الإخوان في عام: محاولات غير مجدية للاستفادة من تحديات المنطقة

الإخوان في عام: محاولات غير مجدية للاستفادة من تحديات المنطقة

الإخوان في عام: محاولات غير مجدية للاستفادة من تحديات المنطقة


28/12/2023

شهد العام المنصرم محطات مفصلية في العديد من الدول العربية، بدايةً من اندلاع الحرب في السودان، والحرب في غزة، والانتخابات الرئاسية في مصر. خلال تلك المحطات سعت جماعة الإخوان المسلمين للعودة إلى المشهد السياسي العربي، مستغلة حالة السيولة السياسية والرأي العام الشعبي العربي، خصوصاً في حرب غزة.

أحد الأمثلة هو محاولة الإخوان المسلمين تحويل دفة التضامن الشعبي في تونس إلى مظاهرات ضدّ الرئيس قيس سعيد، لكن تلك المحاولة مُنيت بالإخفاق.

الإخوان في السودان

مثّلت الحرب التي اندلعت مطلع الربع الثاني من عام 2023 في السودان الحدث الأكبر للإخوان المسلمين، بعدما منحتهم الحرب الفرصة للعودة إلى المشهد السوداني من بوابة دعم الجيش في حربه ضد الدعم السريع. قبيل الحرب ومنذ ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام الرئيس المحسوب على الجماعة، عمر البشير، سعى الإخوان للعودة إلى مشهد تشكيل مستقبل السودان من خلال ستار الجيش السوداني

اصطفت القوى المحسوبة على الإخوان المسلمين في السودان وراء الجيش في صراعه مع القوى السياسية بقيادة الحرية والتغيير، ودعمت انقلاب الجيش في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، الذي أنهى شراكة المدنيين في السلطة، وأدخل البلاد في دوامة من الصراعات السياسية التي انتهت بالحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل من العام الجاري.

يتهم مراقبون الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن الحرب في السودان

استغل المحسوبون على جماعة الإخوان سواء كأفراد أو تنظيمات منها جماعة الإخوان في السودان وحزب دولة القانون والتنمية بزعامة القيادي ذي الآراء الدينية المتطرفة محمد علي الجزولي، الاضطرابات التي شهدتها البلاد منذ انقلاب العسكريين على المدنيين. قدم الإسلاميون غطاءً شعبياً للجيش السوداني، واستفادوا من إبعاد المدنيين المحسوبين على ثورة ديسمبر، من خلال الإفراج عن العديد من قاداتهم واستعادة العديد من ممتلكاتهم. لكن الأزمة في السودان التي يرى مراقبون أنّ الإسلاميين لهم دور كبير في اندلاعها، سواء بشكل مباشر خلال الأعوام الأخيرة، أو قبل ذلك خلال 30 عاماً من حكمهم، لن تعود بمكاسب على أي أحد، بل باتت أشبه بحرب الانتقام بين الخصوم.

استغلال حرب غزة

أما الحرب التي اندلعت في غزة بين إسرائيل وحركة حماس المدعومة من الفصائل في غزة فكانت بمثابة طوق النجاة للإخوان المسلمين. استغل الإخوان الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في توجيه الاتهامات إلى الأنظمة الحاكمة في الدول العربية، خصوصاً مصر والإمارات والسعودية وتونس.

 

حاولت جماعة الإخوان استغلال المشاعر الشعبية في البلدان العربية لتوجيه الاحتجاجات ضد الأنظمة العربية على غرار ما حدث في تونس ومصر

 

وسكت الإخوان المسلمون، في غضون ذلك، عن الازدواجية التي تعاملت بها تركيا مع الحرب في غزة؛ ففي حين علا صوت أردوغان بالعداء لإسرائيل، استمر في تزويدها بالوقود والمنتجات التي يدخل العديد منها في الصناعات العسكرية على غرار الصلب والحديد. وتصدرت جماعة الإخوان المسلمين العديد من التظاهرات التضامنية مع غزة في بلدان عربية مثل الأردن والجزائر والمغرب، لكنّ المفارقة أنّ الجماعة في ليبيا لم تدع لأية مظاهرات لدعم غزة، لانشغالها بالصراع الداخلي بين الفرقاء الليبيين. 

حاولت جماعة الإخوان استغلال المشاعر الشعبية في البلدان العربية لتوجيه الاحتجاجات ضد الأنظمة العربية، على غرار ما حدث في تونس ومصر. في تونس دعت حركة النهضة إلى احتجاجات باسم التضامن مع غزة ومواجهة انقلاب الرئيس قيس سعيد على حد زعمها، لكنّ الاستجابة الشعبية لم تأت تلبيةً لدعوات النهضة، بل تعاطفاً شعبياً مع غزة، ولم تستطع الجماعة استغلال المشاعر الشعبية.

الأمر اللافت أنّ رجال الدين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المنضوين في كيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر، سعوا لاستغلال أحداث غزة. وجه الاتحاد دعوات تهدد الأمن في البلدان العربية، منها دعوة الجيوش للنفير لدعم غزة، وهو الأمر الذي ينطوي على مخاطر كبيرة، وعدم مراعاة لأوضاع كل دولة عربية.

الانتخابات المصرية

تعتبر الانتخابات الرئاسية المصرية هي الحدث الثالث الأهم لجماعة الإخوان المسلمين في العام الجاري، حيث سعت الجماعة للاستفادة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها مصر، لحشد الرأي العام ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وسعت الجماعة من خلال إعلانها دعم المرشح المحتمل السابق في الانتخابات، أحمد الطنطاوي، إلى العودة إلى المشهد السياسي.

وألقت الحرب في قطاع غزة بظلالها على المشهد الانتخابي المصري، حيث أبرزت الأحداث كفاءة الرئيس السيسي في التعامل مع التحديات الخارجية المستجدة، التي تؤثر بشكل أساسي على الأمن القومي لمصر. ومن جانب آخر خسرت الجماعة التغطية الإعلامية التي كانت تسعى للاستفادة منها، بعد تركيز تلك التغطية على الحرب في غزة.

واختتمت الانتخابات الرئاسية في مصر بإعلان فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 18 كانون الثاني (ديسمبر) الجاري. وبحسب الهيئة الوطنية للانتخابات بلغ عدد المسجلين في قاعدة بيانات الناخبين بلغ 67.4 مليون ناخب، وأدلى 44.7 مليون ناخب بأصواتهم، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 66.8%. ووفق الهيئة فإنّ الانتخابات الرئاسية شهدت أكبر نسبة مشاركة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها مصر. تبعاً لتلك البيانات مثّلت الانتخابات ضربة قوية لأحلام الإخوان المسلمين في العودة إلى المشهد السياسي في مصر.

أخفقت حركة النهضة في توظيف الدعم الشعبي لغزة

أحد الأحداث المهمة الأخرى، هي الخلافات التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا على خلفية الانقسام بين رئيس المجلس الأعلى للدولة السابق، القيادي الإخواني خالد المشري، وقادة الإخوان في حزب العدالة والبناء، على خلفية الاتفاق بين المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح على خريطة الانتخابات.

قام حزب العدالة والبناء بفصل العديد من أعضائه وقاداته ممن أعلنوا تأييدهم للتوافقات التي تمت بين المشري وصالح، والتي كان من المفترض أنّ تنهي الانقسام في السلطة التنفيذية بين حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، وحكومة أسامة حماد في بنغازي، من خلال تشكيل حكومة مصغرة موحدة، تدير البلاد لحين إجراء الانتخابات.

أدى موقف الإخوان المتحالفين مع عبد الحميد الدبيبة في مواجهة خالد المشري إلى تعطيل إجراء الانتخابات العامة، على الرغم من صدور القوانين الانتخابية وفق المسار الذي اتفق عليه مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في عهد المشري.

 

استغل الإخوان الحرب التي اندلعت ضد غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في توجيه الاتهامات إلى الأنظمة الحاكمة في الدول العربية

 

ومع ختام العام الحالي، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين أمام تحد كبير، يتمثّل في علاقتها مع الدول الأوروبية التي طالما وفرت لها ملاذاً، في مواجهة الأنظمة السياسية العربية. يأتي التحدي على خلفية الحرب في غزة التي تبنت فيها معظم الدول الغربية موقفاً مؤيداً لإسرائيل، شمل انتهاج سياسات مزدوجة تستهدف المؤيدين للقضية الفلسطينية. تضع تلك التحولات الإخوان المسلمين في اختبار صعب، إما مسايرة التوجهات الغربية وتبني خطاب غير صريح في دعمه للقضية الفلسطينية وبذلك يخسرون تعاطفاً طالما حازوا عليه من هذا المدخل، أو يدخلون في صدامات مع دول أوروبية، بما يهدد المؤسسات والمنظمات التي توفر لهم واجهة لممارسة أنشطتهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية