجل توهينها وإضعافها، ونشر ثقافة الصراع بين مكوناتها عوض ثقافة المودة والرحمة والسكينة."

واتهمت بوسيف رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقالت "للأسف من يسمون أنفسهم حداثيين ولم يروا من الحداثة غير ظاهرها وقشورها، يسعون لاجتثاث قناعات المجتمع المغربي ومحاولة زرع القناعات الغربية التي تروج للإباحية وللسيولة، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يتماشى أو أن يجد صدى عند الشعب المغربي وعند عموم المواطنين".

المزايدات الإخوانية

يقول الباحث في العلوم السياسية والكاتب الصحافي نورالدين اليزيد، بأنّ النقاش المثار حول التعديلات المنتظرة لمدونة الأسرة يعتبر نقاشاً قديماً جديداً، بحيث سبق مثل هذا النقاشَ، وربما بكيفية أكثر عمقاً، نقاشٌ كبير وانقسام مجتمعي كبير بداية الألفية الحالية، مما استدعى ملك البلاد إلى التدخل وتكليف لجنة ملكية تضم عديداً من المشارب الدينية والسياسية والقانونية والحقوقية، لإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية، فتكلل عملها بإصدار المدونة الحالية.

ويرى الصحفي المغربي، بأنّ المدونة الحالية جاءت بعديد من الحقوق والمزايا للمرأة، مثل تقنين مسألة تعدد الزواج، حتى بات أشبه بالمستحيل، بحيث أصبح بيد الزوجة الأولى، حيث خولها المشرع حق الرفض أو القبول، وكذا فيما يخص قضية الطلاق الذي أصبح مخولاً للمرأة الحق فيه عن طريق طلاق الشقاق.

وتابع بأنّه اليوم يثار النقاش من جديد بين تيار محافظ يقوده الإسلاميون وتيار حداثي، ما فتئ لا يرضى ولا يقتنع بمدونة الأسرة الحالية، ويطالب بمزيد من التنقيح تحت يافطة المساواة، التي أحيانا تتخذ منحى أكثر تطرفاً، عندما يكون الموضوع مثلا إلغاء تعدد الزواج بصفة نهائية، والمساواة في الإرث، بين الرجل والمرأة؛ ولعل مثل هذه المطالب هي التي تثير حفيظة المحافظين، أو لنقل بالضبط الإسلاميين، الذين يرون في مثل هذه الدعوات تشبهاً بالغرب وتماهياً مع ثقافتهم على حساب الانسلاخ عن ثقافتنا الإسلامية.

وأشار إلى أنّ ما يرفعه الإسلاميون يجعلهم في مكانة المنافحين عن القيم المشتركة التي يتوافق بشأنها غالبية المغاربة، وهذا ما يجعلهم يصرون على استغلال هذه الورقة أيما استغلال، خاصة في ظل تراجعهم على رقعة اللعبة السياسية بهزيمتهم المدوية في انتخابات 2021.

الصحفي المغربي نور الدين اليزيد لـ"حفريات": المدونة الحالية جاءت بعديد من الحقوق والمزايا للمرأة، مثل تقنين مسألة تعدد الزواج، حتى بات أشبه بالمستحيل                

وأفاد نور الدين اليزيد بأنّ هذه المرافعة الأخلاقية قد تعيد لهم بعضاً من بريق سياسي افتقدوه عبر صناديق الاقتراع، لكن الثابت هو أنه حتى الطرف الآخر، وهم الحداثيون، يحاولون ما أمكن الظهور بمظهر قادة المجتمع الحاليين الذين يريدون تقدم المجتمع وتحديثه، لاسيما في ظل شبه الفراغ الذي تعيشه الساحة السياسية، منذ اندحار الإسلاميين، وخلو الساحة من قوة سياسية مؤثرة تستطيع استقطاب الرأي العام الوطني.

البوصلة الملكية

ونوه اليزيد بأنّه مهما يكن فإنه يبدو أنّ كل التيارات بمختلف مشاربها تعي جيداً أنّ القصر الملكي قد سبق له أن وضع خطوطاً حمراء -إذا صح القول- لأي تعديلات مقبلة على المدونة، عندما أعاد الملك وهو يأمر رئيس الحكومة بإعادة النظر في المدونة التذكير بما ورد في خطاب العرش لسنة 2022 بأنّ صميم هذه التعديلات يجب ألا يخرج عن مقاصد الشريعة الإسلامية، مُحيلاً على ما قاله عشية إخراج المدونة الحالية إلى الوجود بأنه بصفته أمير المؤمنين "فإنه لن يحل ما حرم الله، ولن يحرم ما أحل الله"، ويقصد طبعاً المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

ولفت إلى أنّ التعديلات المرتقبة ستركز بالخصوص على قضايا مثل التنصيص على منع زواج القاصر ومسألة الحضانة وعلاقتها بالنفقة، وعدم منع الأم المطلقة من الحضانة في حالة زواجها من جديد، ومسألة نسب الأطفال وإثبات ذلك بالوسائل العلمية الحديثة، إضافة إلى العمل على تجاوز الاختلالات القانونية والقضائية التي طبعت سنوات تطبيق المدونة الحالية، وهو ما أثر على توازنها وفق ما ألمح إليه ملك البلاد.

ورغم التأكيدات الثابتة من العاهل المغربي بأنّ إصلاح المدونة يأتي لتعزيز تطبيقها وإصلاح الخلل الناتج عن التجربة، إلا أنّ إخوان المغرب استغلوا كل شيء ممكن للاستفادة من الانتباه العام حول تلك القضية. نشط الإخوان في مهاجمة حكومة عبد العزيز أخنوش، والتركيز على غلاء الأسعار والقضايا الاقتصادية في المقالات التي تناولت موضوع مدونة الأسرة.

كما أنّ هجمة الإخوان المسلمين لا تخلو من تشكيك في شريعة الهيئات الدينية الرسمية، حيث أنّ تلك الهيئات ممثلة في لجان إصلاح مدونة الأسرة، وبالتالي فإن كل هجوم على تلك اللجان يستهدف تلك الهيئات، التي يسعى الإخوان في كل بلد عربي إلى استبدالها بأخرى تابعة لهم.