الحياد أم الانحياز؟ قراءة أولية في مأزق تركيا مع الحرب الأوكرانية

الحياد أم الانحياز؟ قراءة أولية في مأزق تركيا مع الحرب الأوكرانية


02/03/2022

 مقاربة تركية أعلنها الرئيس التركي تتضمّن أنّ أنقرة توازن في مواقفها وعلاقاتها مع روسيا وأوكرانيا، على خلفية "الغزو" الروسي لأوكرانيا، في ظلّ شبكة علاقات استراتيجية "اقتصادية وعسكرية" مع موسكو وكييف في آنٍ معاً، وكان إعلان الرئيس التركي استعداده لوساطة بين الطرفين أبرز عناوين الاستراتيجية التركية تجاه الأزمة، قبل وبعد إعلان "الغزو".

محدّدات ومرجعيات المواقف التركية تبدو متناقضة، تعكس التداخل والتناقض الذي بنته أنقرة خلال الأعوام الماضية في علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، بما في ذلك علاقاتها مع حلف الأطلسي واستعدادها للتخلي عن عضويتها فيه، والتصعيد مع أمريكا وأوروبا في سياسات العثمانية الجديدة، وعقدها صفقة صواريخ "إس400" الروسية التي كانت مثار شكوك عند الأمريكان والأوروبيين بحقيقة التوجهات التركية، منعت عنها توريد طائرات أمريكية "إف 35" وأسلحة نوعية أخرى، وبالتزامن فإنّ علاقات أنقرة مع موسكو بقيت موضع شكوك روسية، ظهرت بتناقضات مواقفهما في سوريا وفي ليبيا وأذربيجان وغيرها من الساحات، بما فيها ملفات مكافحة الإرهاب، ارتباطاً بالفهم التركي للإرهاب، والذي يقتصر على الفصائل الكردية المسلحة التي تقاتل الجيش التركي.

إشكالية الموقف التركي أنّه غير حاسم تجاه طرفي الصراع، ويريد طرح الملفات على طاولة المفاوضات للتفاوض على المكاسب من الطرفين، وهو ما تدركه موسكو وواشنطن

لقد جاءت الأزمة الأوكرانية في سياقات إعادة تموضع تركيا في علاقاتها الدولية والإقليمية باتجاه ما يُعرف بـ"تصفير المشاكل"، وهو ما يفسّر طي صفحة خلافاتها مع العواصم العربية   (القاهرة والرياض وأبو ظبي)، إلّا أنّ طبيعة أزمة روسيا التي تتجاوز عنوانها المتمثل بأوكرانيا، جعلت خيارات أنقرة محدودة، لا سيّما بعد مواقف غير مسبوقة لحلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبي في دعم أوكرانيا بكافة الحقول العسكرية والاقتصادية.

اقرأ أيضاً: هل خدمت الحرب في أوكرانيا مفاوضات النووي الإيراني؟

عضوية أنقرة في حلف الناتو كانت المرجعية الأبرز في بناء مواقفها تجاه الأزمة، ورغم محاولات القيادة التركية انتهاج سياسة مزدوجة تجاه الأزمة عنوانها خطاب سياسي معتدل لا يذهب بعيداً بإدانة موسكو، إلّا في إطار ما يتطلبه الخطاب الدبلوماسي، لكنّها أقدمت على خطوات ميدانية لا بدّ أنّ الجانب الروسي فهمها بأنّ أنقرة منحازة لأوكرانيا عبر (3) محطّات؛ وهي: الأولى: تزويد الجيش الأوكراني بطائرات بيرقدار التركية المسيّرة، والتي تؤكد كييف أنّها تؤدي دوراً قتالياً غير مسبوق في مواجهة الجيش الروسي، والثانية: إغلاق الممرات التركية من وإلى البحر الأسود أمام السفن الحربية وفقاً لاتفاقية "مونترو" عام 1936، ورغم أنّ هذا الإغلاق يشمل السفن الحربية غير الروسية، إلّا أنّ المستهدف به روسيا، أمّا المحطة الثالثة، فتتمثل بإعلان تركيا دخولها على خط توفير بدائل لإمدادات الغاز الروسي لأوروبا عبر طرح مشروع بتعاون مشترك بين تركيا وإسرائيل لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، رغم أنّه محاط بعقبات من بينها اتفاقات بين قبرص واليونان وإسرائيل، وشكوك أوساط إسرائيلية بأهداف تركيا من التقرّب من إسرائيل في هذه المرحلة.

 

اقرأ أيضاً: مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا

حسابات أنقرة دقيقة في الأزمة الأوكرانية، فبالإضافة إلى مرجعيات العلاقات العسكرية والاقتصادية مع موسكو وكييف، فإنّ إصرار تركيا على وحدة الأراضي الأوكرانية، ورفض خطوات موسكو بدعم الانفصاليين، جاء ضمن حسابات تركية تعكس مخاوف من خطوات مماثلة بالنسبة إلى الأكراد في شمال سوريا، وهو محدّد من محدّدات عديدة تحكم الاستراتيجيات التركية.

تداعيات الحرب في أوكرانيا لم تتبلور بعد، لكنّ مقاربة "الحياد" التي تعلنها تركيا في تبرير قراراتها ستزداد الشكوك حولها من قبل موسكو، خاصة في ظلّ ميول أنقرة لجانب كييف بمواقف تتجاوز الدعم السياسي، لا سيّما في ظلّ ردود الفعل الغربية السريعة والشديدة بعقوبات واسعة ضد روسيا، التي لن تتمكن معها أنقرة من الخروج عليها بأيّ صيغة، وهو ما سيجعلها في موقف محرج تجاه علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا.

 

اقرأ أيضاً: استفزازات إيران ترفع درجة التوتر مع إسرائيل: هل تندلع المواجهة؟

مؤكد أنّ الموقف من السياسات التركية تجاه الأزمة وجوهرها "الحياد"، في رسالة مشكوك فيها من قبل موسكو، و"الانحياز" في رسالة هي موضع شكوك أعمق أيضاً بالنسبة إلى واشنطن وأوروبا، سيعتمد على اتجاهات تطوّر الأزمة والحرب لاحقاً، لكنّ المؤكد أيضاً أنّ هذا الحياد والانحياز الغامض لن يرضي طرفي الصراع في الأزمة.

محدّدات ومرجعيات المواقف التركية تبدو متناقضة، تعكس التداخل والتناقض الذي بنته أنقرة خلال الأعوام الماضية في علاقاتها مع أمريكا والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة أخرى

إشكالية الموقف التركي أنّه غير حاسم تجاه طرفي الصراع، ويريد طرح الملفات على طاولة المفاوضات للتفاوض على المكاسب من الطرفين، وهو ما تدركه موسكو وواشنطن، إلّا أنّ طبيعة الأزمة لا تسمح بمزيد من المناورات التي اعتادتها القيادة التركية خلال الأعوام الماضية، وهو ما يعني أنّ سيناريوهات استمرار الشكوك من قبل موسكو وواشنطن بسياسات ومواقف أنقرة ستبقى الطابع العام الذي يحكم علاقاتها مع الطرفين، فرغم عضويتها بحلف الناتو إلّا أنّ أنقرة ظهرت في الأزمة ملحقة بالحلف، ورغم الأرضية التي توفرها الأزمة لتوسيع الاتحاد الأوروبي إلّا أنّ المؤكد أنّ ضمّ تركيا للاتحاد الأوروبي ما زال بعيد المنال بالنسبة إلى أنقرة، وبالتزامن، فإنّ إقدام موسكو على قرارات تسهم بتوثيق العلاقة مع أنقرة موضع شكوك، بل إنّ البحث اليوم حول طبيعة الردود الروسية على أنقرة، رغم حاجة موسكو لأن تكون مواقف أنقرة لصالحها في ظلّ العقوبات الدولية الواسعة عليها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية