اعتقال أبو ماريا القحطاني أبرز أصدقاء الجولاني... هل تتفكّك "هيئة تحرير الشام"؟

اعتقال أبو ماريا القحطاني أبرز أصدقاء الجولاني... هل تتفكّك "هيئة تحرير الشام"؟

اعتقال أبو ماريا القحطاني أبرز أصدقاء الجولاني... هل تتفكّك "هيئة تحرير الشام"؟


17/08/2023

عبدالله سليمان علي

لا يزال الغموض يكتنف مصير القيادي الأجنبي الأبرز في "هيئة تحرير الشام"، أبو ماريا القحطاني، الذي تحدثت العديد من المصادر عن اعتقاله بأوامر مباشرة من زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، على خلفية اكتشاف خلايا عميلة لجهات خارجية ضمن البنية الأمنية لـ "هيئة تحرير الشام" خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وذكرت المصادر، أنّ من بين الموقوفين في ملف العمالة للخارج، المرافق الشخصي لأبو ماريا القحطاني، أبو يزن الديري، الذي أدلى أثناء التحقيق معه باعترافات تثبت تورط الأول في هذا الملف على مستوى رفيع، حيث كان يترأس العديد من الخلايا التي تتواصل مع أجهزة استخبارات أجنبية وتزودها بمعلومات أمنية خطيرة.

وبناءً على اعترافات المرافق، اتخذ المسؤول الأمني في "هيئة تحرير الشام"، أبو أحمد حدود، قراراً باعتقال أبو ماريا القحطاني، حيث تمّ احتجازه بدايةً في سجن معبر باب الهوى الذي يشرف عليه حدود شخصياً.

وقد تضاربت المعلومات بعد ذلك، حيث أكّدت بعض المصادر أنّ الجولاني تدخّل للإفراج عن القحطاني بذريعة الحفاظ على تماسك الهيئة وعدم تعزيز الأدلة حول وجود اختراقات أمنية واسعة في بنيتها، الأمر الذي يؤثر سلباً على سمعتها الخارجية.

وذكرت مصادر أخرى، أنّ الجولاني لم يكن ضدّ اعتقال القحطاني، ولكنه رأى أنّ من الأفضل عدم اعتقاله في سجن عادي بل بالاكتفاء في وضعه قيد الإقامة الجبرية ريثما تنتهي التحقيقات معه.

وبعد أن كان حساب "مزمجر الشام" على منصة "X" ("تويتر" سابقاً)، وهو حساب جهادي معروف بتسريب معلومات موثوقة عن الجماعات الجهادية في سوريا، نفى خبر اعتقال القحطاني، عاد اليوم الأربعاء إلى تأكيد ذلك، معتبراً أنّ قرار الجولاني باعتقاله جاء استجابةً لضغوط كبيرة وتهديدات من قيادات داخل الهيئة، رغم معرفة الجولاني المسبقة بالاتهامات الموجّهة "للقحطاني".

وأضاف أنّه على إثر اعتقال "القحطاني" تمّ تعليق عمل عدد من الكتل والقطاعات داخل الهيئة، وسادت مخاوف لدى قيادات أخرى مقرّبة من "القحطاني".

وكان أول من سرّب خبر اعتقال القحطاني حساب "أبو هادي" على "تلغرام"، وهو معرّف كمعارض لـ"هيئة تحرير الشام"، ويُعتقد أنّه يُدار من قِبل عناصر في "جيش الإسلام" الذي تجمعه عداوة قديمة مع الجولاني منذ الخلافات بينهما في الغوطة الشرقية. وذكر "أبو هادي" في منشور يعود لتاريخ 12 الشهر الجاري، أنّه "حدثت خلافات بين الجولاني من جهة وحدود وعطون وأبو حفص بنش من جهة أخرى، بخصوص هذه القضية، وهدّدوا بالاستقالة من (هتش)، وبعد مفاوضات لبقائهم اتفقوا على إخراج الهراري من سوريا واغلاق القضية بشكل نهائي". المصدر نفسه أكّد أن أبو ماريا الهراري يتواجد منذ يومين في تركيا".

وعطون، هو عبد الرحيم عطون الأمير الشرعي العام في "هيئة تحرير الشام"، بينما أبو حفص بنش هو قائد لواء "طلحة بن عبيدالله" وتجمعه قرابة مصاهرة مع الجولاني. ويُشار إلى هؤلاء في الإعلام المناهض للهيئة باسم "جناح بنش" والذي يقابله "جناح القحطاني" ضمن التقسيمات التي تتعرّض لها الهيئة نتيجة الصراع على النفوذ والسيطرة داخلها.

ويُعتبر أبو ماريا القحطاني من الشخصيات الإشكالية في "هيئة تحرير الشام"، حيث بدأ العمل مع "دولة العراق الإسلامية" التي أصبحت "داعش" لاحقاً، وكان من بين القيادات التي اعتمد عليها الجولاني منذ دخوله إلى سوريا عام 2011، لاسيما في ظلّ صداقتهما القديمة في العراق، حيث أسند إليه العديد من المناصب في "جبهة النصرة"، الاسم القديم لـ"هيئة تحرير الشام"، منها منصب الأمير الشرعي العام، ثم أمير المنطقة الشرقية. ولكن منذ هزيمة "النصرة" على يد "داعش" في دير الزور عام 2014 وقعت خلافات بين الجولاني والقحطاني، وبناءً عليها توجّه الأول إلى إدلب، بينما اختار الثاني الذهاب إلى درعا.

وظلّ الحال كذلك لسنوات، إلى أن تمّ توقيع اتفاق التسوية في درعا عام 2018، حيث تمكّن القحطاني من الانتقال من درعا إلى إدلب، واستعاد علاقته مع الجولاني، لاسيما أنّ الأخير كان يحتاج إلى خبرته الواسعة في التعامل مع العشائر وبخاصة أبناء المنطقة الشرقية.

ويُعرف القحطاني أنّه كان من أول الداعين إلى فك الارتباط بين "جبهة النصرة" في حينه، وتنظيم "القاعدة العالمي"، في سياق مشروع كان يدعو إليه بالتنسيق مع الجولاني لإقامة كيان سنّي في الشمال السوري. وبعد مقتل أيمن الظواهري دعا القحطاني إلى ضرورة "حلّ تنظيم القاعدة" متّهماً التنظيم الذي أصبح يتزعمه سيف العدل، بإقامة علاقة تحالف مع الحرس الثوري الإيراني، حيث قال في تغريدة:

"قلناها سابقاً بعد أن تسلّم سيف العدل، القاعدة بدأت العلاقة الحميمة بين تنظيم قاعدة اليمن والحرس الثوري الإيراني اجتماعات في طهران وفي بيروت".

ويشكّل اعتقال القحطاني، خطوة مفاجئة في مسار "هيئة تحرير الشام" التي تعرّضت طوال سنوات للكثير من الانشقاقات والانقسامات على خلفية تغيير أيديولوجيتها أو ولاءاتها، وكان آخر هذه الحوادث انشقاق عدد كبير من المقاتلين الأجانب عن الهيئة بعد إعلان "فك ارتباطها مع القاعدة" وتشكيل جماعة تحت اسم "حراس الدين". ولا يمكن الجزم بطبيعة التداعيات التي يمكن أن تترتب على اعتقاله، فقد يرتبط ذلك على نحو كبير بالطريقة التي سيتعامل بها الجولاني مع القضية، لاسيما وأنّ بعض المؤشرات تدلّ إلى أنّ الأخير اختار أسلوباً وسطياً للسير بين الجناحين المتخاصمين، فهو يتخذ بعض الإجراءات لإرضاء هذا الجناح ثم يتبعها بإجراءات أخرى لعدم إغضاب الجناح الثاني أو دفعه إلى اتخاذ ردّة فعل حادة، وقد تكون النتيجة هي السعي إلى احتواء هذا الملف بكل مفاعيله، لضمان عدم تأثيره على تماسك بنية الهيئة، لأنّ أي انقسام جديد سوف يضرّ بمصالح الجميع.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية