"هيئة تحرير الشام" تعتقل عملاء لجهات خارجية... إختراق أم تصفية حسابات؟

"هيئة تحرير الشام" تعتقل عملاء لجهات خارجية... إختراق أم تصفية حسابات؟

"هيئة تحرير الشام" تعتقل عملاء لجهات خارجية... إختراق أم تصفية حسابات؟


05/07/2023

عبدالله سليمان علي

شنّت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) حملةً أمنيّة، كان يُفترض أنّها سرّية، لاعتقال خلايا في صفوفها تتعامل مع جهات خارجية. وجاءت هذه الحملة بعد سنوات شاعت خلالها الكثير من المعلومات حول وجود تنسيق خفيّ بين الهيئة وأجهزة استخبارات أجنبية، وهو ما تكرّس من خلال تعاطي الهيئة مع التحالف الدولي لمحاربة "داعش" الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، حيث وُجّهت إليها اتهامات مباشرة بتسهيل عمليات الإنزال التي قامت بها القوات الأميركية لاغتيال قادة "داعش" المتوارين في مناطق سيطرتها، كما لوحظ أنّ العديد من الغارات الأميركية في إدلب كانت تستهدف خصوم "هيئة تحرير الشام" من قادة تنظيم "حراس الدين" المبايع لتنظيم القاعدة العالمي بشكل خاص.

وبدأت الحملة التي شنّتها "هيئة تحرير الشام" وحاولت التكتم عنها، في مطلع الشهر الجاري، بعد ورود معلومات إليها من جهاز إستخباري خارجي، يُعتقد أنّه المخابرات الفرنسية، وفق موقع "تلفزيون سوريا" المعارض الذي يبث من تركيا. واستهدفت الحملة في البداية الاختراقات التي طالت جهاز الأمن العام الذي يُعتبر الذراع الأمنية للهيئة، وذكرت المعلومات أنّ قائمة الاعتقالات شملت أسماء قيادات من الجهاز، مُتّهمة بالتعامل والتخابر مع النظام السوري والتحالف الدولي.

ولكن تبيّن في ما بعد، أنّ رقعة الاختراقات التي طالت الهيئة أوسع بكثير مما جرى تداوله في البداية، وقد يكون ما حصلت عليه من معلومات نتيجة التحقيقات مع الخلايا المعتقلة في الحملة الأولى، هو ما دفع الهيئة، قبل أيام، إلى تنفيذ حملة جديدة أوسع من سابقتها، وطالت عدداً كبيراً من قادة الصف الثالث والرابع في العديد من مفاصل الهيئة العسكرية والأمنية والإدارية.

وبلغ عدد المعتقلين من أفراد الخليتين أكثر من 80 حتى الآن، يعملون في مختلف قطاعات "هيئة تحرير الشام"، من الألوية العسكرية وحتى المكاتب الإدارية وجهاز الأمن العام والجانب الإعلامي، وملف متابعة وملاحقة تنظيم "داعش"، وملفات العمالة للنظام السوري وروسيا، والتحالف الدولي، ومن بينهم شخصيات قيادية من الصفين الثالث والرابع في الهيئة، وفق تقرير نشره "تلفزيون سوريا".

ونظراً للاتهامات السابقة التي طالت "هيئة تحرير الشام" بالتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي، والتي شملت في بعض الحالات تقديم أدلة ملموسة على تورّط قيادات من الهيئة في التنسيق مع التحالف لاغتيال قادة في "حرس الدين"، وأبرز مثال على ذلك حادثة اغتيال أبو القسام الأردني، فإنّه يبدو من المستغرب أن تكون الهيئة في حاجة إلى جهاز استخبارات خارجي لإبلاغها بالاختراقات الموجودة فيها – إن كانت اختراقات بالفعل- للقيام بملاحقتها واعتقال المتورطين فيها، بخاصةً أنّ المعلومات حول التعامل الأمني بين الهيئة والتحالف كانت على كل لسان في الآونة الأخيرة.

وفيما يعدّه مراقبون أنّه أضخم اختراق من نوعه يطال أجهزة "هيئة تحرير الشام"، هناك في المقابل الكثير من التساؤلات والشكوك عمّا إذا كان الأمر متعلقاً باختراق فعلي، وذلك استناداً إلى كون الموضوع يجري تداوله والحديث عنه كثيراً في الأوساط المناهضة لـ "هيئة تحرير الشام".

ولا يستبعد البعض، أن تكون الهيئة قد تلقّت الرسائل التي وجّهتها إليها الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، ووجدت فيها ما يثير استياءها من تنكّب واشنطن عن مسار التنسيق الخفيّ الذي كان يعمل عليه الطرفان سراً، لاستهداف قادة "داعش" أو قادة "القاعدة" فوق أراضي إدلب. ومن أبرز تلك الرسائل، قيام الولايات المتحدة بوضع أبو أحمد زكور، واسمه عمر الشيخ ومعروف إعلامياً باسم جهاد الشيخ، الذي يُعتبر الرجل الثاني في "هيئة تحرير الشام"، على قائمة الارهاب وإصدار قرار بالحجز على أمواله بتهمة تمويل الارهاب.

كما أنّ الولايات المتحدة أعربت عن رفضها لمساعي "هيئة تحرير الشام" للتمدّد في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وكانت من أولى الدول التي حذّرت من سيطرة الهيئة على مدينة عفرين خريف العام الماضي وطالبت بالانسحاب منها.

وقد يكون الأهم، أنّ حملة الاعتقالات لمتعاملين مع التحالف الدولي، جاءت بعد تسريب معلومات حول وجود مفاوضات بين الهيئة و"قوات سوريا الديموقراطية"، لإنشاء تحالف جديد بينهما، يكون هدفه الوقوف في وجه مسار التقارب السوري- التركي الذي من شأن بلوغ غايته تهديد مصالح كل منهما.

وعليه، من غير المستبعد أن تكون قيادة الهيئة ممثلة بزعيمها أبو محمد الجولاني، قد قرّرت أنّ الوقت حان للاستفادة من ملف التعامل مع التحالف الدولي، من خلال اتخاذه منصّة لتوجيه رسائل مقابلة لتلك التي وصلت إليها من واشنطن. وهي تريد بالدرجة الأولى من خلال اعتقال المتعاملين مع التحالف، توجيه رسالة استياء، لأنّ واشنطن لم تقدّر ما تبذله الهيئة من جهود لتحسين أدائها وتغيير سلوكها، بغية الخروج من عباءة التصنيف على قوائم الارهاب. وربطاً مع ذلك، تسعى إلى إبلاغ واشنطن، أنّ تعاون الهيئة مع عمليات التحالف الدولي في مناطق سيطرتها قد بلغ نهايته، ما لم تُظهر واشنطن استجابةً أفضل إزاء الجهود التي تبذلها الهيئة لتلميع صورتها.

وفي مستوى أبعد، قد تكون "هيئة تحرير الشام" توخّت من خلال حملاتها الأمنية الأخيرة، أن تغمض أعين التحالف الدولي في مناطق سيطرتها لعدم تسريب معلومات لا تريد وصولها إلى واشنطن، لاسيما في ما يتعلق بمخطّطاتها المقبلة، من أجل مواجهة التهديد الوجودي الذي بات يحيط بها، ممثلاً في إمكان اتفاق الدول الأربع، روسيا وتركيا وإيران وسوريا، على تقليم أظافر الهيئة تمهيداً لتنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه ضمن مسار "الرباعية".

كما أنّ الهيئة، التي لم تنف حتى اللحظة ما جرى تداوله حول عقدها اجتماعات مع "قوات سوريا الديموقراطية"، في مسعى للاتفاق بينهما، ربما لا تطمئن إلى أن تتواصل مثل هذه المحاولات، في حين تملك واشنطن وبالتالي حليفتها "قوات سوريا الديموقراطية" أدوات للتجسس عليها من الداخل، لذلك قد تكون أرادت ضرب أكثر من عصفور في حجر واحد.

وما عزّز الشكوك، أنّ "هيئة تحرير الشام" أعلنت بالتزامن مع حملتها الأمنية الداخلية، عن القبض على عناصر خلية تابعة لـ"حزب الله" اللبناني، حيث كشفت طريقة تعاطي الهيئة مع كلا الحدثين عن فوارق هامة. فقد سارعت الهيئة إلى الإعلان عن خبر اعتقال عملاء "حزب الله"، ونشرت صور أعضاء الخلية، وذلك بعد ساعات فقط من اعتقالهم، بينما لا تزال تتكتم على اسماء وصور عناصر الخلايا التي اعتقلتهم بتهمة التعامل مع التحالف الدولي.

ولعلّ الهيئة أرادت من خلال تضخيم خبر اعتقال عملاء "حزب الله"، التغطية على حملاتها الأمنية الداخلية، كي لا تتزعزع صورتها كتنظيم متماسك وعصي على الاختراق، غير أنّ التكتم على عملاء التحالف الدولي قد يشير إلى أنّ الهيئة لم تفقد بعد كل آمالها في عودة الخطوط السابقة للعمل بينهما.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية