استطلاع رأي يظهر ارتفاع معدلات التديُن لدى الشباب العربي.. هل هو فجر جديد للإسلام السياسي؟

لماذا ترتفع معدلات التديُن لدى الشباب العربي؟ هل هو فجر جديد للإسلام السياسي؟

استطلاع رأي يظهر ارتفاع معدلات التديُن لدى الشباب العربي.. هل هو فجر جديد للإسلام السياسي؟


15/08/2023

تحول كبير شهدته علاقة الشباب دون الـ (30) عاماً بالدين وممارسة الشعائر الدينية في العالم العربي، إذ يتزايد عدد من يقبلون على التدين قياساً بعددهم في عام 2018، وهو ما يظهر بقوة أنّ الإسلام السياسي في طريقه إلى العودة؛ وذلك من نتائج استطلاعات الرأي الممثلة لمستوى الدول في الدورة السابعة للباروميتر العربي.

وبحسب استطلاع الرأي، فإنّ أغلب الدول  التي شملها الباروميتر يعرب مواطنوها من الصغار والكبار سنّاً على السواء عن تفضيل واضح لزيادة دور الدين في السياسة، وهي المرّة الأولى التي تتضح فيها زيادة دعم الإسلام السياسي بقدر يُعتدّ به منذ انطلاق الانتفاضات العربية في 2011.

وبحسب دراسة نشرها (المركز العربي لدراسات التطرّف) تحت عنوان "فجر جديد للإسلام السياسي"، فإنّ هذه التوجهات في الآراء قد لا تستمر، وإذا استمرت يمكن أن تعيد للإسلام السياسي أهميته كقوة سياسية كبرى في المنطقة.

وعلى الرغم من نجاح الحركة الإسلامية في صناديق الاقتراع بعد 2011، لم ينل الإسلام السياسي دعماً كبيراً عبر المنطقة؛ ففي الفترة ما بين 2012-2014 لم تقل الأغلبية في أيّ دولة شملها الاستطلاع بضرورة أن يكون لرجال الدين سلطة على القرارات الحكومية.

في جوهره، يحاول هذا السؤال فهم إذا كان من رأي الناس أن يلعب الدين دوراً أكبر في السياسة، وهي الإيديولوجية الأساسية للإسلام السياسي؛ إذ يُلاحظ أنّه في السودان فقط (47%) واليمن (48%)؛ قال أكثر من (4) من كل (10) مواطنين بضرورة وجود هذا الدور للقيادات الدينية.

تحول كبير شهدته علاقة الشباب دون الـ (30) عاماً بالدين وممارسة الشعائر الدينية في العالم العربي

ووفق استطلاعات الرأي لم يتغير، في الأغلب، هذا التصور حتى نهاية العقد؛ ففي الفترة ما بين 2018-2019، فقط في السودان قال النصف، على الأقل، إنّهم يدعمون وجود دور للقيادات الدينية في القرارات الحكومية.

مقارنة باستطلاع 2012-2014، لم يتغير الدعم بأكثر من (5) نقاط مئوية في (6) من (9) دول شملها الاستطلاع، الاستثناء كان المغرب، حيث تراجع الدعم لهذه المقولة (9) نقاط مئوية، وفي لبنان والعراق زاد بواقع (11 و10) نقاط مئوية، على التوالي.

وفي الفترة الحالية، تلعب الأحزاب الإسلامية دوراً أصغر بكثير في سياسة المنطقة مقارنة بالوضع في الأعوام التالية للانتفاضات العربية؛ فالإخوان المسلمون جماعة محظورة حالياً في مصر، وتتعرض النهضة لحملة في تونس، وقد خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية في المغرب، مع استثناء ملحوظ في لبنان وغزة، لم تعد التنظيمات الإسلامية تلعب دوراً كبيراً في السلطة عبر المنطقة.

في أغلب الدول التي شملها الباروميتر يعرب مواطنوها من الصغار والكبار سنّاً على السواء عن تفضيل واضح لزيادة دور الدين في السياسة

ومنذ 2018-2019 زاد الدعم لإيديولوجية الإسلام السياسي، في 2021-2022 أيد النصف أو أكثر، في (5) من (10) دول شملها الاستطلاع، أن يكون لرجال الدين نفوذ  على القرارات الحكومية، وبلغت نسبة تأييد المقولة 77% في موريتانيا، و62% في السودان، و57% في ليبيا، و54% في العراق، فقط في تونس (23%) ولبنان (22%) ومصر (20%)، وقال أقلّ من (4) من كل (10) أشخاص بضرورة أن يلعب رجال الدين دوراً في القرارات الحكومية.

وفسّر محمد جويلي أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس زيادة عدد الشباب التونسي المتدين، بأنّه منذ عام 2010 و2011 حتى 2018، كان التدين الموجود على الساحة في تونس هو التدين السلفي المتشدد، ممّا جعل كثيرين وقتها يحاولون أن "ينفوا عن أنفسهم التدين باعتباره يحسبهم على تيار معين، ويُعدّ اتهاماً مبطناً بممارسة العنف".

وأضاف جويلي، في تصريح لـ (بي بي سي عربي)، أنّ الوضع تغير اليوم بعدما انسحب "متشددون" من الفضاء العام، ممّا شجع الشباب على ممارسة تدينهم بانفتاح وحرية، وهو ما انعكس في الأرقام الناتجة عن هذا الاستطلاع.

ولاحظ (المركز العربي لدراسات التطرّف) أنّ هذه النسب تمثل زيادة عن النسب المرصودة في 2018-2019 في (6) من (9) دول شملها الاستطلاع، إذ تبلغ الزيادة مداها في ليبيا (27) نقطة مئوية، ثم الأردن (15) نقطة، والمغرب (14) نقطة، والسودان (10) نقاط.

عبد الفتاح: السبب في هذا التحول هو تفاقم الأزمات الاقتصادية، فضلاً عن أزمات التعليم وتدهوره الشديد

لكن طرأت زيادات أصغر في كل من فلسطين (7) نقاط، والعراق (6) نقاط. في الوقت نفسه لم يتراجع دعم الدور السياسي للقيادات الدينية في أيّ دولة.

وفي الدول الـ (3) الباقية ـ لبنان ومصر وتونس ـ يقع التراجع في نسب الإقبال على المقولة ضمن هامش خطأ الاستطلاع، ممّا يعني أنّه لم يحدث تغير فعلي في الإقبال على هذا الرأي. وباختصار؛ لم يتراجع دعم دور الدين في السياسة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فعلياً.

الشباب ما بين (18 و29) عاماً هم من يقودون العودة إلى الدين عبر المنطقة؛ ذلك أنّ صعود الدعم للدين في السياسة منتشر أكثر عبر المجتمع، ففي أغلب الدول تتغير آراء الشرائح العمرية الأكبر والأصغر في هذا الصدد بشكل متناسق.

في الفترة الحالية تلعب الأحزاب الإسلامية دوراً أصغر بكثير في سياسة المنطقة، مقارنة بالوضع في الأعوام التالية للانتفاضات العربية.

ويؤكد استطلاع الرأي أنّ الشباب هم الأكثر إقبالاً على دعم دور أكبر للدين في السياسة في (6) دول من (9) شملها آخر استطلاعين. الشباب في ليبيا هم الأكثر إقبالاً على هذا الرأي (22) نقطة، ثم المغرب (20) نقطة، والأردن (19) نقطة، والسودان (10) نقاط، وفلسطين (8) نقاط، ومصر (6 نقاط)ن في تونس والعراق ولبنان يقع التغير في الآراء ضمن هامش الخطأ، ممّا يعني عدم حدوث تغير فعلي.

بالنسبة إلى من يبلغون من العمر (30) عاماً فأكبر، كانت النتائج مماثلة نسبياً؛ فهناك زيادة فعلية في دعم دور رجال الدين في السياسة في ليبيا (32+ نقطة مئوية) والمغرب (24+ نقطة) والأردن (14+ نقطة) والعراق (11+ نقطة) والسودان (9+ نقاط) وفلسطين (7 نقاط)، وفي لبنان كانت الزيادة على حدود هامش الخطأ (3+ نقاط) وفي تونس لم يطرأ اختلاف، بينما حدث تراجع طفيف في مصر ضمن هامش الخطأ (3- نقاط).

إلى ذلك يرى الباحث المصري نبيل عبد الفتاح، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في مقابلة مع (بي بي سي)، أنّ السبب في هذا التحول وارتفاع نسب المتدينين من الشباب هو تفاقم الأزمات الاقتصادية، فضلاً عن أزمات التعليم وتدهوره الشديد.

الشباب ما بين (18 و29) عاماً هم من يقودون العودة إلى الدين عبر المنطقة

ويقول عبد الفتاح: "في أعقاب ما سُميّ بـ"الربيع العربي"، تصاعدت موجات من الأمل بين الشباب في أنّ ثمة تغيراً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً واسع النطاق سوف يحدث"، وبالتالي آمن هذا الشباب بإمكانية تحقيق أحلامهم بسواعدهم، وعبر وسائل ديمقراطية.

وخلص (المركز العربي لدراسات التطرّف) إلى أنّ دعم الإسلام السياسي آخذ في الصعود، على أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ الإسلام السياسي كإيديولوجية سوف ينمو ويتحول إلى حركة شعبية كما كان الوضع قبل الانتفاضات العربية، كما هو الحال بالنسبة إلى التزايد المرصود في مستويات التدين خلال الأعوام الـ (5) الأخيرة، ربما ينعكس هذا التوجه في المستقبل، لكن خلال الأعوام الأخيرة بشكل عام اكتسبت فكرة دور الدين في السياسة قبولاً أكبر في عقول وقلوب الناس عبر المنطقة.

مواضيع ذات صلة:

عندما يُفرغ التدين المصنوع الأدعية من مضمونها

أي صلة بين التدين ومواقع التواصل الاجتماعي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية