الخطر النوويّ..."يتخصّب"!

الخطر النوويّ..."يتخصّب"!


11/09/2022

فارس خشان

بعد جولة على المخاطر التي تُحدق بالعالم، استعاد صديقي، بخليط من الجد والهزل، القول اللبناني الشهير:" نيّال اللي عندو مرقد عنزة في جبل لبنان".

وكان اللبنانيون، أقلّه منذ نهاية العام 2019، مع الإنهيار الكبير الذي شهدته "بلاد الأرز" على مختلف المستويات قد ركنوا جانبًا هذا القول إلى حدّ دفع بمن لا تتوافر لهم قدرات الهجرة الشرعية إلى رمي أنفسهم وعائلاتهم في "قوارب الموت".

وإحياء صديقي لهذا القول ليس عبثيًّا، فمن يُدقّق جيّدًا بالحال التي وصل إليها العالم، في الأيّام القليلة الماضيّة، على خلفيّة المخاطر المحتملة الناجمة عن البرامج النووّية، سواء أكانت سلميّة أم عسكريّة، يُصَب بقشعريرة الرعب.

كلّ هذا الرعب بدأ مع تعثّر الغزو الروسي لأوكرانيا الذي شجّع الغرب على تقديم ما يمكن من دعم معنوي ومادي وعسكري ل"المقاومة الأوكرانيّة"، إذ راح "زعيم الكرملين" يُهدّد العالم باستعمال ترسانته النوويّة، التكتيكيّة والإستراتيجيّة، في حال فكّر بعضهم بإلحاق هزيمة بجيشه.

بعض القادة الدوليين أخذوا تهديدات بوتين على محمل الجدّ، في ظلّ حملة دعائية صوّرته "مجنونًا" ويمكن أن يُقدم على عمليّة انتحاريّة غير محسوبة، بحيث رفعوا، كما هي عليه حال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شعار "وجوب عدم إذلال روسيا"، في وقت كان آخرون يجزمون بأنّهم سوف يتجنّبون أن يصبحوا شركاء أوكرانيا في الحرب.

ولكنّ هذا السلوك الدولي الذي أخمد، مرحليًا القلق الناجم عن اللجوء الروسي الى السلاح النووي، لم يُبعد شبح "نهاية العالم" عن الوجدان الشعبي مع انتقال الهواجس الى القلق على مصير مفاعل "تشرنوبيل" النووي، على الرغم من توقّفه عن العمل منذ العام 2000، بفعل الخلل الذي أصاب بنيته التحتيّة، نتيجة العمليات العسكريّة التي سمحت للجيش الروسي باحتلاله.

وما كادت الأمور، بعد معالجات تقنية ودبلوماسية ودولية، تهدأ على جبهة "تشرنوبيل" حتى انتقلت المخاوف، وبنسبة مضاعفة تلامس حدود الكارثة، إلى مصير مفاعل "زاباروجيا" النووي الذي هو الأضخم في أوروبا، بعدما احتلّه الجيش الروسي، وحوّل المناطق المحيطة به الى منصّة استهداف للقوات الأوكرانيّة.

ومن تمكّن، في ظلّ استقطاب موت الملكة إليزابيت الثانية وتنصيب وليّ عهدها شارل الثالث على العرش البريطاني للرأي العام، من متابعة شؤون عالميّة أخرى، توقّف بوجل أمام النداء الذي وجّهه، أوّل من أمس، وفي ضوء إجراءات التفتيش والتدقيق، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة الأرجنتيني رافايل غروسي.

غروسي، وفي إطلالة "كاساندراويّة"، حذّر العالم من مأساة نوويّة ضخمة، في حال لم تتّخذ إجراءات عاجلة جدًّا تهدف الى نزع السلاح كلّيًا ليس من مقرّ المفاعل فحسب بل من كلّ المناطق المحيطة به، أيضًا.

وفي تفسير لكلام غروسي الذي وافقت عليه أوكرانيا، فورًا ولا تزال روسيا ترفضه، فإنّ إطفاء المحرّكات السبعة المولّدة للكهرباء التي يضمّها المفاعل، من شأنه أن يحول دون تبريد المواد النووية ممّا يؤدّي الى تسرّبها وانفجارها، ولهذا، فإنّ اللجوء الى المحرّكات العاملة على المواد النفطية لتوليد الكهرباء المبرّدة للمواد النوويّة، هو تدبير مؤقّت للغاية ولن يعفي العالم من مخاطر انفجار مستقبلي.

ولولا تلهّي الرأي العام ب"ماتت الملكة وعاش الملك"، لكان البشر عمومًا والأوروبيون خصوصًا، قد بدأوا بتلاوة "فعل الندامة" على اعتبار أنّ "نهاية العالم" باتت وشيكة جدًّا.

في هذا الوقت، كانت كوريا الشماليّة التي تعاني جوعًا غير مسبوق في تاريخها تُبعد بيد زعميها كيم جونغ إيل العروض المقدّمة لها من كوريا الجنوبيّة بتوفير ما يلزمها من مساعدات، إذا وافقت على مبدأ تقليص ترسانتها النوويّة، وتُعلن بقرار "برلمانها" عقيدتها النوّوية القائمة على وجوب اللجوء إلى سلاحها النووي، حتّى وقائيًا، في حال تعرّضت لأي نوع من الخطر.

ولا يوجد في العالم من يُمكنه أن يتنبّأ بسلوك الزعيم الكوري الشمالي، فهو، بالإستناد الى ما يُروى عنه، تخطّى بأشواط نوعيّة مستوى الجنون، وتاليًا هو يملك كلّ المؤهلات ليفاجئ العالم، في لحظة ما، بصناعة "يوم القيامة"!

ومن كوريا الشمالية، يُمكن الإنتقال الى إيران التي يظهر جليًّا أنّ المتشدّدين فيها قد قطعوا أشواطًا في فرض إرادتهم الرامية الى مواصلة البرنامج النووي الذي أثبتت المعطيات المتوافرة للوكالة الدولية للطاقة الذريّة منحاه العسكريّ.

وسط هذه المشهديّة الخطرة، يتصاعد التنافس الأمريكي-الصيني.

وتدرك الصين أنّها لا تستطيع مقارعة الولايات المتّحدة الأميركيّة عسكريًّا، ولكنّها، في ضوء "الإنحرافات" الروسيّة والكوريّة الشماليّة والإيرانية، يمكنها استخدام هؤلاء "الحلفاء" لتحقيق أهداف بوسائل لا تزال هي "أعقل" من اللجوء إليها، مباشرة.

هناك تسليم بأنّ العالم يشهد حاليًا محاولات حثيثة لتغيير معادلة النفوذ الراسخة فيه، من أجل خلق مجتمع دولي متعدّد الأقطاب، ولكن من يتمنّون ذلك، يتجاهلون أنّ الدروس المستقاة من الحربين العالميتين الأخيرتين، أثبتت أنّ تغيير المعادلات التي تتحكّم بالعالم، لا يُمكن أن ينضج إلّا على صفيح ساخن جدًّا، في زمن أصبحت فيه الكلمة العليا للسلاح النوويّ الذي يُمكنه أن يعيد البشريّة الى عصرها الحجريّ.

بالنسبة لصديقي، وفي خليط من الجدّ والهزل، هناك دولة أنقذت نفسها من أيّ خطر نووي، بعدما دمّرت نفسها بنفسها، وهي لبنان الذي سوف يستخسر العالم رميه حتى بأصغر قنابله النوويّة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية