الغرب يواصل إساءة التعامل مع خطر جماعة الإخوان المسلمين

الغرب يواصل إساءة التعامل مع خطر جماعة الإخوان المسلمين

الغرب يواصل إساءة التعامل مع خطر جماعة الإخوان المسلمين


28/03/2023

غالبًا ما يُنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الأم للحركة الإسلاموية، باعتبارها ظاهرةً شرق أوسطية، لم تنتشر في الغرب إلا مؤخرًا. في الواقع، كان للجماعة صلاتٌ بالدول الغربية منذ وقتٍ مبكر من تاريخها. الفرق أنه في العقود القليلة الماضية، اكتسبت جماعة الإخوان أرضيةً أكبر داخل أوروبا ونصف الكرة الغربي، وشقت طريقها إلى مواقع أكبر من النفوذ الاجتماعي والسياسي.

نشأت جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928 على يد المعلم السابق حسن البنا، كمشروع يحل مشكلة شرعية الدولة بعد انهيار الخلافة العثمانية في عام 1924. انتشرت فروع الجماعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، طوّرت جماعة الإخوان صلاتها في الغرب، لتصبح واحدة من الحلفاء العرب الرئيسيين لألمانيا النازية. وفي حين أُحبطت الثورة النازية ضد أوروبا المسيحية، فإن علاقة الإخوان مع النازية تركت أثرًا دائمًا، ولا سيّما على أيديولوجية الجماعة، ما أدّى إلى تكثيف معاداة السامية المتشددة بالفعل لجماعة الإخوان المسلمين، وشحذ نظرتها المعادية للغرب.

ورغم مقتل البنا في عام 1949، لم يقف نمو الإخوان. بل على العكس، وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى ذروة قوتها في مصر في أوائل الخمسينيات بعد حركة “الضباط الأحرار”، بقيادة جمال عبد الناصر، ضد الملكية الدستورية. ومع ذلك، سرعان ما توتر تحالف الإخوان مع عبد الناصر، وبعد اتهامها بمحاولة اغتياله، شنت الدولة حملة شرسة على الجماعة في عام 1954. تكررت القصة في سوريا في السبعينيات والثمانينيات، حيث شنت جماعة الإخوان السورية -وهي جماعة أكثر نخبوية، ذات جاذبية جماهيرية أقل من الفرع المصري- ثورة مسلحة وسحقها النظام بلا رحمة.

كان اللاجئون هم الذين شكلوا جماعة الإخوان في أوروبا. في البداية، لم يكن الإخوان يتصورون البقاء في أوروبا: فقد اعتقدوا أنهم سيمكثون لفترة وجيزة قبل أن يعودوا إلى ديارهم. لكن مع مرور الوقت، بدأوا يدركون -حيث كان عليهم العثور على وظائف وإنجاب أطفال- أنهم في أوروبا للبقاء. وهكذا بدأ الإخوان في إنشاء مؤسساتٍ تعليمية ومنظمات دعوية للدعاية لأيديولوجيتهم.

أنشأت جماعة الإخوان في أوروبا شبكة معقدة من الهياكل المترابطة والمستقلة في الوقت ذاته التي غالبًا ما تكون أجزاء “يمكن إنكارها” من هيكل جماعة الإخوان، حتى أثناء تنسيقها مع بعضها البعض على مختلف المستويات لدفع أجندة الإخوان في القارة، والحفاظ على الاتصالات مع الجهاز المركزي للإخوان في مصر. تركّز الكثير من نشاط الإخوان المبكر في أوروبا في ألمانيا، لكنه انتشر منذ ذلك الحين.

دراسة الحالة المثيرة للاهتمام في هذا الصدد هي إيطاليا. بالنسبة للجهاديين العنيفين، حتى تنظيم داعش، كانت إيطاليا استثناء من قاعدتهم العامة المتمثلة في شنِّ هجماتٍ كلما أمكن. وفي حين وقعت هجمات إرهابية لداعش في إيطاليا، وأحبطت مؤامرات أخرى، فإنها نادرة نسبيًا. ينظر الجهاديون إلى إيطاليا في المقام الأول على أنها مركز للتجنيد والخدمات اللوجستية، لأسبابٍ ليس أقلها أنها غالبًا ما تكون نقطة وصول لموجات المهاجرين التي يختبئ فيها الجهاديون. والنتيجة هي أن الجهاديين يفهمون أن من شأن شن الكثير من العمليات الإرهابية داخل الحدود الإيطالية من شأنه أن يستفز الدولة إلى حملة قمع تعطل عملياتهم في بقية القارة.

يزداد هذا الموقف الباهت للسلطات الإيطالية مع الإسلامويين العنيفين وضوحًا فيما يتعلق بالإسلامويين “غير العنيفين” أو الذين يُطلق عليهم “الانخراطيون” مثل جماعة الإخوان المسلمين، الذين يتجنبون تكتيكيًا استخدام الإرهاب لأنهم ينشرون تطرفهم، الأمر الذي غالبًا ما يمهِّد الطريق للجماعات الإرهابية للعثور على مجندين. كان هذا هو الحال مع الجهاد البوسني في التسعينيات: كان في كثيرٍ من الأحيان المساجد التي تسيطر عليها جماعة الإخوان والمجتمعات المسلمة المتأثرة بالإخوان التي قدمت المقاتلين الأجانب لتنظيم القاعدة وحلفائها.

في هذا السياق، وصف تقرير حديث نشره موقع “عين أوروبية على التطرف” للدكتور توماسو فيرجيلي وجيوفاني جياكالوني الوضع كما يلي:

[الإخوان المسلمون] كانوا حاضرين في شبه الجزيرة الإيطالية منذ أوائل السبعينيات، عندما شكّل طلاب جامعات الشرق الأوسط في بيروجيا -عدد منهم كانوا منتسبين ومتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين- اتحاد الطلاب المسلمين في إيطاليا. برز الموقف الأيديولوجي لاتحاد الطلاب بوضوح من إصداراته الأولى، حيث ترجم كتابات مُنظِّر جماعة الإخوان المسلمين سيد قطب، ونظيره في شبه القارة الهندية أبو الأعلى المودودي…

وبعد عقدين من الزمن، أصبح هؤلاء الطلاب، ومعظمهم من السوريين والأردنيين والفلسطينيين، الممثلين الرئيسيين لمنظمة جديدة، ولدت في عام 1990، وعرفت باسم اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا (UCOII)، عضو في مجلس مسلمي أوروبا، المعروف سابقًا باسم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا. وأصبح اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا الآن “المنظمة العامة الرئيسة للإخوان في إيطاليا”. … فمن ناحيةٍ، ينشط الاتحاد بشكلٍ كبير على الساحة السياسية والمجتمعية، حيث يحاول أن يصبح المحاور الرئيس، إن لم يكن الوحيد، مع المؤسسات الإيطالية، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه يثير الجدل باستمرار بسبب صلاته بجماعة الإخوان المسلمين (الصلة التي سعى عبثًا لنفيها) وبسبب مواقفه الإشكالية بشأن القضايا الحساسة…

لا تشترك المنظمات الإسلامية في إيطاليا في مبادئ أيديولوجية متشابهة فحسب، بل تشترك أيضًا في أهداف مماثلة، وهي الحصول على الاعتراف العام، والتمثيل، والوصول إلى التمويل العام.

وكما يوضح المؤلفان، فقد حققت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها نجاحًا ملحوظًا في ذلك، جزئيًا من خلال تشكيل تحالف مع اليسار السياسي في إيطاليا. هذه الظاهرة، التي تُسمى أحيانًا (اليسار الإسلامي) في الوقت الحاضر، ليست جديدة: فقد حدد شاه إيران الراحل المتطرفين الذين قادوا الثورة ضده على أنهم “تحالف غير مقدّس” بين “الأحمر” (اليسار المتطرف) و”الأسود” (الإسلامويين). وفي سياقٍ متصل، وسّعت جماعة الإخوان المسلمين في إيطاليا نطاق نفوذها من خلال التعاون الوثيق مع الشيعة المتشددين الذين تسيطر عليهم أو تلهمهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي انبثقت عن الثورة التي أطاحت بالشاه. ومرة أخرى، هذا ليس بالأمر الجديد: فلطالما دعم النظام الإيراني تنظيم القاعدة، والواقع أن زعيم تنظيم القاعدة الجديد ربما يكون مقره في إيران.

وأشار المؤلفان إلى أن إيطاليا كانت متخلفة عن الدول الأوروبية الأخرى في الاهتمام بهذه القضية: “في أوروبا، اتخذت دول مثل فرنسا والنمسا بالفعل خطواتٍ للحدِّ من تسلل الإسلامويين، ليس فقط في المجتمع الإسلامي، ولكن أيضًا في السياسة والأوساط الأكاديمية. إيطاليا، حيث ينشط الإسلامويون على نحو خاص اليوم، تحتاج إلى اتخاذ موقفٍ واضح بشأن هذه القضية”.

وقد ظهر مثال حديث على ذلك، مع افتتاح المعهد الإيطالي للدراسات الإسلامية والإنسانية (بيان) في فيرونا. المعهد الذي صُمم ظاهريًا لتعزيز التفاهم بين الثقافات، يرتبط بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أنشأه رجل الدين الراحل يوسف القرضاوي، وتصنّفه العديد من الدول منظمة إرهابية لترويجه للتطرف والعنف. وقد أدّت إجازة القرضاوي للتفجيرات الانتحارية وخطبه الطائفية إلى تأجيج الأوضاع المشتعلة بالفعل، وتسببت في إلحاق الدمار وإزهاق أرواح الكثيرين.

إيطاليا ليست الدولة الغربية الوحيدة التي تواصل ارتكاب هذه الأخطاء. فلقد كشفت مراجعة حديثة لبرنامج “بريفنت” (Prevent) الخاص بمكافحة التطرف في بريطانيا، أن سلطات مكافحة التطرف تواصل الانخراط وحتى تمويل الجماعات المتطرفة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

وختامًا، في عالمٍ يزداد اضطرابًا وخطورة على هذا النحو، من الأهمية بمكان ألا تضفي الدول الشرعية على الجماعات المتطرفة، وبالتالي تسهم في تمكينها داخل المجتمع، خاصة وأن جماعة الإخوان نفسها تظهر مؤشرات واضحة على التوتر والتشرذّم. إن مدَّ طوق النجاة إلى مثل هذه الجماعة المؤذية في لحظة تغرق فيها من تلقاء نفسها هو ذروة الحماقة.

عن "عين على التطرف"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية