إرث هشاشة الدولة الإخوانية في السودان... الجماعات الإرهابية في حرب الخرطوم

إرث هشاشة الدولة الإخوانية في السودان... الجماعات الإرهابية في حرب الخرطوم

إرث هشاشة الدولة الإخوانية في السودان... الجماعات الإرهابية في حرب الخرطوم


23/09/2023

منذ عقود طويلة أشارت عدّة بحوث ودراسات إلى إمكانية تحول السودان إلى جغرافيا مُتفجِّرة وبؤرة جذب للجماعة الإرهابية، ما لم يحدث تحول حقيقي في بنية الدولة بإرساء بنى سياسية تعتمد المزيد من اللامركزية إزاء ما يتعلق بتوزيع السلطة والموارد.

لم تكن الأمور على ما يرام منذ نيل السودان استقلاله بشكل رسمي عام 1956، فقد ابتدر السودانيون الحرب الأهلية مع النسمات الأولى للحرية، فوجهوا بنادقهم نحو الجنوب حتى دفعوه إلى مقارعتهم والذهاب إلى طلاق "بينونة كُبرى" عام 2011.

منذ 1989

رغم ذلك، ظلت الأمور تراوح في حيّز السيطرة والتحكم، إلى أن نفذ الإخوان المسلمون انقلابهم في 1989، فكان ذلك هو الحدث الذي كان له الأثر الأكبر في تدهور الأمن وتراجع الحياة المدنية والتعايش بين المكونات الاجتماعية، في حدّه الأدنى.

التأثير الجهادي الأكبر على السودان سيأتي من منطقة الساحل، حيث الحدود مفتوحة على مصراعيها، والجماعات الرعوية تتحرك بين دول لا تعرف حدوداً وفواصل

فقد أصبح أمن النظام الإخواني الجديد مرتبطاً بالدرجة الأولى بحرب الجنوب، فأعلنوا ما سمّوه حينها بالجهاد على الكفرة والعملاء والخونة، وأجبروا الشعوب السودانية بالقوة الباطشة على العودة إلى أنماط من الحياة لا علاقة لها بوجدانهم وثقافتهم وعلاقاتهم البينية، إلى تاريخ لم يصنعوه ولم يشاركوا فيه ولا يخصهم، إذ لم يكن السودانيون يوماً ما جزءاً من حروب ما يُسمّى بالجاهلية في الجزيرة العربية مثل (داحس والغبراء)، ولم يكونوا منخرطين في أيّ وقت فيما يُعرف بالفتوحات الإسلامية والجهادية في صدر الإسلام وما بعده، بل لم يصلهم الإسلام وقتها!

لكنّ الإخوان أعادوهم قسراً إلى ذلك الزمان، فبدا الأمر بالنسبة إليهم مثل كوميديا إلهية وفانتازيا مدهشة.

هل يعود الماضي؟

الآن تحاول الجماعة استعادة تجربتها السابقة بأسلوب أكثر فظاظة ووحشية، إذ دفعت البلاد إلى حرب (الجنرالين) الراهنة؛ وفقاً للعديد من التقارير والإفادات التي أكّدت أنّها الطرف الذي أشعل الحرب؛ في الوقت الذي كانت تتهيأ فيه البلاد لوضع نفسها على مسار الديمقراطية وصراط المدنيّة.

أصبح أمن النظام الإخواني الجديد مرتبطاً بالدرجة الأولى بحرب الجنوب

المراقب لما يحدث في السودان لن يجهد كثيراً ليتعرف على الانقسام الحاد الذي أحدثته الحرب على جميع المستويات، خصوصاً بعد اتخاذ قائد الجيش وفلول نظام الإخوان مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر (شرق) عاصمة بديلة، وسعيهم الحثيث لإعلان حكومة (حرب) تحت اسم حكومة تصريف أعمال، فيما أعلن الطرف الآخر متمثلاً في قوات الدعم السريع أنّه لن يتوانى في تشكيل حكومة مماثلة من الخرطوم حال حدث ذلك.

قِبلة جديدة للإرهاب

يعتقد محللون سياسيون ومراقبون أنّ هذا الاتجاه سيجعل من السودان قِبلة جديدة للجماعات الإرهابية المنتشرة في الجوار والكامنة في السودان نفسه، إذ يمكن لـ (بوكو حرام) التي كاد نجمها يأفل في الساحل إيجاد موطئ قدم لها في السودان، خصوصاً أنّ هناك علاقات قوية عرقية وثقافية وامتدادات ديموغرافية بين السودان وشمال شرق نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، مركز الجماعة الإرهابية.

بعودة الإخوان المسلمين إلى الواجهة في السودان، وتصدر ميليشياتهم المسلحة مشهد العمليات في الحرب الدائرة، ودعوتهم إلى الجهاد عبر ما يطلقون عليه (الاستنفار)، فإنّ الأرضية السودانية أصبحت ممهدة لهجرة الجماعات الإرهابية إليها والاستقرار فيها

بجانب (بوكو حرام)، فإنّ الجماعات الإرهابية المرتبطة بـ (القاعدة وداعش) الناشطة في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ستتمكن من التسلل إلى السودان، خصوصاً إذا تحالفت الأنظمة العسكرية الانقلابية التي تحكم تلك الدول حالياً وألحقت بها هزيمة عسكرية أو أضعفت قدراتها القتالية أو شلت حركتها على الأقل.

خطر الساحل

بالنسبة إلى كثيرين فإنّ التأثير الجهادي الأكبر على السودان سيأتي من منطقة الساحل، حيث الحدود مفتوحة على مصراعيها، والجماعات الرعوية تتحرك بين دول لا تعرف حدوداً وفواصل، كما أنّها تعيش في جميع الدول تقريباً في حزام يمتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، مُتاح لانتقال سلس ـ خصوصاً مع الحرب السودانية الراهنة ـ للجماعات الجهادية هناك كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) ، والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS)، وهما اللتان تسعيان من خلال الانتقال إلى البلدان المجاورة لفرض مزيد من السيطرة على أجزاء أكبر من أفريقيا، والوصول إلى مصادر المياه والموارد والسيطرة على طرق التجارة والموانئ وعلى تعدين الذهب.

أمّا فيما يتعلق بحدود السودان الشرقية، مع إريتريا وإثيوبيا، فلربما يصعب تسلل الإرهاب الديني من خلالها؛ لوعورة جغرافيا البلدين، ولطبيعة أنظمة الحكم فيهما، والفعالية النسبية لأجهزة الأمن والمخابرات في كلٍّ من أسمرا وأديس أبابا، مقارنة بتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا في هشاشتها الحالية، كما أنّ الرحلة من بؤرة الإرهاب في شرق أفريقيا (الصومال) إلى السودان ستكون طويلة وشاقة ومحفوفة بالكثير من المخاطر، لذلك فإنّ الأرجح ـ بحسب العديد من المهتمين والمتخصصين في الجماعات الإرهابية في أفريقيا ـ ألّا تغامر أيّ جماعة في القدوم إلى السودان من الشرق.

من الجنوب أيضاً

من ناحية الجنوب، أصبحت دولة جنوب السودان عقبة أمام تقدّم جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة (ADF) الموالية (لداعش)، والتي أسسها ضباط سابقون في جيش الرئيس الراحل عيدي أمين دادا في شمال أوغندا تسعينيات القرن الماضي، لكنّ جماعة القوات المتحالفة، التي تمددت إلى شرق الكونغو حيث مركز عملياتها، انتشرت مفارز مقاتلة منها في أفريقيا الوسطى التي تحدّ السودان من الغرب والجنوب الغربي، وهي دولة شديدة الهشاشة تسيطر عليها جماعة (فاغنر) الروسية وبعض الميليشيات المسلحة، وتهيمن الحكومة على العاصمة (بانغي) وما حولها بمساعدة (فاغنر)، لذلك يمكن للقوات الديمقراطية المتحالفة أن تخترق حدود السودان من هذه الناحية، خصوصاً أنّ إقليم دارفور غرب البلاد ما يزال هشاً، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على معظمه، بما في ذلك بلدة (أم دافوق) المحورية على حدود أفريقيا الوسطى.  

هشاشة إيكولوجية

فضلاً عن كل ذلك، فإنّ دول منطقة الساحل غرباً، ودول القرن الأفريقي شرقاً، تعاني نظاماً شديد الهشاشة، إذ ما يزال ما يربو على (70) مليون شخص في القرن الأفريقي وحده، بما يمثل حوالي 45% من الكتلة السكانية، يعيشون في فقر مدقع، ويعانون نقص الغذاء جرّاء الحروب الأهلية المستمرة والجفاف وانعدام الأمن  وشح الموارد، وهؤلاء جميعهم عرضة للانخراط في الجماعات الإرهابية من أجل التسلح منها وممارسة أعمال السلب والنهب والسطو وقطع الطرق والارتزاق.

الآن، وبعودة الإخوان المسلمين إلى الواجهة في السودان، وتصدر ميليشياتهم المسلحة مشهد العمليات في الحرب الدائرة، ودعوتهم إلى الجهاد عبر ما يطلقون عليه (الاستنفار)، فإنّ الأرضية السودانية أصبحت ممهدة لهجرة الجماعات الإرهابية إليها والاستقرار فيها، وقد بدت بوادر ذلك تظهر جلية للعيان منذ بداية الحرب في 15 نيسان (أبريل).

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية