إلى أيّ حدّ تنجح العقوبات الاقتصادية في احتواء الدول المارقة؟

إلى أيّ حدّ تنجح العقوبات الاقتصادية في احتواء الدول المارقة؟


09/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

غفل سيل الانتقادات الموجّه للعقوبات الغربيّة المفروضة على روسيا، عن نقطةٍ أساسيّةٍ إلى حدّ كبير، تُشكِّل العقوبات دعامة من دعامات النّظام الدوليّ، وهي الملاذ الأوّل عندما تُهدِّد التّوترات بين الدّول بالتّحوّل إلى مواجهةٍ لا يُمكن السّيطرة عليها.

 ومع ذلك، توقّف قليلون للسّؤال عمّا إذا كانت الجزاءات التي تفرضها العقوبات يمكن أن تُحقّق الأهداف التي يفكّر فيها مهندسوها، وثمّة عدد أقلّ من النّاس يرى أنّ الاعتماد على العقوبات كسلاح قد أدّى أقصى بشكل سلبيّ أدوات الدفاع والأمن الأخرى.

اقرأ أيضاً: اتفاقيات بأكثر من 15 مليار دولار... هكذا تحايلت إيران على العقوبات

شوّهت العقوبات النّظامَ الدوليّ، وفي أزمة أوكرانيا، نشهد عدم فعالية هذه السّياسة التي تفرض خسائر مدمّرة على القدرة على الدّفاع عن النّظام العالميّ القائم. في هذه الحالة، نعلم بالفعل أنّ خطوات الرّدع قد فشلت، وكان الأمين العامّ للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، صريحاً بشكل غير عاديّ عندما دعا روسيا إلى إنهاء هجومها في أوكرانيا، والذي قال إنّه يتعارض مع ميثاق الأمم المتّحدة.

ماذا قال هيغ؟

وقال رجل دولة حكيم، مثل البريطانيّ ويليام هيغ؛ إنّ القرار الرّوسيّ يدعو إلى "إستراتيجيّة جديدة تماماً لا تقلّ عن إعادة ضبط العقل الغربيّ"، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإنّ العقوبات الاقتصاديّة يجب أن تكون أوّل ما يُعاد التّفكير فيه عند إعادة ضبط هذا العقل.

تُشكِّل العقوبات دعامة من دعامات النّظام الدوليّ

صحيح أنّ عصر العولمة؛ حيث تتمتّع روسيا والصّين بوضع "الدّول الأولى بالرّعاية" في منظّمة التّجارة العالميّة، كان بمثابة عامل تمكين كبير للموارد التي ضمنت تحديث جيشيهما، وفرض عقوبات تُقيّد تدفّق الموارد هذا لم يثبت أنّه موازٍ تماماً لهذه الجهود.

اقرأ أيضاً: الغرب يستهدف روسيا.. فهل ترتد عقوباته على العالم؟

وكان تقرير صادر عن برلمان المملكة المتّحدة، عام 2019، قد دعا إلى إلقاء نظرة جذريّة على سياسة العقوبات الخاصة بالبلاد، وأضاف أنّ "العقوبات ضروريّة للغاية للحفاظ على نظام دوليّ قائم على القواعد، والدّفاع عن مصالحنا الوطنيّة بحيث لا يمكن التّعامل معها على أنّها لا تمثّل أولويّة".

تجاوز العقوبات باعتبارها الرّدّ الأوّل قد يعني وجود حاجة أوسع لإعادة اختراع فنّ الحكم الاقتصاديّ، وهو ما يعني بالضّرورة أن تتمّ إعادة تشكيل معالم التّجارة العالميّة

طرحت الّلجنة المسؤولة سلسلة من الأسئلة على الحكومة: "ما تكاليف وفوائد الاختلاف في أنظمة العقوبات الرّئيسة؟ كيف يمكن للمملكة المتّحدة أن تُحقّق أقصى استفادة من قوّتها في الخدمات الماليّة؟ أين تتماشى مصالح المملكة المتّحدة بشكل وثيق مع مصالح شركائنا الدّوليّين الرّئيسين؟ كيف سنؤثّر على اتّخاذ قراراتهم في المستقبل؟ لم نرّ أيّ دليل على أنّ [وزارة الخارجيّة] أو الحكومة الأوسع قد بدأت حتّى في استكشاف هذه الأسئلة".

"الأكبر" و"الأشدّ عقاباً"

هذه بالفعل هي المسائل المطروحة الآن، حيث فرضت المملكة المتّحدة ودول مجموعة عقوبات هي "الأكبر" و"الأشدّ عقاباً" على الإطلاق ضدّ روسيا، ومع ذلك، يتمّ ذلك مع نتيجة غير معروفة. الطّرق والجداول الزّمنيّة لتطبيق العقوبات ليست علميّة لقياسها، حتّى أنصارها يعترفون بأنّ الإجراءات التّقييديّة ليست فوريّة المفعول في الغالب، ولا تقدّم حلّاً سحريّاً، لكن لها تأثيرات تشقّ طريقها عبر النّظام.

اقرأ أيضاً: هل تشارك أنقرة في العقوبات ضدّ موسكو؟.. وزير الخارجية التركي يجيب

من الواضح أنّ العقوبات غير مرحّب بها بشدّة، وقد أصدرت روسيا سلسلة من التّهديدات ضدّها، وللنظر إلى سجلّ هذا المسار مع إيران، تجعل العقوبات احتمالية إبرام اتّفاق في فيينا بشأن برنامج إيران النّوويّ مشروطة بتخفيف العقوبات. فالاقتصاد الإيرانيّ مشلول منذ عدّة أعوام، وانتهت فترة من التّنمية المدعومة من الصّين بفعل العقوبات الأمريكيّة التي فرضت قبل أكثر من عقد من الزّمان.

ومع ذلك، فقد تمكّنت إيران من توجيه مواردها لتجهيز وبناء قوّات بالوكالة في لبنان واليمن، وكانت قادرة على لعب دور في الحرب الأهليّة السّوريّة حتّى قبل أن يسلّم الاتّفاق النّوويّ لعام 2015 مؤقّتاً المزيد من عائدات النّفط لطهران لتمويل تدخّلها الإقليميّ بشكل وافٍ.

منافسة بين الأولويات

يصف أحد المسؤولين الأمريكيّين السّابقين هذه الدّيناميكيّة، التي تُلعَب الآن بشكل كبير مع روسيا وأوكرانيا، بأنّها منافسة بين الأولويات التي يفرضها السّعي لتحقيق التّفوق العسكريّ المحلّيّ مقابل الضّغوط التي يمكن تحمّلها من خلال الاستبعاد من النّظام الماليّ العالميّ.

اقرأ أيضاً: الإمارات والسعودية تعلقان على فرض مجلس الأمن عقوبات جديدة على الحوثيين

 في الآفاق الفوريّة الحالية، من المرجّح أن يتمّ الكشف عن حدود العقوبات بوحشيّة.

سيكون التّحوّل الواضح إلى بنى أمنيّة أقرب إلى تلك التي كانت موجودة في منتصف القرن العشرين. في حالة روسيا، من المرجّح أن تكون الاستجابة الأساسية هي سياسة احتواء أقوى لحلف شمال الأطلسيّ تشهد استثماراً في الدّفاع. وقد يعني ذلك عودة إلى العالم الذي تمّ تشكيله من خلال الانحياز وتكتّلات القوّة، وهو أمر من شأنه أن يوجّه العلاقات التّجاريّة والسّفر.

وجدت إحدى الدّراسات الأكاديميّة التي فحصت 170 نموذجاً للعقوبات المفروضة أنّ الإجراءات لم تكن فعّالة إلا في ثلث الحالات، وهذه نتيجة مروّعة

إنّ تجاوز العقوبات باعتبارها الرّدّ الأوّل قد يعني وجود حاجة أوسع لإعادة اختراع فنّ الحكم الاقتصاديّ، وهو ما يعني بالضّرورة أن تتمّ إعادة تشكيل معالم التّجارة العالميّة كجزء من هذا الجهد، وكذلك تغيير الاستثمار عبر الحدود بشكل جذريّ إلى نشاط بين الدّول الصّديقة، بدلاً من قضايا المعاملات الماليّة، التي تمّ لعبها في المحاولات غير المجدية حتّى الآن لجعل نظام الرّسائل المصرفيّة العالميّ "سويفت" يطرد روسيا، فإنّ العوامل الأخرى سيكون لها تأثير أكبر في كتيّب اللعبة، مثل التّركيبة السكانيّة والقوى الثقافيّة البنيويّة.

اقرأ أيضاً: مجلس الأمن يفرض عقوبات جديدة على ميليشيات الحوثي الإرهابية... مواد القرار

وجدت إحدى الدّراسات الأكاديميّة التي فحصت 170 نموذجاً للعقوبات المفروضة أنّ الإجراءات لم تكن فعّالة إلا في ثلث الحالات، وبالنّظر إلى الطّاقة التي تدخل في صنع مثل هذه السّياسة والأولويّة التي تفترضها القرارات، فهذه نتيجة مروّعة.

اقرأ أيضاً: هل تلجأ روسيا إلى العملات المشفرة في مواجهة العقوبات الغربية؟

يخدم مفهوم العقوبات هدفاً واحداً: إنّه يحتوي المواجهة، إمّا بحسب الدّولة أو بحسب القطاعات المستهدفة، وتُظهِر الأحداث الأخيرة أنّ قضايا الصّراع والدّبلوماسيّة ستُشكِّل في المستقبل أساسيّات الاقتصاد العالميّ، لقد أصبح لعب دور المدافع اسم اللعبة من كلّ جانب.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

داميان ماكلروي، ذي ناشونال، 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/27/sanctions-havent-deterred-russia-so-what-do-we-replace-them-with/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية