اقتحام مرقد الحكيم: نهاية الحكم باسم الشعارات الدينية في العراق

العراق

اقتحام مرقد الحكيم: نهاية الحكم باسم الشعارات الدينية في العراق


09/12/2019

تعيش مدينة النجف (180كم جنوب بغداد)، هدوءاً حذراً، بعد تصاعد العنف في المدينة، خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة محاصرة المتظاهرين مرقداً دينياً تعود رمزيتهُ للأحزاب الشيعية الحاكمة؛ حيث يمثل الراحل محمد باقر الحكيم، رمزيةً دينية وسياسية وفكرية للعديد من القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي العراقي على مدار 16 عاماً.

يعد محمد باقر الحكيم الذراع اليمنى لمؤسس حزب الدعوة باقر الصدر.. وتعاون مع الخميني بعيد الثورة الإيرانية

حاصر المتظاهرون مرقد الحكيم الذي يقع وسط مدينة النجف الشيعية، ما أدى الى حدوث أعمال عنف نجم عنها قتل متبادل بين صفوف المهاجمين وعناصر الحماية الأمنية للمرقد، الذين قيل إنّهم تابعون لميليشيا "سرايا عاشوراء" المنضوية في قوات الحشد الشعبي، في حين واجهت القوى الدينية حرجاً كبيراً إثر مهاجمة الشباب النجفي، لرمزية مهمة في تاريخ التشيع السياسي الحديث. 

يذكر أنّ الحكيم، زعيم المعارضة الإسلامية، ضد نظام صدام حسين، قتل في 29 آب (أغسطس) العام 2003، بعد شهور قليلة من دخوله العراق، إثر الغزو الأمريكي وقتذاك، عبر تفجير سيارة مفخخة، استهدفت منبره الديني، قرب مرقد الإمام علي بن أبي طالب، في مدينة النجف، ما أسفر عن ضياع أثره ومقتل 20 مدنياً آخرين.

 

 

من هو محمد باقر الحكيم؟

هو نجل مرجع الشيعة الأعلى في زمانه، آية الله محسن الحكيم (ت 1970م)، ساهم الحكيم الابن، في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية، أول تشكيل سياسي شيعي عام 1959م، إلى جانب مؤسس الحزب آية الله محمد باقر الصدر (أعدمه صدام حسين 1980م)، وقد غادر الحكيم العراق، بعد اشتداد قبضة حزب البعث العراقي على السلطة، ومنعهِ القوى السياسية الإسلامية والعلمانية، من ممارسةِ نشاطها السياسي. لجأ الحكيم الى إيران، وانضوى تحت يافطة ولاية الفقية والثورة الإيرانية عام 1979م، معلناً ولاءه السياسي لقائد الثورة الخميني. وقد شرع الأخير بتأسيس تشكيلٍ سياسي، لتصدير الثورة إلى العراق، بقيادة الحكيم، عُرف باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهو مجلس يضم مختلف القوى والشخصيات الإسلامية العراقية، كان أبرزهم عادل عبدالمهدي (رئيس الوزراء المستقيل)، وعبدالعزيز الحكيم رئيس مجلس الحكم السابق، وإبراهيم الجعفري أمين عام حزب الدعوة الإسلامية، فضلاً عن تكوين ميليشيا مسلّحة تابعة للمجلس سُميت "فيلق بدر" بقيادة هادي العامري، وعضوية قيادات عسكرية بارزة منها أبومهدي المهندس.

 

 

رمزية الحكيم السياسية والدينية

حاز محمد باقر الحكيم، على درجة الاجتهاد في الفقه الشيعي، ويعد من أبرز منظري الحركة الإسلامية العراقية، في مجاليها؛ السياسي والديني، وذلك من موقعه كزعيم للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، لذا بات رمزاً لكل القوى المنضوية في المجلس، ماعدا حزب الدعوة الذي ترك تحالفه مع الحكيم، وعمل بمفردهِ بعيداً عن يافطة ولاية الفقيه. شهد المجلس الأعلى انقساماً حاداً لدى تولّي عمار الحكيم (ابن أخ باقر الحكيم) رئاسة المجلس، خلفاً لوالده عبدالعزيز الحكيم (ت2009). وقد أدى ذلك لاحقاً إلى انشقاقات داخل المجلس، أبرزها انشقاق منظمة بدر (فيلق بدر سابقاً)، بزعامة هادي العامري، وذلك عام 2011، إثر دعم العامري لحكومة نوري المالكي الثانية (2010-2014)، ومناوءة القائد الحكيمي الجديد للأخير. وفي عام 2018 انشق عمار الحكيم عن المجلس، مؤسساً تياراً سياسياً جديداً بعنوان "تيار الحكمة"، وفي ذات السنة انشق القيادي في المجلس النائب حسن الساري، ليؤسس حركة سياسية بعنوان "حركة الجهاد والبناء"، وعلى الرغم من الانشقاقات المتعددة، لكن الجميع يرى في الراحل محمد باقر الحكيم، الرمز السياسي والديني الأوحد لتلك القوى الأربع.

 

 

مواجهة مرقده وسط النجف

طيلة الأسبوع الماضي، شهدت مدينة النجف، تصاعداً في أعمال العنف، نتيجة تصادم المحتجين والقوات الأمنية وسط المدينة. محاصرة المحتجين لمرقد محمد باقر الحكيم، أثارت استفزاز القوى السياسية الحاكمة، التي ترى في الحكيم رمزيةً لها.

يمثل الحكيم رمزية سياسية ودينية لأربع قوى سياسية فاعلة في المشهد العراقي .. ثلاثة منها تمتلك أجنحة مسلّحة

ويعزو الباحث السياسي محمد خليل هجوم المحتجين على قبر باقر الحكيم تحديداً إلى "مواجهة المتظاهرين الشباب للمقدس الديني والاجتماعي والسياسي"، مبيناً أنّ "الحكم باسم الشعارات الدينية طيلة السنوات الماضية، جعلت الدين يدفع ضريبتهُ بعدما خضع للتجارة السياسية من قبل الحاكمين اليوم".

ويضيف لـ "حفريات" أنّ "الحكيم، ينتمي للأرستقراطيتين؛ الدينية والسياسية، ومنها تفرعت قوى التشيع السياسي الحالية"، لافتاً الى أنّ "المجتمع الشيعي المنتفض ضد قياداتهِ السياسية، أراد كسر كل شيء مقدس بالنسبة لتلك القوى التي تتهم بالفساد والعمالة للأجنبي، وتحديداً إيران". 

اقرأ أيضاً: شيعة لبنان بين مرجعيتين

محمد باقر الحكيم يخطب وسط أنصاره العراقيين في إيران

ويؤكد خليل، أنّ "مرقد الحكيم، ليس كباقي المراقد الدينية الأخرى لشخصيات التشيع عموماً، فهو يحتل وسط المدينة بمساحة شاسعة، ويسع لأكثر من ألف مصلٍّ، ويصرف عليه مالياً من موازنة المحافظة؛ بغية مواصلة إعمارهِ على نحوٍ عال".

 

 

"سرايا عاشوراء" في دائرة الاتهام الرسمي
بدوره، اتهم محافظ النجف لؤي الياسري، "سرايا عاشوراء" الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي داخل هيئة الحشد الشعبي، بفتح النار على المتظاهرين الذين حاصروا مرقد محمد باقر الحكيم وسط المحافظة.

وقال الياسري، في تصريح صحفي، إنّ "تظاهرات محافظة النجف تميزت منذ انطلاقها بالسلمية، وقد حرصنا منذ البداية على حمايتهم من أي اعتداء وكانت أوامرنا مشددة بهذا الخصوص". وأضاف "وللأسف ما حصل خلال اليومين الماضيين أنّ قوة من حماية مرقد محمد باقر الحكيم، فتحت النار على جموع المتظاهرين الذين كانوا بالقرب من المرقد"، مشيراً إلى أنّ "هناك عناصر من سرايا عاشوراء متواجدة داخل المرقد فتحت النار أيضاً على المتظاهرين".

اقرأ أيضاً: العراق ولبنان: من يقتل الشيعة؟

وأفاد الياسري بأنّه "اتصل بقائد العمليات المشتركة لغرض سحب القوة الأمنية من حماية مرقد الحكيم وتسليم الجيش العراقي مهمة حماية المرقد، لكن هذا الأمر لم يحصل وقد استمر فتح النار على المتظاهرين من قبل العناصر الموجودة داخل المرقد". وأكد محافظ النجف أنّ "الأمر الذي حصل خارج صلاحياتنا، وقد دخلت العشائر النجفية الآن على الخط للحفاظ على التهدئة وترسيخ الأمن في المحافظة".

 

 

السرايا ترد وتقاضي المحافظ

وفي إطار الرد على اتهامات محافظ النجف لوي الياسري، أعلنت "سرايا عاشوراء"، عزمها مقاضاة الياسري، وممثل المحافظة في البرلمان عدنان الزرفي، مطالبة الأخيرين بالكشف عن الجهات التي تقف وراء مهاجمة ضريح مؤسس المجلس الأعلى محمد باقر الحكيم.

محافظ النجف يتهم سرايا عاشوراء التابع لأحد أحزاب الحكيم بضرب المتظاهرين النجفيين بالرصاص الحي.. والسرايا تتوعد خصومها

وقال صكبان الجابري، القيادي في سرايا عاشوراء، إنّ "ما صدر من تصريحات غير مسؤولة وعارية عن الصحة من محافظ النجف لؤي الياسري والنائب عدنان الزرفي، جعلتنا أمام تساؤلات عديدة أهمها، هل هو تنصل عن المسؤولية أم أنّها أجندة خارجية تريد تشويه صورة الحشد الشعبي؟"، مطالباً الياسري والزرفي بـ"الكشف عن هوية الجهات التي تقف وراء الاعتداء على ضريح الحكيم".
وأكد الجابري لـ"حفريات"، أنّ "سرايا عاشوراء تحتفظ بحقها في الرد على هذه الادعاءات العارية عن الصحة، وقد وكلنا محامياً لرفع دعوى قضائية ضد من اتهمنا دون أن يقدم الدليل كما فعل كل من محافظ النجف والنائب الزرفي".
وكان عدنان الزرفي رئيس كتلة ائتلاف "النصر" البرلمانية، التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، قد طالب العشائر في النجف بـ "طرد المسلحين الموجودين في مرقد الحكيم وحمايته من قبل العشائر والشرطة المحلية"، في إشارة إلى سرايا عاشوراء التي تتولى حماية المبنى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية