إسرائيل تغير "قواعد اللعب" مع إيران

إسرائيل تغير "قواعد اللعب" مع إيران

إسرائيل تغير "قواعد اللعب" مع إيران


15/04/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

مع استمرار الصراع بين حزب الله وإسرائيل في ظل حرب غزة، أُثير مصطلح "قواعد اللعبة" عدة مرات لشرح كيفية ردّ الطرفين عسكرياً على بعضهما البعض، مع تجنُّب تصعيد قد يُسبِّب أضراراً كبيرة لكليهما.

ومع ذلك، فمن الواضح أيضاً أنّ قواعد اللعبة المزعومة هذه قد انتُهِكَت بشكل متكرِّر من قِبل الإسرائيليين. وهذا يشير إلى أنّ ما يسمّى "حوار الردع" بين حزب الله وإسرائيل - وهو المصطلح الذي صاغه الباحث الإسرائيلي يائير إيفرون في سياق العلاقة الإسرائيلية السورية خلال أعوام الحرب الأهلية اللبنانية - ليس حواراً حقيقياً ولم ينجح في ردع إسرائيل.

ظهرت "قواعد اللعبة" لأوّل مرة في عام 1996، عندما شنَّت إسرائيل عملية "عناقيد الغضب" في لبنان، والتي انتهت باتفاق غير رسمي، عُرف باسم "اتفاق نيسان". سعى الاتفاق إلى حماية المدنيين على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، في وقت كان حزب الله يحارب فيه الاحتلال الإسرائيلي. لكنّ ما فعله الاتفاق فعلياً هو إضفاء الشرعية على قرار أيٍّ من الجانبين بانتهاك مبادئ التفاهم انتقاماً من الطرف الآخر الذي انتهكها أوّلاً.

وقد تطوَّر ذلك بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار (مايو) 2000. في ذلك الوقت  ادّعى حزب الله أنّ إسرائيل ما تزال تحتلّ أراضي لبنانية، لا سيّما مزارع شبعا. وتحدت إسرائيل والأمم المتحدة هذا الأمر. فهذه المزارع، إذا لم تكن لبنانية، هي من الناحية الفنية جزء من مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وقَبِل الإسرائيليون بمستوى معيّن من هجمات حزب الله في هذه المنطقة، التي ظلت محل تنازع.

 أُثير مصطلح "قواعد اللعبة" عدة مرات لشرح كيفية ردّ الطرفين عسكرياً على بعضهما البعض

وسواء كان الأمر يتعلق بـ "اتفاق نيسان"، أو بالمرونة النسبية التي أبدتها إسرائيل بشأن عمليات حزب الله في مزارع شبعا، فإنّ التفاعل بين الجانبين كان محكوماً بمستوى معيّن من الواقعية والتناسب المقبول. أدرك كل من الطرفين أنّ الآخر قد يلحق ضرراً كبيراً به إذا تخلى عن القواعد، وبالتالي تصرَّف ضمن خطوط حمراء معينة.

تم تجاوز هذه الخطوط الحمراء بشكل متزايد منذ بداية حرب غزة، وهناك سبب لذلك. إنّ ما يجري الآن هو محاولة إسرائيلية لإعادة كتابة معادلة الردع - في لبنان، وأيضاً في سوريا - بحيث تميل بشكل أكبر لصالح إسرائيل.

قبل نحو عام حاول "محور المقاومة" الموالي لإيران أن يفعل الشيء نفسه من خلال طرح استراتيجية أصبحت تُعرف باسم "وحدة الساحات". وكانت الفكرة هي أنّ شبكة إيران من الوكلاء الإقليميين سوف تتعاون في فتح جبهات متعددة ضد إسرائيل رداً على الإجراءات الإسرائيلية التي تعتبر غير مقبولة، على سبيل المثال، انتهاك المسجد الأقصى في القدس.

إنّ ما يجري الآن هو محاولة إسرائيلية لإعادة كتابة معادلة الردع - في لبنان، وأيضاً في سوريا - بحيث تميل بشكل أكبر لصالح إسرائيل

وكانت المخاطر واضحة على الفور للعديد من المراقبين، لأنّ الاستراتيجية أشارت ضمناً إلى أنّ المواجهة المحصورة بين حماس وإسرائيل في غزة يمكن أن تمتد فجأة إلى لبنان أو سوريا أو العراق أو حتى اليمن، إذا دخل حلفاء إيرانيون آخرون في المعركة دعماً لحماس. وربما كان هذا التوقع هو الذي دفع قيادة حماس في غزة إلى مهاجمة إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ توقعات القيادة لم تتحقق إلا جزئياً.

وعلى الفور تقريباً، أوضح حزب الله أنّه لا يريد أن يرى تصعيداً كبيراً في الحرب مع إسرائيل، وكذلك إيران، وبالتأكيد ليس إذا تدخلت الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل. وفي خطب متتالية ذكر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أنّ لبنان مجرد "جبهة دعم" لحماس، في حين أشار ضمناً أيضاً إلى أنّ الحقائق الاقتصادية والاجتماعية في البلاد تعني أنّها غير قادرة على استيعاب حرب واسعة النطاق.

وقد شجعت مثل هذه الاعترافات من حزب الله وإيران الإسرائيليين على رفع مستوى الرهان. وكل شيء يوحي بأنّ المقامرة نجحت. قتلت إسرائيل العشرات من عناصر حزب الله والقيادي البارز في حماس صالح العاروري في لبنان، بالإضافة إلى عدد من الجنرالات الإيرانيين في سوريا، وقد قُتل اثنان من هؤلاء في مجمع السفارة الإيرانية الأسبوع الماضي. كما دمر الإسرائيليون مناطق زراعية واسعة في جنوب لبنان، وقصفوها بالفسفور الأبيض.

 أوضح حزب الله أنّه لا يريد أن يرى تصعيداً كبيراً في الحرب مع إسرائيل

يبدو أنّ إسرائيل تحاول تطبيع وضع ردعيٍّ غير متوازن يمكنها من خلاله توجيه ضربات أقوى بكثير ضد حزب الله وإيران، من دون أن تتوقع منهم الرد بالمثل؛ بسبب حرصهما الشديد على تجنُّب تصعيد عسكري كبير.

وإذا نجح الإسرائيليون في فعل شيء كهذا، فقد يدفع ذلك الإيرانيين إلى إعادة النظر في استراتيجية "وحدة الساحات". ولا يمكن لهذه الاستراتيجية أن تصمد إذا كانت عتبة العنف التي يمكن أن يتحملها المشاركون في "محور المقاومة" أقلّ من عتبة العنف الإسرائيلية، لأنّ الردع الفعال يدور حول قدرة أحد الطرفين على التصعيد إلى مستويات الخصم.

ويكمن الخطر في أنّ حزب الله وإيران لن يسمحا لإسرائيل بفرض معادلة ردع غير مستوية عليهما. قد يكونان على استعداد لتحمل العقاب في الوقت الحالي، ولكن عاجلاً أم آجلاً سيتعين عليهما إعادة ضبط العلاقة، لضمان عدم استمرار إسرائيل في تقييد هامش مناورتهما. ولكن لكي ينجح ذلك، قد يكون من الضروري حدوث نوع من المواجهة، حتى تشعر إسرائيل بالألم.

ومن خلال محاولتهم تغيير الوضع الراهن القائم منذ فترة طويلة مع إسرائيل، لا بدّ أنّ الإيرانيين كانوا يعلمون أنّهم يخوضون مخاطرة كبيرة. ومشكلة الردع هي أنّه غالباً ما يُثبَّت من خلال "سياسة حافة الهاوية". وهذا يعني ضمناً أنّ صداماً مباشراً بين إيران وإسرائيل، بما في ذلك من خلال حزب الله، قد يحدث في المستقبل. وعندما تكون مصداقية شخص ما على المحك، فإنّ التغاضي ليس خياراً.

المصدر:

مايكل يونغ، ذي ناشيونال نيوز، 9 نيسان (أبريل) 2024




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية