العودة إلى الواجهة: ماذا يعني “حل الدولتين” وما هي إمكانية التطبيق؟

العودة إلى الواجهة: ماذا يعني “حل الدولتين” وما هي إمكانية التطبيق؟


19/05/2021

بالتوازي مع تصاعد وتيرة العنف المنهجي في فلسطين المحتلة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتوسعها لتشمل المدن والمناطق ذات الأغلبية العربية داخل أراضي 48، عاد الحديث في مختلف المحافل الدولية لما يتعلق بحل الدولتين بوصفه المنطلق الواقعي لتسوية القضية الفلسطينية، والذي شكل مرجعية على مدار الثلاث عقود الماضية لجميع مراحل ما يسمى بـ”عملية السلام”، وما نتج عنها من اتفاقيات ومبادرات بداية من مؤتمر مدريد 1991 الذي مهد لاتفاق أوسلو 1993، وحتى المبادرة العربية للسلام2002، التي تنص على التطبيع الكامل بين الدول العربية وإسرائيل شريطة انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967.

تعريف

يُطرح حل الدولتين كتسوية للصراع العربي الإسرائيلي، ويستند في مرجعيته لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتحديداً قرار الجمعية العمومية عام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، وكذلك القرار 242 لعام 1967 الداعي لانسحاب إسرائيل لما وراء حدود 4 يونيو من نفس العام.

وفيما يطرح قرار التقسيم دولتين مع إدارة دولية للقدس، فإن قرار الانسحاب 242 يستند له كمرجعية للأراضي التي تحتلها إسرائيل وخاصة القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، والمزمع تأسيس دولة فلسطينية مستقلة عليها.

يشترط هذا الحل اعتراف القيادة الفلسطينية ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود، وهو ما حدث عام 1988 عند إعلان قيام دولة فلسطين بشكل منفرد من جانب ياسر عرفات، وهو ما تكرس بعد ذلك عند تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، وهي الخطوة التي جاءت كأحد نتائج مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، الذي اقتضى بتأسيس سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين في بعض مناطق الضفة وغزة، وذلك للوصول إلى تأسيس دولة فلسطين طبقاً لقرار مجلس الأمن 242.

ينص القرار السابق على: “إقرار مبادي سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ،حيث ان مجلس الأمن إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشان الوضع الخطر في الشرق الأوسط وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء علي اراض بواسطة الحرب. والحاجة إلي العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة 2 من الميثاق”.

الواقع والتطبيق

جاءت اتفاقية أوسلو بمثابة تأسيس لهذا الحل بين طرفي النزاع وبإشراف أميركي، لكن دون مظلة أممية تضمنه وتضمن تنفيذه، ومن ثم أرتهن السير فيه طبقاً لتعقيدات ما سُميَ بـ”عملية السلام”، التي خضعت لتحيز الوسيط/المشرف الأميركي لتل أبيب، التي بدورها وظفت مخرجات الاتفاقية لتخفيف عبء إدارة احتلال مناطق الحكم الذاتي بإسنادها للسلطة الفلسطينية، وذلك بالتوازي مع التوسع في عمليات الاستيطان والإحلال والتهجير القسري وغيرها من السياسات الممنهجة للاحتلال الإسرائيلي.

ارتبط تداول حل الدولتين بدور أميركي فاعل يتمثل في الإشراف على عملية السلام ومن ثم تشكل واشنطن ضمانة لأطراف الاتفاقات الناتجة عنها مثلما هو الحال بالنسبة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية 1979، ونظيرتها الأردنية1994.

شكلت الولايات المتحدة الحامل الدولي المنوط به تفعيل هذا الحل بمعزل عن الأمم المتحدة، حيث أن لا قرار أممي بتأسيس دولتين بشكل إلزامي سواء في قرار التقسيم 1947 أو قرار 242 عام 1967، وهو ما جعل واشنطن بمثابة راعي لـ”عميلة السلام”، التي شكلت بمرور السنوات وتعاقب الإدارات الأميركية المختلفة، وكذلك الحكومات الإسرائيلية مهرب من تفعيل وتطبيق هذا الحل، خاصة مع تصاعد منهجية العنف والاستيطان الإسرائيلي، وتحول القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط ككل لاستثمار انتخابي متعدد الاستخدام في كل من تل أبيب وواشنطن.

الصلاحية        

تاريخياً وبعيداً عن موازين القوى، لم يحظى هذا الحل بتأييد كامل من طرفي النزاع. إلا أن العقبة الاساسية تجاه حل الدولتين وبشكل سياسي هو حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ مطلع الألفيات بحد أدنى؛ فحتى فكرة الانخراط في عملية السلام دون تقديم شيء او التعهد بمجرد التفكير في حل الدولتين من قبل حكومات “السلام” كحكومة رابين، باتت هذه الحكومات منذ الانتفاضة الثانية، وخاصة حكومات نتنياهو المتعاقبة ومكوناتها الائتلافية اليمينية، تبني خطابها السياسي والدعائي على ليس مجرد رفض حل الدولتين ولكن الذهاب إلى سياسات أكثر تطرفاً مثل مبدأ يهودية الدولة، وتطبيقاته العملية العنصرية الاحلالية.

ومع تجمد “عملية السلام” لما يقارب عقدين من الزمن، فإن إعادة طرح وتفعيل هذا الحل على مختلف المستويات توقف عند المستوى السياسي الرسمي بمختلف تدرجاته الإقليمية والدولية عند ديباجة البيانات التي تعتبره منطلق “واقعي” لحل أحد أقدم الصراعات في العالم، لكن دون التقدم خطوة واحدة عن ما تم في أوسلو 1993، بل تدهور شديد تتمثل أحد جوانبه في استشراء الاستيطان الإسرائيلي في مناطق السلطة الفلسطينية.

وبخلاف تعنت ورفض النخب السياسية الإسرائيلية وما نتج عنها من حكومات بخصوص حل الدولتين، فإن إعادة طرح وتفعيل حل الدولتين بجدية يتطلب دور أميركي هو بالأساس منحاز لأكثر التوجهات المتطرفة في إسرائيل، والتي من ضمنها اعتبار القدس عاصمة لها، وكذلك دعم الاستيطان وغيره من السياسات المنهجية القامعة للفلسطينيين وحقوقهم، وهو ما تجلى بشكل غير مسبوق في سنوات ترامب الأربعة، التي قُزمت خلالها القضية الفلسطينية في صيغة صفقة عقارية نتج عنها ما عُرف بـ”صفقة القرن”.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية