الطريق معبدة أمام قيس سعيد للتغيير

الطريق معبدة أمام قيس سعيد للتغيير


09/09/2021

مختار الدبابي

يستمر الرئيس التونسي قيس سعيد على موقفه وفي خططه ولا يعبأ كثيرا بما يدور من حوله خاصة ما تعلق باستنجاد المعارضة بالضغوط الخارجية، وكان آخرها زيارة وفد الكونغرس الأميركي وبيان لسفراء مجموعة السبع بتونس.

لم تحقق التدخلات الخارجية إلى حد الآن أي اختراق أو مكاسب معلومة بالنسبة إلى الأحزاب الحاكمة قبل 25 يوليو. لا أحد يريدها أن تعود، لا أحد يدافع عنها، أو يقول فيها كلمة حسنة.

وحين سئل عضو الكونغرس إن كان جاء يتدخل لفائدة حركة النهضة الإسلامية، قال لا. وهذا رد على مزاعم الإسلاميين الذين يقولون إن الوفد الأميركي جاء لدعم النهضة، أو أنه ثمرة نفوذ اللوبي الذي تحاول أن تؤسس له في واشنطن.

كل الذي يقوله الوافدون الخارجيون على تونس ممن يبحثون عن مساعدتها في الخروج من الأزمة يعتبر أن ما قبل 25 يوليو صار من الماضي، وأن الحديث يتركز فقط على المستقبل، ويتركون لتونس أن تحدده بالشكل الذي تريد شريطة أن تسرّع خطواتها للاستجابة لعناصر مهمة من بينها التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على الدعم، وهو أمر ضروري وملح.

لا أحد يريد عودة البرلمان السابق بوجهه القبيح مكتمل الصفوف أو معدلا بالتخلي عن نواب متهمين بالفساد أو لديهم قضايا، وحتى وإن أعلن راشد الغنوشي استقالته من رئاسة البرلمان، وهي الخطوة التي كان يفترض أن يخطوها من زمان.

ومن بين العناصر المهمة المطلوبة خارجيا “الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد حتى يتسنى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس”، كما جاء في بيان سفراء دول السبع.

إن القرار كله الآن بيد سعيّد، وقد سلم له بالأمر الداخل والخارج، والفرصة أمامه ليبدأ بإحداث التغييرات الشاملة التي كان يخطط لها وأعاقه الخلاف مع المنظومة السابقة على تنفيذها، ولن يعترض الخارج إذا ما أفضت تلك التغييرات إلى إعادة بناء المؤسسات التي تتولى التواصل والتفاوض وتتعهد بتنفيذ التزامات تونس.

يمكن للرئيس أن يستمر في تفكيك منظومة الفساد، وأن يتحرك في اتجاهات متعددة لإظهار حرصه على ضرب الاحتكار وانحيازه للمواطن الضعيف في وجه لوبيات الفساد التي قويت شوكاتها خلال عشر سنوات حتى باتت أقوى من الدولة وأجهزتها، لكن ذلك لا يمنع من تشكيل حكومة والمرور لانتخاب برلمان يصادق على الالتزامات الخارجية كما تتطلبها التقاليد الدولية.

ومن المهم الإشارة إلى أن الوقت يضغط على الرئيس سعيد لأجل الخروج من المراوحة الحالية في معالجة القضايا الجزئية إلى بناء تصور شامل للتغيير، فالناس الذين يدعمونه ويثقون به وينحازون إلى إجراءاته لضرب شبكات الفساد يريدون أن يروا حلولا لأزمة البطالة ومعالجة الأزمة الاقتصادية بنفس السرعة التي نجح من خلالها في معالجة الأزمة الصحية عبر استثمار علاقاته الخارجية وصورته كرجل نظيف في مواجهة منظومة تلبست بالفساد والمحسوبية.

يمكن أن تتحول الضغوط الخارجية إلى عامل مساعد لتونس في مهمة إصلاح اقتصادها، فالمواقف إلى حد الآن تشترك في إعلان الاستعداد لدعم تونس. وحتى وإن جاءت التدخلات الخارجية بطلب من هذه الجهة أو تلك، أو مست من “السيادة الوطنية”، ففي النهاية يمكن تحويلها إلى عنصر داعم لتغييرات 25 يوليو، خاصة أنها جاءت من شركاء استراتيجيين من حقهم أن يطمئنوا إلى مستقبل هذه التغييرات وأفق التعاون معها.

وإذا كان الوقت كفيلا بإقناع الخارج بأن التغييرات آتية، وأن المؤسسات المطلوبة ستعود بصورة أكثر فاعلية وجدوى دون الخروج عن الشرعية المستمدة من الشعب، فإنه قد لا يكون كفيلا بمواجهة الأزمة الاجتماعية التي بدأت مؤشرات واضحة على أنها ستعود إلى الواجهة مع عودة الموسم الاجتماعي والسياسي نهاية هذا الشهر.

هناك ملفات ملغومة تركت مفتوحة من المرحلة الماضية، واتفاقيات لم يتم تنفيذها سيتحرك المعنيون بها عن قريب للمطالبة بتنفيذها، وهي مطالب قطاعية تطال فئات هشة مثل العاطلين عن العمل لأكثر من عشر سنوات، وتشمل خريجي الجامعات الذين صادق لهم البرلمان السابق على اتفاقية تلزم الدولة بانتدابهم، وأي تراجع عنها سيعني فتح الباب أمام التوترات الاجتماعية، كما سيمس من صورة الرئيس سعيد خاصة أن المستفيدين هم من الشبان الذين وقفوا في صف تغييرات 25 يوليو.

لقد وقعت الحكومات السابقة اتفاقيات كثيرة مع قطاعات مختلفة، والكثير من تلك الاتفاقيات لم تنفذ، وقد فتحت الشهية أمام النقابات للمطالبة بالزيادات والمزايا الخاصة بكل قطاع على حدة، وقاد ذلك إلى تنافس القطاعات على المطلبية والإضرابات، وهي وضعية تحتاج إلى مقاربة جدية وسريعة من خلال فتح قنوات الحوار مع اتحاد الشغل الذي تنتمي إليه تلك النقابات، ومناقشة إمكانيات البلاد وهل أنها قادرة على المضي في هذا الماراثون القاتل من الزيادات التي أثقلت الميزانية التي ستحتاج الدولة إلى جهود كثيرة لسد النقص الكبير فيها.

سيكون من المهم أن يقود الحوار مع اتحاد الشغل إلى مناقشة التهدئة الاجتماعية، والتوصل إلى هدنة من هنا إلى انتخابات 2024 بما يعطي الفرصة للرئيس سعيد وللحكومة التي ستتشكل لأجل معالجة مخلفات الحكم السابقة، ومواقف الاتحاد وتصريحات قياداته تظهر رغبة واضحة في دعم المسار الجديد والاستعداد لأن يكونوا جزءا منه.

إن وجود اتحاد الشغل في صف تغييرات 25 يوليو مهم لناحية المساعدة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المؤجلة التي يطالب بها المانحون، وهي إصلاحات صعبة وتحتاج مرونة وتنازلات من الجميع.

لا تقدر البلاد على إصلاح اقتصادها دون تنفيذ ما يطلبه صندوق النقد بفتح ملف التعويض ومعالجته بالبحث عن توجيهه للفئات المعنية بدل توزيعه على مختلف الشرائح، وهو أسلوب أثبت فشله، إذ فشل في تحسين أوضاع الفقراء وزاد بالتوازي من ثقله على موازنة الدولة.

ومن المهم التأكيد أنه لا يمكن التغاضي عن إدارة الملف الاجتماعي بتفاصيله المختلفة بأسلوب جديد، وهو أكبر من توزيع إعانات ظرفية على الفئات الضعيفة، وأن تركه سيعني توفير الفرصة أمام خصوم الانتقال الدستوري للقيام بحملات تشويه في الوقت الذي يحتل فيه الملف الاجتماعي منزلة رئيسية في أفكار قيس سعيد مثلما طرحها في حملته الانتخابية.

معركة سعيّد مع منظومة 25 يوليو محسومة سلفا لفائدته، ولذلك لا يجب أن يستمر في تحريك جزئياتها لأجل إدانة هذه الجهة أو تلك، فالشارع حسم أمره فيها سواء بالتظاهر أو بالغضب الذي تعبر عنه صفحات مواقع التواصل، وهو ما قاد إلى اعتراف حركة النهضة في أكثر من مرة بمسؤوليتها عن فشل المرحلة السابقة واعتذارها، وهو اعتذار تحت الضغط.

ملفات 25 يوليو يمكن أن يفككها القضاء ويأخذ الوقت الكافي لأجل ذلك، لكن تحديات المرحلة القادمة تحتاج إلى اهتمام أكبر من الرئيس سعيد والدائرة المحيطة به مع استعجال تشكيل حكومة بمهمة مركزية رئيسية هي معالجة الملف الاقتصادي بما يحقق إصلاحات جدية.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية