السودان وحكم "الإخوان"... حرب الجنوب والسلاح العراقي (2 -6)

السودان وحكم "الإخوان"... حرب الجنوب والسلاح العراقي (2 -6)

السودان وحكم "الإخوان"... حرب الجنوب والسلاح العراقي (2 -6)


16/04/2024

حامد الكناني

استعرضنا في الحلقة الماضية جانباً من تصريحات مدير الاستخبارات العسكرية في السودان محمد أحمد مصطفى الدابي الذي بدأ معارضاً للسياسات الغربية في المنطقة العربية ومنحازاً للعراق في أزمته مع المجتمع الدولي الناتجة من غزو الكويت عام 1990. مثل هذه الآراء التي وصفها التقرير البريطاني بالسطحية والساذجة زادت من التكهنات حول احتمالية التعاون بين السودان والعراق للالتفاف على العقوبات الدولية الصادرة ضد العراق، كما استغلت الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها جون قرنق دي مابيور العلاقات ما بين الخرطوم وبغداد لا سيما العسكرية منها وضخمت أخطار سياسة الجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن الترابي الهادفة لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان لصالحها. وأسوة بالمعارضة العراقية أقدمت الحركة الشعبية لتحرير السودان المدعومة من الولايات المتحدة على صياغة تقارير أمنية أساسها إشاعات وتكهنات أدت إلى تحريض أطراف غربية عدة ضد الحكومة السودانية، وتمكن زعيمها (قرنق) من حشد المجتمع الدولي وتحقيق أهدافه الانفصالية.

شحنات عسكرية عراقية

وحول تحريضات الحركة الشعبية لتحرير السودان وسعيها لكسب الدعم الغربي لاعتبارات طائفية وسياسية، تتحدث إحدى الوثائق البريطانية عن لقاء أحد كوادر وزارة الخارجية البريطانية في لندن مع القائم بأعمال ممثل الجيش الشعبي لتحرير السودان، جون لوك جوك. جاء في الوثيقة ما نصه:

"بناءً على طلبه، عقدت اجتماعاً (خارج المكتب) صباح 30 أغسطس (آب) 1990 مع القائم بأعمال ممثل الجيش الشعبي لتحرير السودان في لندن. كان الغرض الرئيس من الاجتماع هو تمكين جون لوك جوك من نقل رسالة من قرنق حول تداعيات أزمة الخليج على السودان. ووفقاً لما ذكره لوك جوك، كان لدى الجيش الشعبي لتحرير السودان أدلة دامغة على أن النظام في الخرطوم تسلم خلال النصف الثاني من يوليو (تموز) شحنات كبيرة من المعدات العسكرية العراقية، بما في ذلك الدبابات والأسلحة الكيماوية. كان لدى الجيش الشعبي لتحرير السودان سبب وجيه للاعتقاد أن الأسلحة الكيماوية سيستخدمها نظام الخرطوم في هجوم عسكري قادم ضده وسيتم توجيهها على وجه التحديد إلى المناطق المدنية خلف خط المواجهة لأن الجيش السوداني ليس لديه حماية ضد الأسلحة الكيماوية نفسها. وكان قرنق قد طلب لفت انتباه الحكومات الغربية، بما في ذلك حكومة جلالة الملكة (بريطانيا)، إلى قلق الجيش الشعبي لتحرير السودان في شأن هذا التطور، كما طلب من ممثلي جيش قرنق في الخارج تذكير الحكومات الغربية بأن لديه في الجيش الشعبي لتحرير السودان حركة تحرير تقاتل ضد واحدة من الحكومات العربية القليلة التي تقدم الدعم للعراق. وجد قرنق أن الغرب من غير المرجح أن يساعد جيشه بشكل مباشر، لكنه أراد من الحكومات المتعاطفة أن تتواصل نيابة عنه لمعرفة ما إذا كان من الممكن تخصيص الأموال التي قدمت للنظام، أن تقدم لجيشه الشعبي. يعتقد قرنق أن بعض الأنظمة مهتمة جداً في زعزعة استقرار أي حكومة تدعم صدام حسين. ولم يعتقد أن نهج الجيش الشعبي لتحرير السودان سيكون بعيد المنال إذا لم يتم دعمه بمقاربات موازية، خصوصاً من قبل البريطانيين والأميركيين".

ورداً على سؤالي قال لوك جوك إنه "وفقاً لمعلومات الجيش الشعبي لتحرير السودان، فإن دعم السودان للعراق يقتصر على السماح بتمركز الطائرات العراقية في السودان وتجنيد المتطوعين السودانيين للقتال إلى جانب العراق في أي صراع. وكان المتطوعون السودانيون قد قاتلوا من أجل العراق ضد إيران وكانوا من بين الذين يطلق سراحهم الآن في التبادل الحالي للأسرى. وكان أنصار النظام المتشددون يوقعون على الذهاب إلى العراق بأعداد كبيرة، لكن الجيش الشعبي لتحرير السودان لم يستطع القول ما إذا كان أي سوداني قد ذهب بالفعل إلى بغداد".

تجاهل مبارك للبشير

وحول الوضع الداخلي في السودان قال لوك جوك "إن المحاولات السابقة لإقناع الأميركيين بتوفير الأسلحة للجيش الشعبي لتحرير السودان وعلى وجه الخصوص، طلباً للحصول على صواريخ ستينغر وصواريخ أخرى قد فشلت... ومع ذلك، كان لدى قرنق انطباع بأن الأميركيين مستعدون الآن لغض الطرف عن مشتريات الجيش الشعبي لتحرير السودان من هذه الأسلحة في السوق المفتوحة، وقد شجعه ذلك بشكل مناسب. أكد لوك جوك أن الدعم المصري لنظام الخرطوم استمر في الخفض لدرجة أن مبارك تجاهل البشير علناً في آخر تجمع للقادة العرب. وبدلاً من ذلك، اقترح مبارك عقد اجتماع مع قرنق كان من المقرر عقده عندما اندلعت أزمة الخليج. لم يتم تحديد موعد جديد للاجتماع. وسمع الجيش الشعبي لتحرير السودان أيضاً أن السفير السوداني في لندن قد أقيل كجزء من عملية اجتثاث عامة للسلك الدبلوماسي السوداني. ومن شبه المؤكد أن البدلاء الذين سيتم إرسالهم كانوا من المؤسسة العسكرية في الخرطوم، ومن دون استثناء، سيكونون من أنصار الجبهة الإسلامية القومية المتشددين"، كرر لوك جوك أيضاً ادعاءه السابق بأن "السفارات مثل تلك الموجودة في لندن كانت مليئة بالمرافقين ومراقبي المجتمع". وأعرب عن اعتقاده أن "المعنيين سيكونون قادرين على القيام بأعمال إرهابية نيابة عن العراقيين على سبيل المثال. وقال إن سفارة لندن كانت في وضع مالي يائس مع عدم وجود أموال تقريباً لدفع فواتيرها".

حرب جنوب السودان

وفقاً لوثيقة بريطانية تعود لمجلس الوزراء البريطاني وصادرة في 17 يونيو (حزيران) 1998 فإن أزمة الجنوب السوداني تعود لمطلع الثمانينيات من القرن الماضي ودعمت الولايات المتحدة المتمردين ضد الحكومة المركزية في السودان. جاء في الوثيقة ما نصه:

"كانت هناك حرب أهلية في جنوب السودان لمدة 30 عاماً بين العرب المسلمين في الثلثين العلويين من البلاد، والمسيحيين الأفارقة في الجنوب. وينظر إلى الدين والشريعة على أنهما السببان الرئيسان للصراع. بعد اكتشاف النفط في جنوب البلاد في أوائل ثمانينيات القرن الـ20، أدت إعادة رسم الحدود المتفق عليها بين الشمال والجنوب من قبل الحكومة في الخرطوم، التي وضعت حقول النفط في الشمال، إلى استئناف القتال في عام 1983. وما فتئ الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي يهدف إلى تقرير مصير جنوب السودان، يشكل المعارضة العسكرية الرئيسة للحكومة السودانية منذ عام 1983. لم يتمكن أي من الطرفين من فرض هزيمة عسكرية على الآخر. وعلى الصعيد الإقليمي، يعتبر السودان دولة منبوذة، وقد تلقت قوات المتمردين ضد الحكومة دعماً من الدول المجاورة، فضلاً عن تلقي الدعم من الولايات المتحدة".

إشاعات تعاون عسكري

المعلومات التي نقلها القائم بأعمال الحركة الشعبية لتحرير السودان للدبلوماسي البريطاني سبق وأن تناقلتها بعض وسائل الإعلام ومنها صحيفة "الديلي تلغراف" في عددها الصادر في الثالث من مارس (آذار) 1989 وكانت السفارة البريطانية لدى الخرطوم بعثت برقية لمثيلتها في بغداد في 13 مارس من العام نفسه نفت فيها صحة هذه المعلومات ووصفتها بالإشاعات. جاء في هذه الوثيقة

"سمعنا عن إشاعات هنا بأن العراق قد وعد وزير الدفاع السوداني، اللواء عبدالماجد حامد خليل خلال زيارته لبغداد في وقت سابق من العام، بتقديم 100 دبابة T55 تم الاستيلاء عليها من الإيرانيين، لكن ثبت أن هذا غير صحيح. الجيش السوداني لديه بالفعل أكثر مما يكفي من T55S القديمة التي لا يمكنهم صيانتها. لا يوجد دور للقوات المدرعة واسعة النطاق هنا ولا أموال لإبقائها في حالة عملياتية. لكننا نفهم أن العراق وافق على إرسال 100 ناقلة جنود مدرعة من طراز M113 تم الاستيلاء عليها من الإيرانيين وحتى الآن رأينا 10 منها وصلت جواً منذ نحو شهر. ومن المفهوم أن البقية يصلون من طريق البحر".

إنهاء جدل الأسلحة العراقية

تضاربت المعلومات حول تزويد السودان بالأسلحة العراقية، بخاصة تلك التي استولى عليها الجيش العراقي من الإيرانيين في حرب الخليج الأولى. تستعرض البرقية الصادرة عن السفارة البريطانية في بغداد في التاسع من مارس 1989 هذه المعلومات:

"نشرت الصحافة المحلية هنا في الثالث من مارس نفياً بارزاً لتقرير ديلي تلغراف بأن العراق قد أعطى السودان عدداً من الدبابات الإيرانية التي تم الاستيلاء عليها. وجاء في البيان العراقي أيضاً أن سياسة بغداد تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أو الأجنبية وأن العراق ليس في حاجة إلى توسيع نفوذه في أي بلد عربي.

منذ نحو اثنين إلى ثلاثة أشهر، كان هناك عدد من تقارير الملحق غير المؤكدة هنا أن بغداد قد أرسلت شحنة من دبابات T-54/55 الإيرانية (غنائم حرب) إلى السودان. وفي الآونة الأخيرة، تلقى الملحق هنا تقريراً من مصدر سري في الخرطوم يفيد بأنه لم يتم تسليم أي دبابات ولكن السودان تلقى، أخيراً، شحنة من ناقلات جنود مدرعة إيرانية M113 تم الاستيلاء عليها خلال الحرب. ومهما كانت حقيقة المزاعم المبلغ عنها في الخرطوم في يناير (كانون الثاني) 1988 حول شحنات جوية عراقية من المدفعية والذخيرة، فإن إنكار العراق لتورطه الحالي في السودان أمر مثير للفضول. وقال مستشار في السفارة السودانية في الثامن من مارس إنه "ليس سراً أن العراق أعطى 200 دبابة من طراز T54/55 للسودان (وهي عراقية، كما ادعى، وليست غنائم إيرانية). وقد نقلت الصحف السودانية هذا الخبر. وكان العراق يدرب أيضاً 400 من أفراد طاقم الدبابات السودانيين".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية