السودان وحكم "الإخوان"... البشير يلعب على الحبال (3 – 6)

السودان وحكم "الإخوان"... البشير يلعب على الحبال (3 – 6)

السودان وحكم "الإخوان"... البشير يلعب على الحبال (3 – 6)


17/04/2024

حامد الكناني

يتحدث التقرير الدبلوماسي المرسل في الثالث من فبراير (شباط) 1989 من السفارة البريطانية في بغداد إلى مرجعيتها في لندن باختصار عن زيارة الرئيس السوداني أحمد الميرغني إلى العراق، التي تعد الزيارة الثالثة له خلال فترة رئاسته في الفترة من السادس من مايو (أيار) 1986 وحتى الـ30 من يونيو (حزيران) 1989. زار الميرغني بغداد نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 1989 على رأس وفد ضم وزير الدولة لشؤون العمال السودانيين في الخارج الدكتور إبراهيم الأمين، الذي أجرى بدوره محادثات مع وزير العمل العراقي حول أزمة التحويلات المالية للعمال السودانيين التي خلقتها السلطات العراقية بغية ترحيلهم. وكانت حجة بغداد أن حكومة بلادها لديها نقص في العملة الصعبة، ولهذا السبب تقدم أكثر من 100 من العمال السودانيين في العراق، التخلي عن تحويلاتهم المالية لفترة من الزمن، وذلك لمساعدة العراق، لكن الرئيس العراقي صدام حسين رفض المقترح وشكر العمال السودانيين على موقفهم.

زيارة الميرغني للعراق

جاءت زيارة الرئيس السوداني أحمد الميرغني بعد توتر وتراجع شهدته العلاقات السودانية - العراقية بسبب سياسات حكومة الصادق المهدي وعلاقاتها المريبة مع طهران، لاسيما الطريقة التي رد بها المهدي على اغتيال المعارض العراقي مهدي الحكيم في الخرطوم في يناير (كانون الثاني) 1988. كما تزامنت الزيارة مع زيارة المبعوث الخاص للأمم المتحدة يان إلياسون إلى بغداد، جاء في التقرير الدبلوماسي الصادر في الثالث من فبراير (شباط) 1989 عن السفارة البريطانية في بغداد، ما نصه:

"أجرى الميرغني محادثات مع الرئيس صدام حسين والنائب الأول لرئيس الوزراء طه ياسين رمضان ناقشا خلالها الوضع في فلسطين والوضع في لبنان ومجموعة من القضايا الثنائية. وأعرب الزعيمان عن دعمهما لمبادرة الجامعة العربية الحالية في شأن لبنان. وشكر الميرغني العراق على مساعداته للسودان خلال فيضانات العام الماضي (1988). وقبل صدام حسين دعوة إلى زيارة السودان في المستقبل القريب. بصرف النظر عن هذا والاجتماع مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت إبراهيم، يبدو أن زيارة الميرغني كانت احتفالية إلى حد كبير، إذ واجه مشكلات طوال زيارته: حتى أنه أمضى يومين في البصرة (على الأرجح لإبقائه مشغولاً خلال زيارة إلياسون إلى بغداد)".

يمضي التقرير الدبلوماسي: "قدمت لنا السفارة السودانية رواية متشائمة إلى حد ما عن زيارة الميرغني، وهي الثالثة له إلى العراق. لم تشمل المحادثات الرسمية سوى قليل من القضايا الجديدة. وكرست مناقشة العلاقات الثنائية إلى حد كبير لظروف 250 ألف عامل سوداني مغترب في العراق، ولم يلتزم العراقيون بتقديم مزيد من المساعدات للسودان (على رغم الإشارة المفعمة بالأمل إلى المساعدات المستقبلية في سياق بيان صحافي أدلى به الميرغني)".

كان هناك أيضاً القليل من النقاش حول مفاوضات السلام. وقال البيان الصحافي المشترك الصادر بعد الزيارة إن الجانبين متفقان تماماً على "القضايا الإقليمية" بينما في المؤتمر الصحافي الذي عقد في نهاية زيارته، اكتفى الميرغني بالقول إنه يقدر تدابير بناء الثقة العراقية الأخيرة، ومما أثار خيبة أمل السودانيين أن العراقيين رفضوا إصدار بيان، ووافقوا فقط على بيان صحافي مشترك. وفسر السودانيون ذلك على أنه مؤشر على مدى ضآلة الأهمية التي يعلقها العراقيون على الزيارة".

موقف بغداد من انقلاب البشير

حول موقف الحكومة العراقية من الانقلاب العسكري والحكومة السودانية الجديدة تشير البرقية رقم: 471 الصادرة عن السفارة البريطانية في بغداد بتاريخ السابع من يوليو (تموز) 1989 والمرسلة إلى مرجعيتها في لندن، إلى تصريح وزير خارجية العراق طارق عزيز في هذا الشأن. جاء في البرقية ما نصه:

"في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية في الثاني من يوليو (تموز)، قال وزير الخارجية طارق عزيز إن الأحداث الأخيرة في السودان (الانقلاب العسكري) كانت شأناً داخلياً، وأن العراق يحترم اختيار الشعب السوداني، وأضاف أنه لا يعتقد أنه من الضروري الاعتراف بالنظام الجديد. وستتعامل بغداد مع الأحداث بحذر، وكان سفيرها في الخرطوم حضر بالفعل اجتماعاً دعا إليه العميد البشير".

"كان رد الفعل العراقي على الانقلاب حذراً. وتجنبت افتتاحية طويلة نشرت في صحيفة الثورة في الثالث من يوليو ربما كانت تعكس سياسة الحكومة العراقية إلقاء اللوم على الصادق المهدي في أخطاء الماضي، لكنها رحبت بالنظام الجديد، معربة عن أملها في أن يكون لديه التصميم على حل مشكلات السودان. وعلى رغم ذلك ربما لن يشعر العراقيون بالأسف الشديد لنهاية الصادق المهدي. لم يحاولوا إخفاء استيائهم من محاولاته للعمل كوسيط خلال حرب الخليج، وانزعجوا من الطريقة التي رد بها على اغتيال مهدي الحكيم. وعلى رغم أن العلاقات تحسنت خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ قدم العراق للسودان الإغاثة الطارئة بعد الفيضانات في سبتمبر (أيلول) 1988 وكميات من الأسلحة في وقت لاحق من ذلك العام، فإن العراقيين يأملون بلا شك في أن تكون لديهم علاقة أفضل مع حكومة البشير".

تصدير النفط العراقي للسودان

تجيب السفارة البريطانية في بغداد في برقيتها الصادرة في الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) 1989 على استفسار مثيلتها في الخرطوم التي كانت طلبت من وزارة الخارجية البريطانية تزويدها بأية معلومة متوفرة حول إمدادات النفط العراقي إلى السودان. جاء في البرقية السرية ما نصه:

"لعلكم تعلمون أن عضو مجلس قيادة الثورة السوداني العقيد صلاح الدين كرار زار العراق الأسبوع الماضي، إذ التقى النائب الأول لرئيس الوزراء طه ياسين رمضان ومسؤولين من وزارة المالية. وأخبرنا مصدر في السفارة السودانية أنه على رغم أن رمضان أكد رغبة العراق في رؤية تحسن في علاقته مع السودان، إلا أنه لم تناقش في صلب الموضوع، ولم يكن هناك اتفاق على تصدير النفط العراقي إلى السودان. أتيحت لكرار أيضاً فرصة للقاء العمال السودانيين في العراق (نفهم أن هناك نحو 250 ألفاً من السودانيين). وكما الحال بالنسبة إلى الجالية المصرية، هناك شيء من الترحيل الجماعي يحدث للسودانيين وجميع الرحلات الجوية إلى الخرطوم (أربع رحلات في الأسبوع) محجوزة الآن لأكثر من شهرين مقبلين. ومرة أخرى يواجه العمال السودانيون صعوبات في تحويل العملة الصعبة (من الناحية النظرية قد يحولون 360 دولاراً سنوياً إلى السودان) ولكن بشكل عام، وفقاً للسفارة السودانية يواجهون انتهاكات أقل من العراقيين مقارنة بالمصريين. وتؤكد هذه الرواية عن الزيارة انطباعنا العام بأن العراقيين يواصلون إبقاء النظام الجديد في السودان على مسافة بعيدة. على رغم أن صدام حسين (بشكل محبط) أجرى مقابلة حديثة مع صحيفة الوطن العربي التي تتخذ من باريس مقراً لها".

صدام يرفض مقترح العمال السودانيين

يقدم محضر الـ21 من آذار (مارس) 1989 سرداً للمقترحات المتعلقة بالتحويلات السودانية في وقت انعقاد اللجنة المشتركة الأخيرة بين العراق والسودان، ولكن يبدو كما لو أن العراقيين، أياً كان ما اتفق عليه، لا يفون بالتزاماتهم على رغم مقالة نشرت في صحيفة الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) في صحيفة بغداد أوبزرفر تفيد بأن صدام رفض، مع الشكر، والعرض الذي قدمه 105 عمال سودانيين بالتخلي عن تحويلاتهم المالية لفترة من الوقت لمساعدة العراق يعني ضمناً أن التحويلات المالية مستمرة بشكل عام. ليس من الواضح ما إذا كانت نسبة السودانيين الذين يغادرون الآن هي نفس نسبة المصريين، ولكن على رغم أنني أتصور أن التعامل مع العمال السودانيين في كثير من الأحيان ليس أفضل من التعامل مع عديد من المصريين، فإن ما ينقصنا هو العداء الشخصي من جانب العراقيين، ولا شك أن العدد النسبي للسودانيين أقل بكثير".

اعتقالات منسوبي حزب البعث

يعلق السفير البريطاني في بغداد حول أسباب الخلافات العراقية - السودانية قائلاً "أوضح زميلي في السفارة السودانية أن العداء العراقي الحالي للسودان ناتج إلى حد كبير من معاملة النظام الجديد لمنتسبي حزب البعث السوداني. ويبدو أن اعتقال عدد من نشطاء الحزب في السودان في منتصف أغسطس (آب) زاد من إزعاج العراقيين. السفارة السودانية نفسها في حال اضطراب حالياً. تم استدعاء السفير إلى الخرطوم مباشرة بعد زيارة عضو مجلس قيادة الثورة العميد الزبير محمد صالح (على ما يبدو لأن العميد لم يكن راضياً عن عمل السفارة)، ومن المقرر أن السفير السوداني الحالي لدى باريس يحل محله يوسف المختار. المختار دبلوماسي محترف من دون تعاطف سياسي ويتمتع بسمعة طيبة في الكفاءة. وحتى قبل وصوله إلى بغداد، أمر بإجراء مراجعة كاملة للموظفين في السفارة. ومع ذلك وعلى رغم هذه التغييرات من الصعب تصور أي تحسن كبير في العلاقات العراقية - السودانية. ولا يزال العراقيون لا يثقون في النظام السوداني... وربما يفضل العراقيون النظام الجديد على حكومة الصادق الماضية. ومع ذلك سيستمرون في مراقبة الثورة بعناية، وسيكون العراقيون مهتمين على وجه الخصوص بأي تحسن في العلاقات بين السودان ومصر التي من المحتمل أن يفضلوها، خلاف السودان وليبيا التي لن يرحبوا بها نظراً إلى مخاوف العراق في شأن تشاد".

تصحيح مسار العلاقات مع العراق

تشير البرقية رقم: 020/10 الصادرة عن السفارة البريطانية في الخرطوم والمرسلة في الـ28 من أغسطس (آب) 1989 إلى مرجعيتها في لندن إلى تغيير مسار السياسة الخارجية السودانية مع بدء مرحلة الحكم العسكري الثالث في السودان والتقرب من بغداد بدل طهران. جاء في التقرير:

 "حدثت تطورات غريبة ومتناقضة على ما يبدو في العلاقات السودانية - العراقية والسودانية - الإيرانية في الأيام الأخيرة. على الجانب العراقي كانت هناك زيارة قام بها وزير المالية السوداني إلى بغداد الأسبوع الماضي، التي أبلغ عن عدم نجاحها في الرسالة الهاتفية المؤرخة في الـ27 من أغسطس إلى وزارة الخارجية. على رغم هذا الفشل، أو ربما بسببه، توجه رئيس مجلس قيادة الثورة عمر حسن البشير إلى العراق في الـ28 من أغسطس لمناقشة التعاون الثنائي وفقاً لراديو أم درمان. وفي اليوم نفسه أعلن أن السودان سيستدعي سفيره لدى إيران لإجراء "مشاورات" بسبب برنامج تلفزيوني بث في طهران يشير إلى أن انقلاب الـ30 من يونيو (حزيران) حرضت عليه دول مثل مصر والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، واتهم مجلس قيادة الثورة بالغموض غير المقبول في موقفه تجاه الشريعة".

يمضي التقرير "هذه الحجة مثيرة للشك لأن قلة من الناس هنا سمعوا أو حتى عرفوا عن البرنامج التلفزيوني الإيراني، وحتى إن عرفوا سيهتم عدد قليل بذلك. كما أنه لا يتناسب مع القضية، التي ظهرت في "محاضر" مجلس قيادة الثورة الموصوفة في برقية رقم: 014/5 الصادرة عن السفارة بتاريخ الـ22 من أغسطس (آب)، التي تفيد بأنه كان من المقرر إرسال أشخاص إلى إيران للتدريب كـ"حرس ثوري". وهناك تطور آخر في هذه القضية، إذ يزعم أن الزعيم البرلماني السابق للجبهة الإسلامية القومية علي عثمان محمد طه، وعضو الجبهة الإسلامية القومية مهدي إبراهيم، سافرا إلى طهران لبدء برنامج التدريب، لكن الإيرانيين رفضوا لأنهم لم يشغلوا أي منصب رسمي في الحكومة السودانية، وأراد الإيرانيون التعامل في الأقل مع مسؤول حكومي في البداية. تفسيرنا المبدئي عن كل هذا هو أن مجلس قيادة الثورة لديه سياسة متماسكة، فقد قرروا أن العراق ربما يكون أكثر قدرة على منحهم ما يريدون بتعقيدات أقل من إيران، وبالتالي استخدموا البرنامج التلفزيوني الإيراني لجعل العراقيين أكثر ميلاً تجاههم،  لكنهم اتخذوا خطوة محدودة حتى إذا خيب العراقيون أملهم، فيمكنهم تجربة حظهم مع الإيرانيين".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية