إسلامية المعرفة والنقد السلفي

إسلامية المعرفة والنقد السلفي

إسلامية المعرفة والنقد السلفي


29/08/2023

عبدالله بن بجاد العتيبي

«إسلامية المعرفة» بوصفها منتجاً صحوياً نخبوياً، هي أقرب لطروحات «جماعة الإخوان» ومثيلاتها من الجماعات التي هي أقرب لحزبٍ سياسيٍ لا يعنيه الدين إلا بوصفه خادماً للمشروع السياسي، وقد تتنازع الأحزاب السياسية ضمن التيار نفسه على مكاسب حزبية، وكلما كانت الجماعة أبعد عن السياسة وأقرب إلى الفقه -متسامحاً كان أم متشدداً- ابتعدت عن هذا المنتج.

بحسب طروحات دعاة «إسلامية المعرفة» وتنظيراتهم فإنهم يرونها من أوجب الواجبات للحفاظ على هوية ودين المسلمين ومستقبل «الأمة» بينما يرى غيرهم من الإسلامويين رأياً معاكساً تماماً، فيرون أنها «ردةٌ عن الإسلام» و«خروج من الملة» وضلال ديني على أقلّ الأحوال، وقد قدّم التيار السلفي و«التيار السروري» نقداً دينياً لهذا التيار وطروحاته في مقالاتٍ وأبحاثٍ وكتبٍ متعددة، وقد عرضت «مجلة البيان» السرورية التي تصدر من لندن مقالات ناقدة منذ الثمانينيات لأطروحات «إسلامية المعرفة» وتنظيرات رموزها ومؤسسيها.

ويكفي في استعراض هذا النقد عرض مثالٍ واضحٍ له، وهو النقد الطويل والتفصيلي الذي كتبه عثمان بن عبدالقادر الصافي في كتابٍ كاملٍ أسماه «أسلمة العلوم الإنسانية.. عنوان وهمي لا واقع موضوعي له»، ويقول الصافي في هذا الكتاب: «فمواد هذه العلوم (الإنسانية) متواجدة في الأصل الأصيل لديننا».

ويضيف «ويمكن لخبيرٍ بالمعاني التي تشتمل عليها هذه العلوم (علم نفس، اجتماع...) أن يلحظها -أي يلحظ تلك المعاني- في كافة تراثنا دونما استثناء، من تفاسير ونصوص، وكتب فقه، وفي سائر مصنفات العلم» ص15، كما يقول الصافي أيضاً: «(أنماط التفلسف) الغربية -ومنها ما أُسمي بـ(العلوم الإنسانية)- لم يعط وصفه من كونه (كفراً) بل دخل تحت عنوان (الفكر الغربيّ) وقُبل عندنا، وانتشر، بل وأدخل في مناهج التعليم الشرعي على أساس أنه (ثقافة)» ص33، ويوضح الصافي «إن الغياب عن الحقائق هذه، هو الذي جعل موضوع ما أسمي بـ(العلوم الإنسانية) موضوع جدل، ولو أنه وضع في الموقع الذي يجب أن يوضع فيه ونظر إليه النظرة المفروض أن ينظر إليه منها -على أنه عقائد غازية- إذن لاتخذت القضية مسارها الصحيح» ص 34.

ويصل الصافي في نقده إلى تيار «إسلامية المعرفة» فيقول: «الرأي السادس: وهو الذي يحمل عنوان إسلامية المعرفة ولقد تعرفنا على الرأي هذا من مصدر واحد، هو المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ونحسب أن الرأي هذا هو للمعهد خاص به، ذلك أننا لم نجد له أثراً في مصدر آخر، وللرأي هذا أهمية خاصة تفوق سابقيه، وذلك لما تنامى إلينا من أن المعهد الذي تبناه، إنما أنشئ لتقرير رأي في العلوم الإنسانية، وهذا ما لم يحظ به -في حدود علمنا- أي من الآراء السابقة» ص 40.

ثم يخلص الصافي إلى استنتاجٍ يوضح حجم النقد الذي يقدمه لتيار «إسلامية المعرفة» فيقول: «فإن من يتشبث بهذه العلوم على ما هي عليه وأن تؤخذ وتمارس أهدافها في حياتنا العملية، أو يجترئ على التقدّم بمشروع دمجها في الإسلام عن طريق ما يدعى بـ«الأسلمة» أو سوى ذلك، لا فرق، دون تبصّر بما يعني هذا الدمج، ضارباً عرض الحائط بما تمليه الموضوعية والأصول العلمية في التحقيق والنظر، ومستخفاً بما توجبه عليه تقوى الله تبارك وتعالى، أقول: إن من يفعل هذا، أو يدعو إليه على علم بأنه يمثل حيدة على الإسلام..» ص 43. أخيراً، فهذا نموذج واحدٌ فقط لطبيعة النقد السلفي والصحوي الموجه لتيار «إسلامية المعرفة» وهو مفيدٌ لفهم هذه الأطروحة ضمن سياقها الفكري.

عن "الاتحاد" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية