الإمارات وصناعة المستقبل: شهادات حيّة لقضايا عالمية

الإمارات وصناعة المستقبل: شهادات حيّة لقضايا عالمية

الإمارات وصناعة المستقبل: شهادات حيّة لقضايا عالمية


20/09/2023

إبراهيم سعيد الظاهري

أنظار العالم تتجه إلى الإمارات بعد أن أصبحت لاعباً مهماً على المستويين الإقليمي والعالمي، بفضل سياسات قيادتها الرشيدة التي تسعى دائما إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية، سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، وفق رؤية ذات أبعاد وأهداف متكاملة، قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل.

ما يجعلنا نجزم بهذه المكانة المميزة للإمارات "شهادات حيّة" لتجارب واقعية معاصرة تأزمت خلالها قضايا "مصيرية" ملحة، أوشكت على الدخول في حالة جمود، حتى أتاها الحل إماراتياً مجرداً من أي منفعة خاصة أو مصلحة إلا خدمة الدول والشعوب، والتعاون في حماية مصالحها، وحل مشكلاتها.

تتميز جهود الإمارات واستراتيجياتها بأنها تأخذ في الاعتبار ما يشهده العالم حالياً من تحدياتٍ كبيرةٍ، وصراعاتٍ حادةٍ، تتطلب جهداً مضاعفاً، وعملًا دؤوباً، ودبلوماسية مرنة، وخططاً أمنية ذات طبيعة خاصة بالمهمات الصعبة التي تجري اليوم في المنطقة والعالم، ومعظمها ذو طابع أمني ودبلوماسي وفكري، متنوع الأبعاد والتوجهات والتحالفات، وكثير التغير والتحولات.

ولا شك في أن تلك التحديات العالمية تتطلب مقاربات ومعالجات تتناسب مع كل حدث جديد، وتحقق المستهدف وفق الإستراتيجية الوطنية الشاملة للإمارات محليا وإقليميا وعالميا؛ خاصة بعد أن حازت الإمارات ثقة العالم كلاعب أساسي وشريك مؤثّر في العديد من القضايا الإقليمية والعالمية.

شهد العقد المنصرم أحداثاً بالغة الخطورة، مازالت تداعياتها مستمرة متجددة، وآثارها لم تنتهِ. والأيام لا تزال حُبلى بالنجاح والفشل تبعًا للمستجدات المتلاحقة، الأمر الذي يستدعي الحذر، ويفرض الانتباه في كل وقت. وهذا ما يفسر حرص القيادة الإماراتية على السعي جاهدة للحضور في أكثر من محفل وملتقى إقليمي وعالمي، انطلاقا من حقيقة أنّ الإمارات شريك فاعل سياسياً واقتصادياً، وأيضاً عسكرياً.

في الأشهر القليلة الماضية شاركت الإمارات وانضمت ونظمت ودعمت الكثير من الأحداث المهمة للإقليم والمنطقة والعالم، وتشهد الفترة المقبلة جهودًا مماثلة على المستويين الإقليمي والعالمي تصب في مصلحة الجميع.

في نهاية الأسبوع الماضي كان جدول الأعمال الدبلوماسي العالمي يتركز في قمة "مجموعة العشرين" في نيودلهي تحت شعار: "أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد". وكان من الممكن أن تتسبب الخلافات وتباين المواقف، لأول مرة، في عدم صدور بيان ختامي مشترك عن القمة التي لم يحضرها الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي كان سيعدّ فشلا واضحا للهند، التي تسعى لتصبح "صوت الجنوب العالمي" ولرئيس وزرائها ناريندرا مودي الذي يستعد للانتخابات.

وأفضل ما يوصف به البيان الختامي أنه "محاولة توفيقية" لتجنيب جميع الأطراف الحرج في القضايا المثارة محل الخلاف، خاصة بعد أن قلل البيان من أهمية الانقسامات حول الحرب في أوكرانيا، والتغير المناخي، ورفض “استخدام القوة” في أوكرانيا دون ذكر روسيا، حتى إن وزير خارجيتها سيرجي لافروف أعلن إحراز “فوز دبلوماسي”.

ومن المعالم البارزة لقمة نيودلهي "الممر الاقتصادي" بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" الذي يُنظر إليه على أنه بديل لمشروع "الحزام والطريق" الصيني، وأنه محاولة من الولايات المتحدة والغرب للحد من جهود بكين، وربما نفوذها.

الإمارات كانت حاضرة بقوة وتأثير في "قمة مجموعة العشرين". ويمكننا القول إن موقف الإمارات كان الأهم في إنقاذ "الممر الاقتصادي" وإقالته من عثراته. تَمثل ذلك في موافقة الإمارات على المشروع الذي ستكون محطته الأولى بعد دولة الإطلاق (الهند) ومنها إلى المملكة العربية السعودية.

ولولا مشاركة الإمارات والإذن بمرور هذا المشروع لما احتُفل بانطلاقه بشكل فعلي في القمة. وقد عبر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تقديره الكبير لهذا الموقف الإماراتي، وأشاد بجهود رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بكلمات واضحة، مكرراً: “شكراً، شكراً شكراً" لإدراكه أنه لولا موافقته على مشروع "الممر الاقتصادي" لما استطاعوا فعل شيء.

شاركت الإمارات، قبل ذلك، في قمة مجموعة "بريكس" التي تضم الدول الأسرع نموا اقتصاديا في العالم، وهي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا.

وأجمعت القمة على قبول عضوية الإمارات في المجموعة بدءاً من أول يناير المقبل، تقديرا لمكانتها الكبرى، وثقلها السياسي والاقتصادي، ودورها المحوري الفاعل في مختلف قضايا المنطقة والعالم.

أصبحت قمتا مجموعتي "بريكس"، و"العشرين" رمزين لظهور الصين والهند على المسرح العالمي. تُمثل "مجموعة بريكس" السياسة الصينية في تحدي هيمنة الدولار الأميركي، بينما تمثل "مجموعة العشرين" السياسة الهندية في محاولتها إنشاء نموذج لتكامل العالم الجديد.

وإن كانت الحكمة الرومانية تقول "سيسطع النور من الشرق"، أي الثروة والرخاء، فقد كانت الهند والصين مركزين رئيسيين للثروة في العالم القديم عدة قرون. سيطرت الصين على طريق التجارة البري عبر طريق الحرير، وسيطرت الهند على الطريق البحري عبر طريق التوابل.

وإذا كان أبو الطيب المتنبي تنبأ بتأثير المستجدات في حدوث التحولات الحياتية في بيت من الشعر، أصبح حكمة:
          ما كلّ ما يتَمَنّى المَرءُ يُدركُهُ
          تَجري الرياحُ بِما لا تَشتَهي السّفنُ

فقد أتى على العالم حين من الدهر لم يكن يتوقع التغيرات الجذرية في كل شيء؛ حيث أدى تطوّر النظام الرأسمالي وهيمنته إلى انتقال مركز ثقل العالم من آسيا إلى المحيط الأطلسي، فسقطت الصين والهند نتيجة عمليات تمركز القوى الجديدة، وأصبحتا فقيرتين ومستعمرتين عدة قرون، حتى حصلتا على استقلالهما منتصف القرن العشرين، بقيادة زعماء ثوريين، أبرزهم ماو، وغاندي. وتباينت اتجاهاتهما الاقتصادية، فتبنت الهند نظاماً "مختلطاً" واختارت الصين "الشيوعية" الأكثر صرامة.

وتأكيداً لدورها المحوري إقليميا وعالميا تستعرض الإمارات، أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أولويات سياساتها ورؤيتها لقضايا السلام والأمن. وقد استبق الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية أعمال الجمعية العامة موضحاً أن مشاركة الإمارات تخدم الأولويات الدبلوماسية للدولة، التي حددها الشيخ محمد بن زايد، مشيراً إلى أن نهج الإمارات ساهم في بناء الجسور، والالتزام بتعزيز التعاون الدولي، خاصة خلال فترة عضوية الإمارات في مجلس الأمن، بتحقيق إنجازات كبيرة، منها القرار التاريخي الذي اعتمده المجلس حول "التسامح والسلم والأمن الدوليين"، بالإضافة إلى قرارات مهمة أخرى تتعلق بأفغانستان، ولبنان، وفلسطين، واليمن. وقال: "تفتخر الإمارات بالتقدم الذي ساهمنا فيه على صعيد "جدول أعمال المرأة والسلام والأمن" وتعميق فهم الروابط بين التغير المناخي والسلام والأمن".

وتُعد هذه المشاركة امتداداً للسياسات الرشيدة للإمارات التي تحرص على دعم مصالح الدول والشعوب، انطلاقا من دراية سياسية، وخبرة قيادية واعية، ورؤية حكيمة للشيخ محمد بن زايد الذي يتمتع بعلاقات دبلوماسية واسعة مع قادة وزعماء دول العالم، ورؤساء المنظمات الدولية، ويحوز ثقتهم وتقديرهم، الأمر الذي تنعكس آثاره الإيجابية على كثير من القضايا المشتركة عربياً وإقليمياً وعالمياً، حيث أصبحت الإمارات جسر اتصال وتواصل بين شعوب العالم، ومهوى أفئدة هذه الشعوب ومجمع ثقافاتها ومنطلق آمالها وطموحاتها.

وفي المجال الاقتصادي ساهمت السياسة المالية في تعزيز النمو، وترسيخ بيئة الأعمال التنافسية، الأمر الذي أسفر عن إدراج الإمارات في قائمة أسرع الاقتصادات نموا في العالم خلال 2022. وكذلك إنجاز استثنائي في مؤشرات الأداء المالي المجمع على مختلف المستويات، وفي تنوع الإيرادات الحكومية، وهما يعكسان انضباط السياسة المالية.

أما الإنجاز المهم لرائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، الذي أكمل مهمة نوعية وناجحة استغرقت ستة أشهر على متن محطة الفضاء الدولية، فقد جسد بقوة رؤية دولة الإمارات وريادتها في الفضاء، والمهمات البشرية، والمجال العلمي والتكنولوجي، وعبر عن قدرة كبيرة للإمارات في قيادة مسيرة النهضة الفضائية في المنطقة.

وجدد هذا الإنجاز المهم تأكيد حقيقة أن وراء كل إنجاز عظيم جهوداً حثيثة ودعماً لا يتوقف في كل المجالات خاصة قطاع الفضاء. من حق الشباب الإماراتي والعربي أن يفخر بسلطان النيادي صاحب أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، استمرت أكثر من 180 يوماً في الفضاء، ووصفها عند العودة إلى أرض الوطن بقوله: "كانت هذه المهمة من أجمل التجارب التي مرت في حياتي".

ومن أهم الأحداث التي تشهدها الإمارات انتخابات المجلس الوطني الاتحادي لنصف عدد أعضائه من 4 إلى 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وهو حدث مهم يرتبط دائما بآمال كبرى تتصل بدعم الجهود المبذولة في سبيل صناعة "المستقبل الأفضل" وتحقيق المزيد من النهوض بالأحوال المعيشية للمواطن، في شتى المجالات باعتبار أن المجلس سلطة سياسية ثالثة تلعب دوراً كبيراً في مناقشة القضايا المحلية والإقليمية، والمشاركة في المؤسسات العربية والإقليمية والدولية.

وتفتح هذه الانتخابات المجال واسعا للارتقاء بمستوى المشاركة الشعبية إلى فضاءات أرحب، في ظل تأكيد القيادة السياسية الحرص على ممارسة كل من أتم السن القانونية حقه في الإدلاء بصوته أو الترشح لعضوية المجلس، وكذلك الحرص على المصداقية والشفافية، وتعزيز العمل الوطني، بالإضافة إلى تأكيد القيادة السياسية الحيادية التامة في انتخاب رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وتشجيع المنافسة الشريفة بين المرشحين لهذا المنصب. وتبعث هذه الانتخابات على الأمل في تعظيم دور المرأة في شتى المجالات بعد نجاح القيادة السياسية في إشراك المرأة في العملية الانتخابية.

من جانب آخر، تستضيف دولة الإمارات الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ COP 28، وذلك بمدينة إكسبو دبي من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 12 ديسمبر(كانون الأول) المقبلين. ويستهدف المؤتمر توحيد الجهود العالمية في مجال العمل المناخي، وتحديد فرص التعاون المتاحة لإيجاد حلول للتحديات المناخية.

وتسعى دولة الإمارات إلى توظيف هذه الفرصة لتسريع الجهود العالمية الرامية إلى معالجة تداعيات تغير المناخ، خاصة أن COP 28 يشهد استجابة كبيرة لنتائج أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس، الأمر الذي يمثل محطة بالغة الأهمية في المسار العالمي المشترك لدعم العمل المناخي.

الاستعداد لعقد قمة المناخ تضمن أحداثاً متلاحقة ومشاركات كبيرة للإمارات توضح دورها الريادي الفاعل والمؤثر في قضايا الأمن والاقتصاد والسياسة، وما ذلك إلا بفضل الدبلوماسية الواعية والسياسة الرشيدة للقيادة الإماراتية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية