الحرس الثوري الإيراني بين الإخراج من قائمة الإرهاب وإلغاء العقوبات: السيناريوهات المحتملة

الحرس الثوري الإيراني بين الإخراج من قائمة الإرهاب وإلغاء العقوبات: السيناريوهات المحتملة


31/03/2022

يجري التركيز هذه المرة في مفاوضات فيينا بين إيران والقوى الغربية على ملف "الحرس الثوري الإيراني"، والعقوبات المفروضة عليه. ويتحدث الإيرانيون عن ضرورة إخراج الحرس من قائمة المنظمات الإرهابية التي أدرجته فيها الخارجية الأمريكية في 2019. وبينما وصف بعض المصادر الموضوع بأنه العقبة الأخيرة التي تحول دون توصل الأطراف إلى اتفاق نووي جديد، تُظهر متابعة المواقف الإيرانية بتفاصيلها إلى أنه أحد ثلاثة محاور، لا يزال الخلاف حولها يمنع حصول الاتفاق. وتشمل إلى جانب ملف الحرس، مسألتي: الضمانات، واختبار المصداقية؛ إذ تطالب إيران بضمانات لجهة عدم خروج واشنطن من الاتفاق في حال تغيَّرت الإدارات، كما تطالب بمُهل زمنية وإجراءات كافية لاختبار مصداقية واشنطن في رفع العقوبات، والالتزام بمخرجات الاتفاق.

مسار الخلافات حول "الحرس الثوري"، وطبيعتها

عادت إيران للمطالبة بإلغاء العقوبات المفروضة على بعض المؤسسات والشخصيات الإيرانية، باعتباره شرطاً أساسياً من الشروط التي وضعتها إيران لإحياء الاتفاق النووي. ورفع هذه العقوبات كان هو الملف الرئيس خلال الجولات الست الأولى من المفاوضات النووية التي أجراها فريق الخارجية الإيرانية في ربيع 2021، أثناء ولاية حسن روحاني؛ إلا أن الأسابيع الماضية شهدت عودة هذا المحور إلى صلب المفاوضات النووية التي كانت تبدو قاب قوسين أو أدنى من إحياء الاتفاق. 

وشهدت مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي بروز عدة عقبات خلال الأسابيع الماضية، كان من أهمها العقبة الروسية؛ حيث وضعت موسكو شروطاً لمباركة الاتفاق المنشود. كما شهد الأسبوعان الماضيان تمركز الخلافات حول ملف الحرس الثوري. وتجاوزت النقاشات ضرورة إنهاء العقوبات عليه إلى الحديث عن ضرورة إخراجه من قائمة التنظيمات الإرهابية التي كانت قد وضعتها عليها الخارجية الأمريكية في 2019. 

وفيما يبدو أن موضوع إنهاء العقوبات على الحرس، وكياناته الاقتصادية، هو محور اقتصادي بالدرجة الأولى، فإن قضية إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية، تتجاوز ذلك إلى حدود الأمن الإقليمي. ومن هذا المنطلق، تأتي معارضة أطراف إقليمية لإخراج الحرس من تلك القائمة. كما تأتي مطالبات واشنطن بربط إخراج الحرس من قائمتها للمنظمات الإرهابية، بالحصول على التزامات إيرانية علنية، لجهة ضبط مشروعها للتوسع الإقليمي، فيما ترفض طهران تقديم مثل هذه الالتزامات.

وشكّلت مسألة إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية، والسجالات التي أثيرت حولها، محطّة لمواقف متعارضة، ونقاشات، وسجالات علنية في كُلٍّ من إيران، والولايات المتحدة. وانتقلت أصداء تلك النقاشات إلى الأطراف الإقليمية. ويبدو أن الموضوع وفّر الأرضية التي ينشدها الجانبان (الإيراني والأمريكي) لتبرير فكرة إجراء مفاوضات ثنائية بينهما، حتى وإن كانت غير مباشرة. 

ويمكن إيجاز مواقف الأطراف المختلفة، على النحو الآتي: 

إيرانياً؛ قال وزير الخارجية أمير عبداللهيان، إن قادة الحرس الثوري أبلغوه أن على الحكومة أن تمضي قُدماً في العودة إلى الاتفاق النووي، حتى لو لم يتضمن ذلك تخفيف القيود على الحرس الثوري، مُشيراً إلى أنها تمثل تضحية من هذه المنظمة الثورية في سبيل مصالح الشعب. لكن موقفه الذي فُسِّرَ بأنه تلميح لواشنطن بتجاوز هذه العقبة، واجه رد فعل قوي من صحافة مُقربة من الحرس الثوري؛ إذ أعلنت صحيفة "كيهان" أن مواقف عبداللهيان تدل على عدم إحاطته بأهم مبادئ الدبلوماسية الإيرانية، مُشيرة إلى أن عليه إعادة النظر في موقفه المناقض لمبادئ الثورة. وأدى موقف "كيهان" الذي كررته وجوه مقربة من الحرس، ووجوه مقربة من القائد الأعلى (من ضمنهم كمال خرازي)، إلى تراجُع وزير الخارجية عن موقفه. وعكست تلك النقاشات وجود خلافات داخل الأروقة السياسية الإيرانية حول موضوع تلازمية إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية مع مسار المفاوضات النووية في فيينا. ويبدو أن احتمال التوصل إلى حل وسط حول الموضوع خلال الفترة المقبلة، سيبقى ضئيلاً.

أمريكياً؛ أظهرت إدارة الرئيس بايدن استعدادها، حسب متحدث باسم البيت الأبيض، لاتخاذ قرارات صعبة من أجل إحياء الاتفاق النووي. وأعلنت مصادر أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أبلغ نظيره الإسرائيلي، يائير لابيد، بأن الإدارة تفكر في إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية قريباً في حال كان ذلك يخدم العودة إلى الاتفاق النووي. وأشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إلى أن وضع الحرس على قائمة الإرهاب في عهد الرئيس ترمب، لم يخدم الاستقرار الإقليمي. وواجه هذا الموقف معارضة من وجوه جمهورية بارزة، على الرغم من حالة الإجماع داخل الإدارة الأمريكية حيال ضرورة إجراء مساومة على موضوع الحرس. وأعلن 80 عضواً في الكونغرس في رسالة إلى وزير الخارجية بلينكن أنهم ينددون بقرار إخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، مُبينين أن القرار يُعرِّض حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط إلى أخطار أمنية كبيرة. وتشير المعطيات إلى أن المعارضة التي يواجهها توجه الإدارة الأمريكية الجديد، تجاوزت حدود الحزب الجمهوري، لتتضمن وجوهاً من داخل الحزب الديمقراطي الذي تعول الإدارة الأمريكية عليه لتمرير قراراتها.

إقليمياً؛ في ضوء حالة التباعد بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، جاءت أهم المعارضات لتوجه الإدارة الأمريكية الجديد من تل أبيب؛ إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أن إسرائيل قلقة جداً من إخراج الحرس الثوري من القائمة الإرهابية، مؤكداً أن إخراج أكبر منظمة إرهابية من قائمة التنظيمات الإرهابية سيكلف الاتفاق النووي الكثير. ودفعت هذه المقاومة الإدارة الأمريكية إلى محاولة تهدئة الوضع، والإمساك بالعصا من الوسط، حين أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أن واشنطن تأخذ مواطن قلق حلفائها الإقليميين بالحسبان في قراراتها، وأنها ملتزمة بتوفير الأمن لهم. في حين أكد المفوَّض الأمريكي للشؤون الإيرانية راب مالي أن العقوبات ستظل باقية على الحرس الثوري في كل الأحوال.

وبدا واضحاً أن إدارة بايدن وقعت تحت وطأة ضغوط كبيرة، بشأن قرار إخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية. خصوصاً بعد أن رفضت إيران مطالب بربط إخراج الحرس من القائمة، بالتزامات علنية بعدم زعزعة الأمن الإقليمي. 

ويمكن من خلال قراءة المواقف الأخيرة لكل من وزير الخارجية بلينكن، والمفوَّض راب مالي، الاستنتاج بأن الإدارة الأمريكية تحاول التمييز بين مسألة إخراج الحرس الثوري من القائمة الإرهابية من جهة، والعقوبات المفروضة على الحرس الثوري من جهة ثانية؛ إذ يحاول أعضاء الإدارة الأمريكية أن يقنعوا الأطراف المختلفة بأن إخراج الحرس من قائمة الإرهاب باعتباره خطوة باتت ضرورية لإحياء الاتفاق، لا يعني بأية حال إنهاء العقوبات على هذه المنظمة، ولا يعني كذلك حدوث تغيير جذري في نظرة الولايات المتحدة إلى الحرس الثوري، وأنشطته الإقليمية المزعزعة للاستقرار، ولا يؤثر بأية حال على إرادة الولايات المتحدة للتصدي لهذه المحاولات.

مستويات العقوبات المفروضة على "الحرس الثوري"

يتعرَّض الحرس الثوري الإيراني منذ عدة عقود لعقوبات أمريكية، تشمل: هياكل المؤسسة، وشركاتها، وشخصياتها، ومتعاونين محليين وعالميين معها. وتعود هذه العقوبات لأسباب مختلفة، من ضمنها: الأنشطة الصاروخية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتدخل في الشأن الأمريكي، إلى جانب دعم الإرهاب.

على مستوى هياكل المؤسسة؛ تعرَّض الحرس الثوري إلى العقوبات الأمريكية بوصفه مؤسسة متكاملة، وشملت تلك العقوبات أركانه العسكرية، مثل: فيلق القدس الذي أُدرِجَ على قائمة العقوبات لأسباب متعددة. ومن ضمن هذه العقوبات، الموجة التي شملت في 2007 مؤسسة الحرس الثوري كلها، إضافة إلى فيلق القدس، والقوة الجوية في الحرس الثوري بداعي التورط في البرنامجين الصاروخي والنووي الإيراني. وكان الحرس قد تعرَّض لموجة في عام 2008، تضمنت مقر ثار الله، ومنظمة البسيج، بداعي انتهاك حقوق الإنسان. ويضاف إلى كل ذلك وضع الحرس الثوري برمّته على قائمة المنظمات الإرهابية في 2019.

على مستوى الأشخاص؛ شهدت العقود الماضية تعرُّض العشرات من الشخصيات الرئيسة، والقيادات العليا، والقيادات الوسطى في هذه المنظمة العسكرية إلى عقوبات أمريكية. ومن بين هؤلاء الأشخاص يمكن تسمية الجنرالات: محسن رضائي، ومحمد علي جعفري، وحسين سلامي، ويحيى رحيم صفوي، وعلي شمخاني، ومرتضى رضائي، وقاسم سليماني، وحسين دهقان، ومحمد باقري، وحسين طائب، ومحمد رضا نقدي، وحسن شاهوار، وإيرج مسجدي، وحسين همداني، وعلي فضلي، وعبدالله عراقي، وحسين باكبور، وعلي حاجي زاده. وهو ما يعني أن العقوبات شملت على مدى السنين الماضية معظم الكوادر القيادية في هذه المنظمة.

على مستوى المؤسسات الاقتصادية التابعة للحرس؛ شملت العقوبات غالبية المؤسسات الاقتصادية التي تنطوي تحت راية الحرس الثوري وتعمل تحت إدارته، ومن ضمنها: منظمة خاتم الأنبياء، ومنظمة تعاون الحرس الثوري، ومنظمة تعاون البسيج. ومقرات: نوح، وحرا، وقائم، وكربلاء. إضافة إلى بنوك كان يتملكها الحرس الثوري، مثل: بنك أنصار، وبنك مهر اقتصاد. وتقع العشرات من المؤسسات التي يمتلك فيها الحرس الثوري حصصاً، أو يتحكم فيها بشكل غير مباشر تحت طائلة العقوبات أيضاً، ومن ضمنها عشرات الشركات النفطية، وشركات النقل البحري، وشركات عقارات، وإنشاءات. وشملت مظلة العقوبات كذلك المؤسسات التي تتعاون مع الحرس الثوري، أو تدعم أنشطته، ومن أهم المؤسسات التي تم وضعها على قائمة العقوبات لهذا السبب، يمكن الإشارة إلى 18 بنكاً إيرانياً، منها: بنك ملي، وبنك صادرات، وبنك ملت، وبنك سينا، وبنك تجارت. وذلك إلى جانب وزارة النفط الإيرانية، والشركة الوطنية للنفط، والشركة الوطنية للشحن النفطي التي تعرضت للعقوبات أيضاً بداعي تعاونها مع الحرس المُصنَّف منظمة إرهابية.

ويعني مجموع ما سبق، أن الحرس الثوري، وأذرعه العسكرية، والاقتصادية، محاط بدوائر متراكمة من العقوبات التي فرضت عليه لأسباب مختلفة، بما عرّض قياداته، ومؤسساته إلى عقوبات مختلفة، لا ترتبط كلها بالمجال النووي.

دواعي العقوبات المفروضة على "الحرس الثوري"

جاءت العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الحرس الثوري الإيراني، وعلى أشخاص، ومؤسسات متعاونين معه، متنوعةً، ومُبَرَّرةً بأسباب ودواعي متباينة. وتتراوح هذه العقوبات بحسب الشمولية، وبحسب الأسباب، والمؤسسات الفاعلة فيها، بحيث:

على مستوى الأسباب؛ تظهر متابعة العقوبات المفروضة على الحرس خلال العقود الماضية اختلافاً بين العقوبات التي فرضت بداعي انتهاك حقوق الإنسان، والعقوبات المفروضة بداعي الأنشطة العسكرية والصاروخية، وتلك التي فرضت عليه بداعي البرنامج النووي، وأخيراً العقوبات المفروضة لأسباب تتعلق بالإرهاب.

على مستوى الشمولية؛ يمكن التمييز بين "العقوبات الأولية" التي تلزم الأطراف، والشركات، والمواطنين الأمريكيين، وتمنعهم من التعاون مع الحرس الثوري، مثل العقوبات المفروضة بداعي تورُّط الحرس في التأثير على الانتخابات الرئاسية، و"العقوبات الثانوية" التي تلزم إلى جانب المواطنين الأمريكيين، جميع المؤسسات، والأشخاص في العالم، وتفرض عليهم غرامات في حال التعاون مع الحرس الثوري، وشركاته، وأشخاصه. كذلك يمكن التمييز داخل مستويات العقوبات، بين العقوبات التي أقرها الكونغرس الأمريكي، والأخرى التي فرضتها الإدارة الأمريكية من دون العودة إلى الكونغرس. ويستطيع الرئيس الأمريكي إلغاء العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية، لكن لا يحق له إلغاء العقوبات التي فرضها الكونغرس دون قرار من الكونغرس نفسه، أو من دون خوض عملية معقدة. ومع ذلك، فإنه يستطيع تجميدها لستة أشهر، مع الحق بالتمديد.

على مستوى المسؤولية والتبعات القانونية؛ يمكن التمييز بين العقوبات التي تفرض على المتعاونين مع الحرس الثوري ومؤسساته غرامات مالية فقط، والعقوبات التي تفرض على المتعاونين مع الحرس الثوري عقوبات بالسجن. وتقع غالبية العقوبات المفروضة على الحرس الثوري في الخانة الأولى، لكنّ العقوبات المفروضة بداعي الإرهاب تفرض على المتعاونين عقوبات بالسجن، تصل إلى مدى الحياة. وهي تشمل الأمريكيين، وغير الأمريكيين على حد سواء.

العقوبات التي يُرجح رفعها، بموجب الاتفاق الجديد

تُشير تفاصيل المفاوضات النووية إلى أن توافقاً حصل بين إيران وشركاء الاتفاق النووي بشأن إلغاء جميع العقوبات المفروضة على المؤسسات، والأشخاص بداعي الأنشطة النووية. ويشمل ذلك العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، ومؤسسات، وأفراد متعاونين معه بهذا الخصوص. 

وتتضح أهمية الخلاف الأساسي بشأن إخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، إذا وُضِعَ في إطار الخريطة الشاملة للعقوبات. كما يمكن تصور ما إذا كان إخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية مُتاحاً للإدارة الأمريكية، أم أنَّه من صلاحيات الكونغرس، بحيث:

تكتسب مسألة وضع الحرس الثوري في قائمة التنظيمات الإرهابية أهميتها من منطلق كونها تفرض عقوبات من الدرجة الثانية التي لا تشمل الأمريكيين أشخاصاً ومؤسسات فقط، بل تشمل كل شخص أو مؤسسة في أنحاء العالم، يتعاون مع الحرس الثوري. وتأتي أهميتها أيضاً من منطلق كون العقوبات التي تُبنَى عليها، تفرض على الأشخاص أحكاماً بالسجن تصل إلى مدى الحياة، وليس غرامات مالية فحسب. ناهيك عن أن الغرامات المالية التي تفرضها على الأشخاص، تبلغ ضعف المبالغ التي يتورطون بها، في التعاون مع الحرس الثوري.

لم يصدر قرار وضع الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية عن الكونغرس، ولم يكن من ضمن القرارات التي صادقت عليها هذه المؤسسة التشريعية الأمريكية. وإنما صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، بموجب صلاحيات دستورية، ووفق المادة 219 من قانون الجنسية والهجرة. ويعني ذلك أن الإدارة الأمريكية تستطيع إلغاء هذا القرار من دون الحاجة إلى موافقة الأغلبية البرلمانية، بما يجعله متاحاً للمناورة في أي وقت، في المفاوضات النووية بين إيران وإدارة بايدن.

على الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية، أن قرار وضع الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية، إنما هو قرارٌ رمزي، ولا يرتقي إلى مستوى المؤثرات الاقتصادية الجوهرية، لكنّ التدقيق في التفاصيل يُظهر غير ذلك؛ إذ يحمل القرار تداعيات اقتصادية كبيرة، يمكنها أن تشلُّ فاعلية أي إلغاء للعقوبات من دون رفع الحرس عن قائمة الإرهاب، ناهيك عن التداعيات الأمنية والعسكرية للقرار:

انطلاقاً من كون الحرس الثوري مؤسسة اقتصادية، تهيمن على نحو 30 إلى 40% من الاقتصاد الإيراني، فإن بقاء الحرس على قائمة الإرهاب، يعني عدم فاعلية حقيقية لقرار إلغاء العقوبات؛ إذ يجعل بموجب القانون الأمريكي أي شخص أو مؤسسة على مستوى العالم يتعاون مع المؤسسات الاقتصادية التابعة للحرس عُرْضةً لغرامات ماليّة، وجنائية، تتمثل في السجن، أو الاعتقال، أو سلب المواطنة. وبسبب التشابك والتداخل الواسع بين مؤسسات الاقتصاد السياسي في إيران، فإن هذا القرار سيدفع الأشخاص، والشركات، وخصوصاً الشركات العالمية الكبرى نحو تفادي الانخراط في أية عقود مع أي إيران، خوفاً من أن تكون تلك المؤسسة مملوكة أو متعاونة مع الحرس الثوري.

يؤثر بقاء الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية تقنياً على فرصة تحرك النظام السياسي في إيران نحو إقرار وتطبيق قرارات مجموعة العمل المالي (FATF)، ومن ضمنها مقررات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (اتفاقية باليرمو)، واتفاقية تمويل الإرهاب (CFT)؛ لأنها تمسّ منظمة الحرس الثوري في حال اعتبارها مؤسسة إرهابية. ويعني ذلك بقاء إيران ضمن القائمة السوداء من FATF؛ ما يجعل أي قرار لإلغاء العقوبات غير ذي فاعلية حقيقية على الصعيد الميداني.

الاستنتاجات

يأتي الإصرار الإيراني على إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، من منطلق الوعي الإيراني بعدة نقاط، من بينها: "عدم جدوى إلغاء العقوبات في ضوء بقاء الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب"، و"كون قرار إخراج الحرس من قائمة الإرهاب قراراً بيد الإدارة الأمريكية، ولا يحتاج إلى مصادقة من الكونغرس". وتلوح الإدارة الأمريكية بإمكانية إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية، وتحاول التقليل من أهمية الآثار الاقتصادية والأمنية للقرار، لتخفيف الضغط السياسي القادم من أوساط جمهورية، وأحياناً ديموقراطية في الداخل، وأطراف شرق أوسطية في الخارج. 

إلا أن متابعة التطورات الميدانية على الصعيد الإيراني والأمريكي وعلى المستوى الإقليمي تشير إلى أن الإدارتين السياسيتين في كل من واشنطن وطهران باتتا في موقف أقلّوي حيال قضية إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب؛ إذ تواجه الإدارة الأمريكية معارضة نيابية شرسة، لا تقتصر على الحزب الجمهوري. وتأتي محاولاتها للتلويح بأن إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب لا يعني إلغاء جميع العقوبات عليه، أو تغييراً جوهرياً في مقاربته بوصفه تهديداً للأمن القومي في إطار طمأنة الحراك النيابي المعارض. 

أما في إيران فتشير التطورات إلى خلاف واضح بين الحكومة الإيرانية التي تحاول إمساك العصا من الوسط، بحسب وزير الخارجية، وبين المتشددين، ومقربين من القائد الأعلى، ومقربين من الحرس الثوري، يجمعون على ضرورة إخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، وإلغاء كل العقوبات المفروضة عليه، بما يستحيل معه حلّ وسط بشأن الموضوع.

ودولياً، يواجه الموضوع تحسساً واضحاً من حلفاء واشنطن الإقليميين؛ إذ يعني قرار خروج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية، وضعَ حدٍّ لكل محاولات توسيع الاتفاق النووي، والتصدي لمشروع الحرس الثوري التوسعي، ويقضي على آمال حلفاء واشنطن الذين يعتبرون الحرس الثوري تهديداً بحجم الملف النووي، إن لم نقل أكبر منه

السيناريوهات

يبدو مصير قرار إخراج الحرس الثوري من قائمة الخارجية الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، مُنكشفاً على عدة احتمالات، وذلك في ضوء مواقف مختلف الأطراف المؤثرة في هذا القرار داخل وخارج المفاوضات النووية، بحيث يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات أساسية محتملة:

السيناريو الأول: إخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية؛ وهو السيناريو الذي تفضله الإدارتان الأمريكية والإيرانية. ويقع تطبيق القرار تقنياً ضمن صلاحيات الإدارة الأمريكية المباشرة. ويمكن أن يُقنع مثل هذا القرار الجانب الإيراني بالعودة إلى الاتفاق النووي، وبالتساهل بشأن مسألة الضمانات التي يطالب بها فيما يتعلق بالتزام الإدارات الأمريكية اللاحقة. ويعني ذلك عملياً إنجاز الاتفاق النووي الجديد، لكنّه يعني بشكل أو بآخر أيضاً القضاء على آمال توسيع الاتفاق النووي. ويواجه القرار مقاومة داخل أروقة صنع القرار الأمريكي، كما يواجه مقاومة من جانب حلفاء واشنطن الإقليميين، وسط صمت أوروبي. وتحاول الإدارة الأمريكية ترويض المقاومة الداخلية، عبر تليين موقف بعض النواب، من خلال التلويح ببقاء أنظمة عقوبات مفروضة على الحرس الثوري، وتحاول واشنطن إدارة المعارضة الإقليمية عبر طمأنة الأطراف بالتزامها بأمن الحلفاء في المنطقة، واستخراج ضمانات من إيران بوقف برنامج التوسع الإقليمي. إلا أن تلك المقاومة الداخلية والإقليمية، إلى جانب رفض إيران تقديم مثل تلك الضمانات، يقللان من احتمال نجاح هذا القرار الذي من شأنه أن يتيح للحرس الثوري الانخراط في عقود عسكرية مع بقية بلدان العالم.

السيناريو الثاني: إخفاق محاولة إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية؛ ويفترض السيناريو ألا تستطيع الإدارة الأمريكية تليين المواقف المعارضة، أو مقاومتها، وألا تستطيع استخراج ضمانات من إيران بالالتزام بتهدئة إقليمية حقيقية مقابل القرار. وفي هذه الحالة يكون الاتفاق النووي أمام عقبة حقيقية، نتيجة الإصرار الإيراني على ضرورة إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب باعتباره شرطاً جوهرياً لإنجاز الاتفاق النووي. وعلى الرغم من محاولات الحكومة الإيرانية إيجاد حلول وسطية، تعمل على سحب الموضوع من دائرة المناقشات إلى ما بعد الاتفاق النووي، فإن ردود الفعل الصادرة عن شخصيات مقربة من الحرس الثوري، ومن مكتب القائد خامنئي، لا ترجح نجاح محاولات الحكومة في هذا المسعى. 

السيناريو الثالث: تأجيل القرار بشأن إخراج الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية؛ ويصبح مثل هذا السيناريو الوسطي، مُمكناً في حال توافق الإدارتين الأمريكية والإيرانية على تأجيل مناقشة الموضوع إلى ما بعد إنجاز الاتفاق النووي، على أن تُقْدم الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية على تبادل رسائل شفاهية، تؤكد بموجبها الإدارة الأمريكية على التساهل بشأن التعاون مع الحرس الثوري، وأن تقدم الحكومة الإيرانية رسائل ضمانات غير معلنة بشأن تجميد أنشطة التوسع الإقليمي، أو تقليصها بشكل جوهري. وهذا السيناريو الذي تشير مصادر إلى أن الجانبين أجريا مناقشات بشأنه، هو الآخر يواجه عقبات، من ضمنها: موقف سلطة القضاء الأمريكية التي يخولها القرار باتخاذ إجراءات قضائية مستقلة بشأن التعاون مع الحرس الثوري، باعتباره منظمة إرهابية. وما إذا كانت الالتزامات الشفهية تستطيع تليين موقف المعارضين داخل إيران، والولايات المتحدة، والحلفاء الإقليميين.

رابط مُختصَر: https://epcenter.ae/36W9GYw

عن "مركز الإمارات للسياسات"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية