الإمارات تلعب دوراً فاعلاً وحاسماً في عالم متعدد الأقطاب

الإمارات تلعب دورا فاعلاً وحاسماً في عالم متعدد الأقطاب

الإمارات تلعب دوراً فاعلاً وحاسماً في عالم متعدد الأقطاب


16/09/2023

كانت الدبلوماسية العالمية خلال معظم سنوات القرن العشرين تتشكل في المقام الأول من خلال إطار عالمي، حيث سيطرت القوى العظمى على معظم الأصول السياسية والاقتصادية في العالم. لكن أوائل تسعينات القرن العشرين شهدت تحولا نحو هيكل قوة مهيمن وأحادي القطب وذلك مع قيام الولايات المتحدة بلعب دور الزعيم العالمي، ويجري اليوم تحول جديد، وهو تحول نرى فيه القوى المتوسطة تلعب دورا فاعلا وحاسما في عالم متعدد الأقطاب.

ويقول نيكولا ملادينوف، المدير العام لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبوظبي وزميل زائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة ووزير خارجية بلغاريا، إن قرار دعوة ستة أعضاء جدد هم الأرجنتين ومصر وأثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (وكلها تعتبر قوى متوسطة) إلى مجموعة بريكس (المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) يفتح الباب أمام إضافة قيمة كبيرة لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية والمصالحة السياسية في عالم سريع التغير.

ويضيف ملادينوف في مقال أن التعاون أصبح ضروريا في عالم يتصارع مع التحديات العالمية التي تواجه الجميع، ولكن الإطار الحالي للعلاقات الدولية يترنح تحت وطأة المنافسات الجيوسياسية الدائمة والناشئة.

ودمرت إعادة إشعال الحرب البرية المطولة، وهي الغزو الروسي لأوكرانيا، فكرة أن مثل تلك الصراعات صارت حكرا على كتب التاريخ، إذ أن الاختلاف الوشيك في التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين له آثار بعيدة المدى، كما أن شبح تصاعد الانعزالية والحمائية يلوح في الأفق، وفي الوقت نفسه يزيد الصعود السريع للذكاء الاصطناعي والقلق الكبير حول ندرة الغذاء من تعقيد مجموعة القضايا التي يجب على قادة العالم مواجهتها.

ويعني الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب أن القوى المتوسطة لها الآن دور أكبر في تشكيل المعايير والتوسط في الصراعات وتعزيز التعاون.

وتتطلب تعقيدات التحديات، مثل تغير المناخ والأزمات الصحية والإرهاب، حلولا جماعية وتدخّل القوى المتوسطة، المسلحة بالفطنة الدبلوماسية والقدرة على التكيف، لسد الانقسامات.

وبالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة يدل الانضمام إلى مجموعة بريكس على طموح البلاد إلى تعظيم نفوذها الجيوسياسي وتشجيع التعاون متعدد الأطراف والتكيف مع عالم متعدد الأقطاب.

وكدولة شقت طريقها إلى الصدارة على الساحة العالمية، فإن اهتمام الإمارات بالتوافق مع بريكس يكتسب أهمية تتجاوز مجرد الاعتبارات المالية، وتعكس هذه الخطوة سعي الإمارات إلى إقامة شراكات إستراتيجية عالمية.

وتكمن إحدى المزايا البارزة لدولة الإمارات العربية المتحدة في التنويع الاقتصادي وفرص النمو، وذلك من خلال التوافق مع الشركاء الرئيسيين بفضل خلق شبكة من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، ويمكن للإمارات توسيع الإمكانيات التجارية.

وقد وقعت الإمارات بالفعل اتفاقيات مع الهند وإسرائيل وإندونيسيا وتركيا وكمبوديا، مع خطط للمزيد من تلك الاتفاقيات في القريب العاجل.

وإلى جانب عضويتها في مجموعة بريكس يمكن لهذه الخطوات أن تعزز مكانة الإمارات العالمية في مجال التجارة والخدمات اللوجستية، والدليل على هذه الإمكانات هو التجارة الثنائية المزدهرة بين الإمارات العربية المتحدة والهند، والتي من المتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، كما زادت التجارة بين الإمارات والبرازيل بنسبة هائلة بلغت 32 في المئة بين عامي 2021 و2022.

وتفتخر دول بريكس باقتصادات قوية تمثل جزءا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقد برزت الصين تحديدا كأكبر شريك تجاري غير نفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال العلاقات الثنائية وطيدة. ويزدهر التعاون التكنولوجي، بدءا من عمل الأبحاث وإنتاج لقاحات ومصل فايروس كورونا ووصولا إلى التعاون في البعثات الفضائية مثل مركبة راشد القمرية الإماراتية.

ومن خلال التوافق مع اقتصادات دول بريكس يمكن للإمارات تنويع علاقاتها التجارية والاستفادة من أسواق جديدة وتوسيع نطاقها الاقتصادي مع الحفاظ على علاقاتها التقليدية في أوروبا وأميركا الشمالية.

ويعد هذا التنويع محوريا لتحقيق هدف دولة الإمارات العربية المتحدة المتمثل في مضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، والحد من الاعتماد على النفط، وتعزيز اقتصاد قائم على المعرفة.

ومن خلال التعاون مع بريكس ستجذب الإمارات المواهب والاستثمارات، وستستفيد شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية بالفعل من دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز للوصول إلى الأسواق الإقليمية القريبة.

كما يمكن للشراكات التعليمية مع الجامعات البرازيلية أن تساهم في تعزيز الابتكار في الإمارات؛ ففي عام 2022 استثمرت مبادلة، التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، في جامعتين طبيتين في البرازيل من خلال حوالي 2000 بعثة دراسية.

ويمكن للأحداث رفيعة المستوى، مثل القمة السنوية للتكنولوجيا بين الإمارات ودول بريكس، أن تحفز التواصل المهني. وبالمثل، من شأن مسرعة الأعمال الناشئة بين الإمارات وبريكس أن تزيد من جاذبية الدولة الخليجية كمركز للابتكار والاستثمار وجذب المواهب.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه المواجهة العالمية، ترى أبوظبي أن الاستثمار طويل الأجل في التعاون هو أفضل طريقة للمضي قدما، وتهدف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز العلاقات مع مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي.

ويتماشى ذلك مع مبادرات أبوظبي الأوسع نطاقا، وتعزيز العلاقات من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها.

وفي الوقت الذي تستعد فيه الإمارات لاستضافة قمة تغير المناخ (COP 28) يمكن لوجهات نظرها إثراء مداولات بريكس حول المسائل الحاسمة مثل التنمية المستدامة وتغير المناخ ومكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي.

ولا ترى الإمارات أن انضمامها إلى بريكس يعني انضمامها إلى كتلة ما، بل على العكس من ذلك، ترى أنها تنوع شراكاتها وأسواقها مع الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع بقية دول العالم.

وقد أوضح ذلك وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، عندما قال “لقد دافعت دولة الإمارات العربية المتحدة باستمرار عن قيمة التعددية في دعم السلام والأمن والتنمية على مستوى العالم”.

وتمكن عضوية بريكس الإمارات من تعزيز إستراتيجيتها متعددة التحالفات من خلال تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة عبر مبادرات مثل “I2U2” (إسرائيل والهند والإمارات والولايات المتحدة) ومع الصين من خلال مجموعة بريكس.

ويؤكد ملادينوف أن “التحديات المعقدة التي تواجه عالمنا تتطلب جهودا تعاونية تتجاوز القوى العظمى الفردية، إذ أن قدرة القوى المتوسطة على سد الفجوات الثقافية وتعزيز الروابط الاقتصادية ودعم القيم العالمية تجعلها لاعبا لا غنى عنه في قيادة العالم”.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية