"الإسلام السياسي" وإعادة التدوير

"الإسلام السياسي" وإعادة التدوير

"الإسلام السياسي" وإعادة التدوير


12/10/2023

أحمد مصطفى

على مدى الربع الأخير من القرن الماضي وحتى بدايات القرن الحالي، شهدت أوساط الدراسات الأكاديمية ومراكز الدراسات الداعمة لاتخاذ القرار في الغرب موجة اهتمام واسع بالجماعات الأصولية والمتشددة المتسربلة بالدين. حتى إن بعض تلك الأوساط والمراكز ابتكرت أقساماً للدراسات «الإسلامية» تركز على الحركات الصاعدة ذات التوجهات السياسية أو العنيفة التي تحمل السلاح، وصنفت في ما بعد كجماعات إرهابية.

بالطبع، طال القدر الأكبر من تلك الدراسات الأكاديمية والبحثية، سواء في أوراق الجامعات والمراكز، أو ما نشر منها، كتباً للجمهور العام لجماعة الإخوان والتنظيمات التابعة لها، وصنوها في آسيا وإفريقيا وأوروبا.

كما أنه من الصعب تصور أن نهاية الحرب الباردة كانت سبباً أيضاً وراء هذا التراجع في دراسة الحركات الأصولية والعنيفة في المراكز الغربية. بل على العكس، ازدهرت تلك الدراسات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية العالم ثنائي القطبية. كما أنها أفادت دوائر صنع القرار في الغرب الساعية إلى نظام عالمي جديد أحادي القطبية تقوده أمريكا مع تحالف غربي موسع. وأضاءت تلك الدراسات، خاصة لجماعة الإخوان، كثيراً على توجهها العابر للوطنية وانتهازيتها السياسية التي تجعل منها رديفاً للهيمنة الأمريكية-الغربية خارج نطاقها الجغرافي، وتحديداً في الشرق الأوسط وما حوله في آسيا وإفريقيا.

بل إن بعض تلك الأبحاث الأكاديمية كانت مفيدة للقادة الأمريكيين في صراعات معينة، بطريقة «الوكيل المحلي» أو الإقليمي، كما حدث في أفغانستان من مساهمة الإخوان في دول آسيا وإفريقيا بتشكيل الميليشيات التي حاربت لصالح أمريكا وحلف الأطلسي تحت شعارات عقائدية وغيرها. وكانت تلك نواة أخطر التنظيمات الإرهابية العالمية التي عرفت في ما بعد باسم «تنظيم القاعدة».

أخذ الاهتمام الأكاديمي والبحثي بجماعات «الإسلام السياسي» يتراجع مع مطلع القرن. ومع محاولة عودة مؤقتة وقصيرة مع اندلاع احتجاجات ما سمي «الربيع العربي»، مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، عادت تلك الموجة للخفوت حتى كادت تتلاشى.

وفي ظل ما يبدو من فشل مشروع «النظام العالمي الجديد» الذي أرادته أمريكا والغرب في العقود الماضية منذ نهاية الحرب الباردة، ومحاولة قوى جديدة في العالم الدفع باتجاه عالم متعدد الأقطاب، سيزيد الاهتمام مجدداً بتلك الجماعات والتنظيمات والحركات، وخاصة المسلح والعنيف والإرهابي منها.

وإذا كانت الدراسات السابقة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، أفادت صانع القرار السياسي والأمني الأمريكي والغربي، فإن الموجة الجديدة المتوقعة لن تعدو كونها في الأغلب إعادة تدوير أكاديمي لما أنجزه السابقون، من فرانسوا بورجا إلى جون اسبوزيتو، مروراً بآخرين ممن طغت أبحاثهم وكتبهم على الوسط البحثي وحتى الثقافي العام بشأن الإسلام السياسي في نهايات القرن الماضي.

من مؤشرات توقع عودة الاهتمام بتلك الجماعات في أوساط الأكاديميات ومراكز الدراسات، عودة الصراع بما يشبه أيام الحرب الباردة. فالتوجه الأمريكي - الغربي نحو الصين وروسيا، ومحاولة استقطاب الهند في ذلك الصراع، إضافة إلى التحولات المتسارعة في مناطق «كمون» الإرهاب بعد نهاية تنظيم داعش الإرهابي في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء، تعزز هذا التوقع. كما أن استمرار الصراع مع روسيا في أوكرانيا، يدفع باتجاه الاهتمام بجماعات لم تكن ضمن دائرة البحوث الأكاديمية ومراكز الدراسات، مثل تتار القرم وغيرها. وفي الأغلب ستكون دول القوقاز وآسيا الوسطى مجالاً لأعمال أكاديمية جديدة، خاصة أن كثيراً منها تقطنها أغلبيات مسلمة؛ بعضها مرتبط بتركيا وبعضها بإيران.

والأرجح أن تلك الموجة الجديدة المتوقعة، ستستند أيضاً إلى أطروحات واستنتاجات السابقين من الغربيين الذين اعتمدوا إلى حد كبير على دراسة جماعة الإخوان وروافدها السلفية الأصولية. ولأن أغلب المقدمات كانت إلى حد كبير مشوهة لتأثرها بأفكار مسبقة، ربما حتى سياسية وليست أكاديمية، فعلى الأرجح ستكون نتائج الموجة الجديدة، من إعادة التدوير الأكاديمي، أكثر تشوهاً.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية