الإخوان المسلمون في النمسا: الرواد (1)

الإخوان المسلمون في النمسا: الرواد (1)

الإخوان المسلمون في النمسا: الرواد (1)


30/11/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

يعود وجود شبكات الإخوان المسلمين في النّمسا إلى السّتينيّات، عندما هرب أعضاء بارزون من الفرع المصريّ للحركة من قمع جمال عبدالنّاصر للتّنظيم وفرّوا إلى البلد المذكور[1]. وكان كلّ من أحمد القاضي (الّذي سيلعب فيما بعد دوراً حاسماً في تأسيس وجود الإخوان في الولايات المتّحدة)[2] ويوسف ندا أبرز عضوين في النّمسا.

يوسف ندا: العرّاب

انضمّ ندا، وهو سليل عائلة مُوسِرة من الإسكندرية، إلى جماعة الإخوان مُرَاهِقاً وفي عمر الثّالثة والعشرين، كان من بين آلاف الإخوان الّذين سجنهم عبد النّاصر، وبعدما قضى عامين في السّجن، غادر مصر ولم يعد إليها مجدّداً، وبعد هروبه بصعوبة من انقلاب العام 1969 في ليبيا، استقرّ في النّمسا وأسّس شركة ألبان مُرْبِحة. وبينما يبني إمبراطوريّة ماليّة تقدّر بملايين الدّولارات بين الشّرق الأوسط وأوروبا، ظلّ منخرِطاً في تَقَلّبات الإخوان المسلمين.

وفي السّبعينيّات، كلّفه المرشد عمر التّلمسانيّ بدور رئيس العلاقات الخارجيّة للإخوان[3]. ومن خلال استخدام علاقاته رفيعة المستوى الّتي كوّنها من خلال نشاطاته التّجارية وجواز سفره الإيطاليّ الّذي مكّنه من السّفر دون قيود، تنقّل ندا عبر العالم لتمثيل مصالح جماعة الإخوان في لقاءات مع العديد من قادة العالم الإسلاميّ، من زعماء الحركات الإسلاميّة إلى رؤساء الدّول. وقد وُصَفَ كثيرون، بما في ذلك ندا نفسه، قَصْره العِمْلاق في كامبيوني ديتاليا، وهي مقاطعة إيطاليّة راقية في الأراضي السّويسرية، بأنّه بمَثابة وزارة الخارجيّة غير الرّسميّة للإخوان[4]. وأدّت مهارات ندا باعتباره رجل أعمال إلى لعب دور رئيس في الجّوانب الماليّة لعمليّة تأسيس جماعة الإخوان في الغرب.

يعود وجود شبكات الإخوان في النّمسا إلى السّتينيّات عندما هرب أعضاء بارزون من قمع عبدالنّاصر

أمْضى ندا وقتاً محدوداً فقط في النّمسا، ولكن هذا الوقت كان كافياً لتكوين جنين لوجود جماعة الإخوان في البلاد، وإقامة صِلة من شأنها أن تكون حاسمة في تطوّر الإخوان في النّمسا بعد عقود من الزمان - صِلة بالتّجمّع الإخوانيّ في ميونخ[5].

سعيد رمضان ومسجد ميونخ

منذ أواخر الخمسينيّات، جذبت هذه المدينة البافاريّة مجموعة صغيرة من نشطاء جماعة الإخوان المصريّة بقيادة سعيد رمضان، السكرتير الشّخصيّ لحسن البنا وزوج ابنته.

أمْضى يوسف ندا وقتاً محدوداً في النّمسا لكنه كان كافياً لتكوين جنين لوجود الإخوان في البلاد

كان رمضان من أوائل، وربّما أبرز روّاد الجّماعة في أوروبا؛ حيث أنشأ شبكة من المساجد والكيانات المرتبطة بالحركة. وقد تطوّرت إحدى هذه الشبكات في ميونخ؛ حيث اتّصلت مجموعة من الطّلّاب العرب برمضان طلباً للمساعدة في بناء مسجد[6]. وأصبحت لجنة بناء المسجد، وهي الهيئة الّتي تجمع الأموال من أجل البِنَايَة الجديدة، محور الصّراع بين الطّلّاب العرب ومجموعة من المسلمين الّذين بقوا في ميونخ بعد القِتَال إلى جانب النّازيّين في الحرب العالميّة الثّانية[7]. فقد تبنّى الجّنود السّابقون، وأصولهم تعود إلى وسط آسيا والقوقاز، تفسيراً للإسلام تصادَمَ مع الرؤى الأكثر تشدّداً للعرب.

وبحلول عام 1960، قام رمضان، بتأمين منصبه رئيساً للّجنة؛ وعندما جرى الانتهاء من المسجد في عام 1973، كانت جماعة الإخوان، بفضل مواردها الماليّة وتَصْمِيمها وتنظِيمها، قد تفوّقت بالكامل على محاولات النفوذ الأخرى على المسجد[8].

بنى ندّا إمبراطوريّة ماليّة تقدّر بملايين الدّولارات بين الشّرق الأوسط وأوروبا وظلّ منخرِطاً في تَقَلّبات الإخوان المسلمين

أصبحت لجنة بناء المسجد، الّتي يهيمن عليها الإخوان، منظّمة دائمة، وغيّرت اسمها لاحقاً إلى الجّمعيّة الإسلاميّة بألمانيا Islamische Gemeinschaft Deutschland. وقد ترأّس رمضان المنظّمة لمدّة عشرة أعوام، متنازِلًا عن الدّور الإداريّ للباكستانيّ فضل يزداني، وهو أحد الطلاب الّذين كانوا قد اتّصلوا في الأصل برمضان، وبعد يزداني، تولّى غالب همّت، وهو سوريّ المَولِد، رئاسة الجمعيّة، وسرعان ما أصبحت ميونخ مَقَرًّا آخر للإخوان المسلمين في أوروبا.

تنقّل ندا عبر العالم لتمثيل مصالح جماعة الإخوان في لقاءات مع العديد من قادة العالم الإسلاميّ
 

وخلال شهر رمضان وغيره من المُناسبات الإسلاميّة، سيصبح المسجد مَوْطِناً لأعضاء الإخوان والمتعاطفين معهم في كافّة أنحاء أوروبا. وفي الواقع، أمْضَى ثلاثة من المرشدين السّبعة لجماعة الإخوان المصريّة وقتاً مُعبّراً في هذه المدينة الألمانيّة[9]. وكان في ميونخ أن التقى غالب همّت ويوسف ندا، وهو الّلقاء الّذي شكّل بداية تضامُن سياسيّ وماليّ بين الرّجلين استمرّ لأكثر من أربعين عاماً وشكّل تطوّر الإخوان في الغرب[10].

الإبياريّ: حلقة الوصل بين لندن وفيينا

وفي حين أنشأ كلّ من القاضي وندا التّجمع الأوّل لإخوان مصر في النّمسا، فإنّ أعضاء آخرين من الإخوان المصريّين البارزين أمضوا أيضاً بعض الوقت في النّمسا. أحد هؤلاء الأعضاء هو أحمد محمود الإبياريّ، الّذي أقام لفترة طويلة في فيينا وحصل على الجّنسيّة النّمساويّة. وهو يعيش حالياً في لندن؛ حيث يعمل كواحد من كِبار الأعضاء فيما يعدّ تقليديّاً مقرّ جماعة الإخوان المصريّة خارج مصر (وهو الدّور الّذي ازداد أهميّة بعد الإطاحة بمحمد مرسي).

إنّ دوره الحاسم في التّجمّع الإخوانيّ في لندن لا تؤكّده فقط المقابلات الشّخصيّة الّتي أجراها المؤلّف مع قادة آخرين كِبار من الإخوان، ولكن أيضاً سجلّات الشّركات الّتي تكشِف الانخراط المباشِر للإبياريّ في العديد من شركات الإخوان المقيّدة لدى المقرّ الرّسميّ لجماعة الإخوان في لندن (فهو مُدرَج باعتباره مديراً لشركة Nile Valley Trust وشركة Alamat Media Services وتُقيّد كلتا الشركتين في 113 كريكلوود برودواي، لندن).

أمْضَى ثلاثة من مرشدي الإخوان المصريّة وقتاً مُعبّراً في ميونخ التي أصبحت مقراً آخر لهم أوروبياً

وتكشِف سجلّات الشّركات البريطانيّة عن روابط نمساوية أكثر لفتاً للنّظر؛ فأحد أبناء الإبياريّ، عبد الرحمن (وهو أيضاً مواطن نمساويّ)، مقيّد كمدير لشركة Alamat Media Services. وفي السّجلات الخاصّة بشركة Nile Valley Trust، نجد في منصب المدير اسم امرأة لديها صِلات نمساوية تسمّى عيد خليفة، وهي أرملة عبد العزيز خليفة، وهو عضو في جماعة الإخوان المصريّة عاش لفترة طويلة في فيينا، وصديق ليوسف ندا، وتُظهِر سجلّات الشّركات النّمساويّة أنّ عيد خليفة وبعض أقاربها يعملون في شركات أخرى مقرّها في فيينا.


كشفت سجلات تجارية الانخراط المباشِر للإبياريّ بشركات عديدة الإخوان مقيّدة لدى المقرّ الرّسميّ للجماعة في لندن
 

وتُسلّط بعض علاقات عيد خليفة وزوجها الرّاحل الضّوء على بعض الرّوابط المثيرة للاهتمام. فالهاتف الشّخصيّ لندا، الّذي جرى الاستيلاء عليه من قِبل السّلطات السّويسريّة خلال حَمْلَة على منزله في عام 2001، يحوي خانَة تُشير إلى "عبد العزيز خليفة، فيينا" مع الأرقام التّالية: 4705858 و4705866 و4402729، وقبلها كود النّمسا: 00431. ورقم الهاتف الأوّل هو أيضاً رقم الاتصال الخاصّ بجمعيّة الرّابطة الثّقافيّة Liga Kultur Verein كما يظهر في وثيقة نشرتها فيدراليّة المنظّمات الإسلاميّة في أوروبا FIOE، وهي عبارة عن منظّمة تغطّي عموم أوروبا وتعمل بمَثابة مِظَلّة للكيانات المتأثّرة بالإخوان. وكما سيظهر لاحقاً، فإنّ جمعيّة الرّابطة الثّقافيّة هي واحدة من المنظّمات الرئيسة المرتبطة بالإخوان في النّمسا.


(هذه الترجمة تأتي في أجزاء للقسم الثّاني من دراسة الباحث الإيطاليّ لورينزو فيدينو، "الإخوان المسلمون في النّمسا"، التي نُشِرت في آب (أغسطس) 2017 بالتّعاون مع جامعة فيينا ومعهد دراسات الشّرق الأدنى، وكافّة العناوين الفرعيّة داخل النّصّ من وضع المترجم)


الهوامش:

[1] Annette Ranko, The Muslim Brotherhood and its Quest for Hegemony in Egypt: State-Discourse and Islamist Counter-Discourse (Springer VS, Hamburg: 2012), 43-73; Lorenzo Vidino, The New Muslim Brotherhood in the West (Columbia University Press, New York: 2010), 27-31; Youssef Nada and Douglas Thompson, Inside the Muslim Brotherhood (Metro Publishing, London: 2012).

[2]Noreen S. Ahmed-Ullah, Sam Roe and Laurie Cohen, “A Rare Look at Secretive Brotherhood in America,” Chicago Tribune, September 19, 2004.

[3]Extensive interviews with Nada about his life have been published by the Egyptian al Misri al Yawm (May 25 to May 30, 2008) and al Jazeera (“Century Witness,” August 4th, 2002 to September 29th, 2002).

[4]المصدر نفسه.

[5]Ian Johnson, A Mosque in Munich: Nazis, the CIA, and the Rise of the Muslim Brotherhood (Mariner Books, Boston: 2011), 189-190; Petra Ramsauer, Muslimrübder: Ihre geheime Strategie ihr glabales Netzwerk (Molden Verlag, Vienna: 2014), 177-183.

[6]يَرِد تاريخ مسجد ميونيخ، وهو مركزيّ في عمليّة فهم الأيام المبكّرة للإخوان في أوروبا، في كتابين قادمين من تأليف كلّ من ستيفان ميننغ Stefan Meining وإيان جونسون Ian Johnson. وأتوجّه إليهما بالشّكر على إتاحة الفرصة لي للاطلاع على التّوثيق الشّامل الّذي حصلا عليه من الأرشيفات العامّة الألمانيّة.

[7]Ian Johnson, “The Beachhead: How a Mosque for Ex-Nazis Became Center of Radical Islam,” The Wall Street Journal, July 12, 2005; Zwischen Halbmond und Hakenkreuz, ARD Documentary, July 19, 2006.

[8]Filing of the Moscheebau Kommission, Munich Amtsgericht, March 29, 1960; Filings of the Islamische Gemenischaft in Deutschland from 1973 to 2002, Munich Amtsgericht; Interview with Bavarian Landesamt für Verfassungsschutz officials, May 2009, Munich; Interview with Stefan Meining, May 2009, Munich; Interview with Ian Johnson, November 2008, Berlin.

[9]Interview with Bavarian Landesamt für Verfassungsschutz officials, May 2009, Munich; Interview with Stefan Meining, May 2009, Munich.

[10]Yussuf Nada, interview by Lorenzo Vidino, July 2008, Campione d’Italia.

الصفحة الرئيسية