التطرف غير العنيف (دليل روتليدج)

التطرف غير العنيف (دليل روتليدج)

التطرف غير العنيف (دليل روتليدج)


15/06/2023

حسين القاضي

قدم كتاب (دليل روتليدج) تحليلاً حول ظاهرة التطرف غير العنيف، سُمى: «(إعادة التفكير الأخيرة فى الإسلاموية ما وراء العنف الجهادى)، حررته الدكتورة إليسا أوروفينو، والدكتور ويليام ألكورن، ويذهب المؤلفان إلى أن التطرف غير العنيف يمكن أن يكون مقدمة للتطرف العنيف (الإرهاب)، وأن التطرف غير العنيف ناقل وممهد طريق للتطرف العنيف، ويمكن للفرد أن يمكث فى المنطقة الرمادية بين التشدّد والتطرف قبل الانتقال إلى الإرهاب»، ويرى الدليل أن التطرف غير العنيف لا بد أن يكون مجالاً بحثياً منفصلاً عن مجال دراسات الإرهاب.

يحث «الدليل» -وفقاً لما نشره ونقله أحد المواقع البحثية- على تجاوز مشكلتين، الأولى: هى ميل الباحثين إلى ربط التطرف غير العنيف بالإرهاب، مفترضين أن جميع المتطرفين غير العنيفين سيصبحون إرهابيين عاجلاً أم آجلاً، والثانية هى الثغرة الموجودة فى البحث الأكاديمى الحالى، حيث لا تزال دراسة التطرف غير العنيف تركز على دراسة أيديولوجية معينة (أى التطرف الجهادى)، ومع قبول أن التطرف غير العنيف يسبق الإرهاب، يرفض هذا الكتاب -وهو رفض واقعى- القول بحتمية تطور التطرف إلى إرهاب، باعتباره لازماً من لوازمه، وإنما التطرّف غير العنيف هو مساحة انتقالية غير محدّدة المعالم تسبق الأعمال الإرهابية.

إن كثرة الدوافع المنتجة للتطرف تجعل التطرف بناءً كبيراً، له مراحله المختلفة، وكل مرحلة لها سماتها، ولها أسلوب مختلف فى الوقاية، ويجب أن يكون واضحاً الفرق بين التشدّد والتطرف والإرهاب، وعلاقة كل منهما بالآخر، وخطورة أدوار جماعات قد تمهد الطريق للعنف، سواء مارسته ودعت إليه أم لا، وكيف أن التشدد والتطرف يتعلقان بالفكر والرأى، وأن الإرهاب يتعلق بالفعل، وعدم التفرقة بين هذه المراحل من الباحثين والمؤسسات الأمنية والفكرية والدينية يؤدى إلى مشكلات كثيرة، فهناك فرق بين تطرّف الفعل، وتطرف الفكر، وتطرف القول، وقد أعد باحثان من كلية برين ماورش الأمريكية كتاباً عنوانه: (فهم التطرف السياسى: نموذج الهرمين)، يُقسِّم التطرف إلى: تطرف فى الفعل وتطرف فى القول، ولفضيلة مفتى مصر الدكتور شوقى علام كتاب مهم تكلم فيه عن هذه الجزئية، عنوانه: (مدخل إلى فهم التطرف.. المبدأ والمنتهى).

يمكننا القول إن التطرف غير العنيف مشكلته الأساسية فى الأفكار والمحاضن التى تولد منها هذه الأفكار، ومواجهته فكرية ثقافية بحتة، تبدأ من المؤسسات الدينية والثقافية، ومن غير هذه المواجهة الجادة والصارمة سيتولد الكثير من المتطرفين، ممن لا يمكن حصرهم ولا معرفة توزيعهم ولا قوتهم، بل إن بعض الحكومات -بوعى أو بغير وعى- تعطى مساحات قد تتسع وقد تضيق للفكر المتطرف غير العنيف، وتعطيهم الحق فى تكوين جمعيات والتوسع فى بناء المدارس والوجود الإعلامى وعلى شبكات التواصل الاجتماعى، دون الأخذ فى الاعتبار أن أى متطرف عنيف لم يصل لمرحلة العنف، إلا بعد مروره بالتطرف غير العنيف.

يعقب الكاتب الأستاذ هشام النجار على دليل روتليدج فى مقاله بـ«الأهرام»، قائلاً: إن «الدليل وقف على خطورة أدوار جماعة الإخوان فى حلقة الإرهاب، بينما فى المقابل هناك من دعا للتسامح معها، باعتبارها (تكبح جماح التطرف المؤدى للعنف السياسى، وهذا خداع مركب، لأن الجماعة هى من تهندس العنف وتقود فصائله المسلحة وتحدّد مهامها، وتضمن لها التجدد الدائم، ويتوهم بعض الباحثين الغربيين أن جماعة الإخوان غير عنيفة وتعمل من خلال المؤسسات وتحترم قيم الديمقراطية؛ فى حين أن الجماعة فقط لا تبدأ نشاطها بالعمل المسلح إنما تؤجله، حيث تقيم أولاً دولة موازية وتنشئ مؤسسات تابعة لها (التمكين)، وتقوم بنفس أدوار مؤسسات الدولة الأصلية، وهو ما يطلق عليه الجهاد الحضارى».

والخلاصة أن الشخص الجماعاتى (المنتمى للجماعات عموماً) قد يقف عند مرحلة التطرف والتشدد والتزمت والتبديع، وقد ينتقل من التطرف إلى التكفير، وقد ينتقل من التكفير إلى حمل السلاح أو تأييد العنف، وقد لا يفعل كل ذلك، لكل تظل هناك سمات ثابتة عند كل من انتمى لهذه الحركات، منها: غلبة روح العداوة والخصومة والكُره، وجعل ميزان الناس هو (الموقف الدينى والسياسى من جماعته)، فمن خلال هذا الموقف ينطلق لتقييم المؤمن من العاصى، والجرىء من المنافق، وتحويل ميدان الخصومة من النفس إلى الخصم السياسى، وكلها سمات تنتج متطرفاً قد يكون غير عنيف فى مرحلة ما، لكن يسهل استخدامه للتطرف العنيف.

وأهمية هذا الأمر تكمن فى رصد التيار السلفى (غير الجهادى) ودوره فى خلق التطرف غير العنيف، ليتجاوز الباحثون الوقوف عند الجماعات الحركية كالإخوان، وينضم إليهم التيارات السلفية، وهو ما تنبّهت له المملكة العربية السعودية فى السنوات الأخيرة، لأن الدراسات المتعددة أثبتت أن جماعات التطرف الدعوية وغير العنيفة تتقاسم أسس ومنطلقات متقاربة جداً مع الجماعات الجهادية والعنيفة.

عن "الوطن"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية