إعدام روح الله زم في إيران: الولي الفقيه يفتك بمعارضيه

إعدام روح الله زم في إيران: الولي الفقيه يفتك بمعارضيه


15/12/2020

كغيره من أبناء المعارضة الإيرانية، لم يختر الخروج من بلده، لكنّ توحش النظام أجبره على الخروح إلى فرنسا منذ عام 2011، ليمضي ثماني سنوات، انتهت بسفره إلى العراق عام 2019، حيث تمّ إلقاء القبض عليه من قبل الحرس الثوري الإيراني، وترحيله إلى طهران، حيث تمّت إدانته في حزيران (يونيو) الماضي، بجريمة الفساد في الأرض، وهي الجريمة التي فصلّها النظام الإيراني، كثوب يُجبر على ارتدائه أيَّ معارض يحاول زعزعة النظام واستقراره.

النظام الإيراني اعتاد على ممارسات المافيا، التي لا تمت للدولة بصلة، من عمليات اختطاف لمعارضين، وإعدام لصحفيين، وسجن للنساء، والاغتيالات السياسية الدموية

فبعد شهور قليلة من إعدام المصارع الإيراني "نويد أفكاري"، أعدمت السلطات الإيرانية الصحفي المعارض "روح الله زم"، السبت الماضي، بتهمة التشجيع على الاحتجاجات، عبر قناته على تليجرام التي كان يديرها من منفاه في فرنسا.

كان روح الله زم قد أدين بتشجيع انتفاضة مناهضة للحكومة في عام 2017، وذلك عبر قناته الشهيرة "آمد نيوز"، والتي استخدمها لمشاركة التفاصيل اللوجيستية حول الاحتجاجات التي هزّت إيران في أواخر العام 2017، حيث تضمنت منشوراته على القناة مقاطع فيديو للمتظاهرين ساعدت في نشر أخبار الانتفاضة، في وقت كانت الدولة تحظر فيه تداول المعلومات.

وحظي خبر الإعدام باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام العالمية، وأدانت منظمة "مراسلون بلا  حدود"، النظام الإيراني على هذه الجريمة، حيث عبّرت عن ذلك عبر تغريدة على موقع "تويتر"، وأوضحت أنّها غاضبة من هذه الجريمة الجديدة للعدالة الإيرانية، حيث تعلم جيداً أنّها العقل المدبر لهذا الإعدام، وأشارت المنظمّة في التغريدة إلى مسؤولية المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، عن هذه الوحشية التي تمارسها الإدارة الإيرانية. كذلك نددت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها بإعدام الصحفي الإيراني؛ ووصفته بأنه "عمل همجي وغير مقبول، يقوض حرية التعبير وحرية الصحافة في إيران".

وحظيت قناة زم، بجماهيرية عالية، عبر أكثر من مليون مشترك، وقامت السلطات الإيرانية بإغلاقها بعد اتهامها بتحريض المتظاهرين على استخدام زجاجات المولوتوف.

 وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، في مقالها المنشور عقب حادث الإعدام، سعت إيران إلى إسكات المعارضين في الداخل والخارج، واحتجاز المعارضين في الدول الأجنبية، وحجب تطبيقات الرسائل لقمع السخط، واستخدام القوة الوحشية ضد شعبها، مما أدى في العام الماضي، إلى مقتل مئات المحتجين، خلال الاضطرابات الواسعة في البلاد، ويبقى اللغز الأكبر هو كيفية وقوع روح الله زم أسيراً في أيدي الحرس الثوري الإيراني.

اقرأ أيضاً: المقاومة الإيرانية تصدر بياناً يتعلق بإعدام روح الله زم... ماذا جاء فيه؟

 وبحسب شهادة رئيس مكتب إيران وأفغانستان في منظمّة "مراسلون بلا حدود" رضا معيني، لصحيفة "واشنطن بوست"، فإنّ زم لطالما كان شخصيّة مثيرة للجدل بالنسبة للنظام الإيراني، لكن رحلته إلى العراق تمّت باستدراج جهات معينة له، حيث كان يأمل أن يجتمع مع آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الشيعي العراقي، والذي يملك علاقات وثيقة مع إيران ومنافس للسيد خامنئي، وذلك لمناقشة تمويل مشروعه الإعلامي.

ما وراء الإعدام

روح الله زم هو ابن رجل الدين البارز والمعروف "محمد علي زم"، وهو الرئيس السابق لوكالة دعاية حكومية، وولد في نفس عام الثورة الإسلامية التي أطاحت النظام الملكي في إيران، وسمي على اسم الأب المؤسس للثورة، آية الله روح الله الخميني، غادر إيران عام 2009، بعد اعتقاله على خلفية احتجاجات هزّت إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، ومكث في ماليزيا أولاً قبل أن يرحل إلى فرنسا التي منحته حق اللجوء السياسي.

اقرأ أيضاً: الإعدام الوشيك لأكاديمي سويدي يعمّق توتر العلاقات الأوروبية الإيرانية

ويعتقد الباحث في الشؤون الإيرانية، أحمد فاروق، إنّ هذا الإعدام سيلقي بظلاله على العلاقات الإيرانية الأوربية، وهو ما اتضح في تأجيل المنتدى الاقتصادي الإيراني الأوروبي، الذي كان مقررا انعقاده في ١٥ كانون الأول (ديسمبر) الجاري.

أحمد فاروق

يضيف فاروق في تصريح لـ "حفريات": "أعتقد أنّ إعدام روح الله زم كان رسالة بصورة كبيرة، خاصة أنّه أحد الثلاثة من المعارضة، الذين تمكنت الاستخبارات بصورة مباشرة أو غير مباشرة من اعتقاله، بالإضافة إلى  (جمشيد شارمهد، وحبيب أسيود).

إيران تريد توجيه رسالة عبر بريد زم، بأنها لا تزال تمسك بخيوط أمنها، محذرة أي حركة انفصالية أو مسلحة معارضة، من تبعات محاولتها تقويض السلم المجتمعي، أو خلخلة الصورة المرسومة للأمن الإيراني خاصة بعد اغتيال محسن فخري زاده، وما يقال عن محاولة اغتيال أخرى لمحمد مهدي طهرانتشي قبيل نجاح اغتيال فخري زاده، وفق فاروق.

الباحث محمد عبّادي لـ"حفريات": إعدام روح الله زم يؤكد أنّ النظام متورط في قضايا فساد وعازم على إخراس أي صوت يفتح هذه الملفات

 كما يتعين التذكير بأنّ إعدام زم، جاء بعد عام وعدة أشهر من القبض عليه في العراق، وفي ظل ما يثار عن بث القناة التي يديرها على تليغرام فيديوهات خاصة بتصنيع القنابل والأسلحة اليدوية، كذلك ووفقاً لما أذاعه والده محمد علي زم، كان الإعدام نتيجة فشل عملية تبادل سجناء كان طرفها ابنه روح الله، الأمر الذي أسفر عن استدعاء زم الأب لمحكمة الثورة في طهران.

  بعد خبر الإعدام بساعات، نشر والد زم، بياناً على حسابه على إنستغرام، وقال إنّ إدارة السجن اتصلت بالأسرة يوم الجمعة، لزيارة الابن، لكنّهم لم يخبروا أحداً، بأنّهم على وشك تنفيذ حكم الإعدام.

 دولة الإرهاب وإرهاب الدولة  

اندلعت احتجاجات عام 2017  التي شارك زم في الدعاية لها، بعد قفزة مهولة في أسعار المواد الغذائية، لكنها سرعان ما تحولت إلى انتفاضة على مستوى البلاد، ضد حكام إيران، وهي واحدة من أكبر التحديات التي واجهتها السلطات منذ احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009.

اقرأ أيضاً: ضغط دولي على ميليشيات الحوثي الإرهابية... هل توقف إعداماتها؟

آنذاك، قامت قوات الأمن بقمع الاحتجاجات واعتقال آلاف المتظاهرين، وقتل العشرات غيرهم، وتحولت احتجاجات جديدة العام الماضي، نجمت هذه المرة عن قفزة في أسعار الغاز، إلى أكثر الاضطرابات دموية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، قُتل ما لا يقل عن 304 أشخاص خلال الانتفاضة.

ويرى الباحث في الشؤون الإيرانية، ومدير مركز جدار للدراسات الإيرانية، محمد عبّادي، أنّ النظام الإيراني اعتاد على ممارسات المافيا، التي لا تمت للدولة بصلة، من عمليات اختطاف لمعارضين، وإعدام لصحفيين، وسجن للنساء، فضلًا عن الاغتيالات السياسية الدموية.

محمد عبّادي

يتابع عبادي في تصريح لـ"حفريات": "تكشف كل هذه العمليات المروعة عن أمرين الأول؛ هو العقيدة المؤسسة لهذا النظام والتي ترى بأنّ المرشد هو وكيل آلهي على الأرض، وقد منحه دستور ولاية الفقيه كل الصلاحيات المفرطة، ولا يجوز لأحد الاعتراض عليه، وعلى هذا درجت الفتاوى الدينية بقتل كل المعارضين حتى لو تجاوز عددهم نصف الشعب وأكثر.

 ومن هذا المنطلق ارتكب النظام الإيراني جرائم إنسانية كبرى، منذ لحظة وصول الخميني إلى السلطة، الذي فتك بكل من ساعده للوصول إلى مكانه، مروراً بجرائم الثمانينات، وآخرها القمع المروع للمحتجين في الانتفاضات الأخيرة، تخلل ذلك عمليات اختطاف وتعذيب وحشيّ واغتيال بالضرورة".

اقرأ أيضاً: بالفيديو والصور.. إيرانيون يحرقون مقار حكومية اعتراضاً على الإعدامات

أمّا الأمر الثاني الذي يكشفه إعدام "زم"، ومن قبله اعتقال فاطمة التميممي الناشطة الأحوازية، واختطاف حبيب أسيود، وإعدام نافيد أفكاري، واغتيال أحمد مولي، وكذلك اغتيال سعيد كريمان الإعلامي المعارض،  فهو بحسب عبادي، أنّ هذا النظام الديني على وجه التحديد، "متورط في قضايا فساد وعازم على إخراس أي صوت يفتح هذه الملفات التي تطال رؤوس كبيرة بالسلطة، كان منهم صادق لاريجاني، رئيس القضاء الأسبق والمقرب من المرشد الحالي، وهو بالمناسبة واحد من الذين كشف روح الله زام ملفات فساده، على قناته على تليغرام (آمد نيوز) والتي دفع ثمنها حياته".

كل هذه الرسائل الدموية، التي يخطها نظام الملالي بأرواح الناس والمعارضين، والفاضحين فساد نخبة النظام، تكشف عن مدى التخبط داخل أركان الدولة الإيرانية، التي قررت أنّ قتل أي صوت معارض، بأي طريقة كانت باختطافه وتهريبه إلى داخل إيران، أو اغتياله عبر شبكات الإرهاب، التي يديرها الحرس الثوري في الخارج.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية