الفُرقاء يجتمعون في ليبيا: هل تسير عربة التسويات؟

الفرقاء يجتمعون في ليبيا: هل تسير عربة التسويات؟

الفُرقاء يجتمعون في ليبيا: هل تسير عربة التسويات؟


10/04/2023

للمرة الأولى، وبشكلٍ علني، اجتمع قادة عسكريون وأمنيون ممثلون عن طرفي الصراع في ليبيا، في العاصمة طرابلس، برعاية أممية وأمريكية. عدّ مراقبون الاجتماع انفراجة كبيرة في مسار التهدئة العسكرية، والدفع نحو تنظيم انتخابات عامة تلقى قبول الجميع بنهاية العام الجاري.

لكن يُطرح سؤال حول السياق الذي اجتمع فيه من كانوا حتى الأمس القريب من ألد الخصوم، والذين خاضوا معارك عسكرية ضد بعضهم البعض حتى العام 2020، حين وُقّع وقف إطلاق النار، الذي لم ترّ أهم بنوده النور بعد.

لقاء ريكسوس

في 26 آذار (مارس) الماضي، التقى وفد يضم قيادات عسكرية وميدانية تابعة للقيادة العامة وداخلية حكومة باشاغا، مع قيادات أمنية وعسكرية يمثلون حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في العاصمة طرابلس، بحضور الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، في فندق ريكسوس.

بخلاف الاجتماعات العسكرية عبر لجنة (5+5)، واجتماعات رئيسي الأركان عن بنغازي وطرابلس، شمل لقاء فندق ريكسوس قيادات ميليشيات في طرابلس، ممن يشغلون مناصب أمنية، في عهد حكومة الدبيبة. يمثّل هؤلاء القادة قوى الأمر الواقع في العاصمة طرابلس، بخلاف العسكريين الذين لا يملكون الكلمة العليا في العمل الأمني والعسكري.

يقول المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي، بأنّ الاجتماع هو استكمال للقاء حدث في تونس قبل شهر رمضان، وشهد الاتفاق على بعض القضايا، التي من شأنها تخفيف التوتر بين شرق البلاد وغربها، والمضي قدما نحو عقد الانتخابات.

محمد قشوط: التفاؤل حذر

وذكر الورفلي لـ"حفريات" بأنّ المبعوث الأممي كان له الدور الكبير في عقد هذه اللقاءات، ويعتبر أكثر المبعوثين جديةً في جمع الأطراف المعنية وإشراك قادة المجموعات المسلحة في الحوار؛ لأنها هي من تتحكم وتسيطر على طرابلس وبعض المناطق المجاورة لها.

بدوره قال المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، لـ"حفريات" بأنّ التفاؤل حذر، حتى نرى نتائج هذه اللقاءات كواقع عملي يطبق على الأرض. ويتخوف قشوط من أنّ تكون هذه اللقاءات قد أُجبر عليها مَن في السلطة شرقاً وغرباً، للحفاظ على وجودهم في المشهد خوفاً من خروجهم منه.

بات التلويح بخيار تجاوز مجلسي النواب والدولة سياسياً وفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات العصا التي يهدد بها اللاعبون الدوليون لدفع الجميع إلى تسوية

سياسياً، من المرتقب عقد اجتماعات لجنة (6+6) المنبثقة عن مجلسي النواب والدولة في العاصمة طرابلس، لبحث القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، بهدف الخروج بقاعدة دستورية لعقد الانتخابات العامة.

ويأتي الزخم الذي تشهده الساحة الليبية، على المستويين العسكري والسياسي، في ظل جهود كبيرة للمبعوث الأممي الذي يحظى بدعم غير مسبوقٍ من الولايات المتحدة.

مَن جمع الفرقاء؟

لا يعتبر اللقاء غريباً على الساحة الليبية، حتى لو كان ممثلو طرابلس في اجتماعات فندق ريكسوس من البارزين في صدّ هجوم القيادة العامة على طرابلس في 2019. سبق ذلك بأكثر من عام المصالحة بين فتحي باشاغا وخليفة حفتر، علماً أنّ باشاغا الذي يشغل منصب رئيس الحكومة المُكلفة من مجلس النواب اليوم، كان قائداً لقوات طرابلس في حرب 2019.

اليوم يمثّل قادة المجموعات المسلحة في طرابلس حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي كان لها لقاءات غير معلنة مع وفود مثّلت المشير خليفة حفتر، برعاية أمريكية، أدت إلى استقرار مناطق إنتاج النفط، مقابل صرف رواتب المؤسسة العسكرية في بنغازي.

من جانبه، يضع المحلل السياسي الليبي، محمود المفتي، لقاء ريكسوس في سياق عودة الدور الأمريكي للنشاط في ليبيا. ويرى أنّ اللقاء جاء في إطار مشروع قانون الاستقرار في ليبيا الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية، وكذلك الحراك النشط في الفترة الأخيرة المعلن وغير المعلن، الذي يهدف إلى دمج الأطراف المتصارعة، والخروج ولو شكلياً بمؤسسة عسكرية موحدة.

كانت ليبيا محط جولات عديدة لكبار المسؤولين الأمريكيين منذ مطلع العام الجاري. زار ليبيا كلٌ من قائد قوات أفريكوم، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، فضلاً عن السفير والمبعوث الأمريكي ريتشارد نورلاند، ووفود اقتصادية وحقوقية. التقى المسؤولون الأمريكيون بمختلف الأطراف الليبية، العسكرية والسياسية والمدنية من بنغازي وطرابلس.

هيثم الورفلي: حماية الانتخابات من جميع الأطراف

وينظر المحلل السياسي محمود المفتي إلى الدور الأمريكي من زاوية المصالح الاقتصادية والجيو إستراتيجية في ليبيا خاصةً، والقارة الأفريقية عامة. ويقول لـ"حفريات"، بأنّ الحرب في أوكرانيا جعلت واشنطن تضع الملف الليبي على الطاولة لسببين؛ النفط، وإجهاد مراكز القوى في بؤر التوتر المتواجدة فيها روسيا.

وأضاف المفتي، بأنّ هناك أسباباً أخرى، منها فشل الاتحاد الأوروبي في تعامله مع الملف الليبي، والخوف من انفلات الوضع الأمني في ليبيا نظراً لتدهور الوضع السياسي برمته، ما يهدد إنتاج النفط، وهو ما يفسر أنّ وقف إطلاق النار أصبح من أولويات الخطة الأمريكية في ليبيا.

المحلل السياسي الليبي محمود المفتي لـ"حفريات": الحرب في أوكرانيا جعلت واشنطن تضع الملف الليبي على الطاولة لسببين؛ النفط، وإجهاد مراكز القوى في بؤر التوتر المتواجدة فيها روسيا

في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي هيثم الورفلي، بأنّ لقاء ريكسوس يعتبر فتح آفاق جديدة، نحو خطوات متسارعة وملموسة، ومنها توحيد المؤسسة العسكرية وتجنب العودة للقتال مجدداً وحماية الانتخابات القادمة من جميع الأطراف كل في منطقته.

وأفاد بأنّه من المتوقع عقد لقاء آخر في بنغازي، معتبراً أنّ تلك اللقاءات تصب في مصلحة البلاد؛ لأنّ هناك أطرافاً دولية تحاول أن تجرّ المجموعات المسلحة لفتح حرب جديدة بالوكالة، وتصفية حسابات دولية على الأراضي الليبية.

أي تسوية ممكنة؟

بالعودة إلى الإجماع غير المسبوق في مجلس الأمن الدولي حول دعم مبادرة باتيلي، في 17 آذار (مارس) الماضي، بعد تحفظ سابق لروسيا على المبادرة، يمكن فهم الحراك الكبير السياسي والعسكري نحو التسوية في ليبيا.

رغم أنّ مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، صرحت بأنّ إخراج قوات فاجنر من ليبيا هو أولوية، ومقدمة في ملف إخراج القوات الأجنبية من البلاد، إلا أنّ موسكو هي الأخرى لم تترك الساحة الليبية لواشنطن.

أشار المحلل السياسي محمود المفتي، إلى أنّ كثيراً من المحللين يتفقون على أنّ توحيد المؤسسة العسكرية ضربٌ من ضروب الخيال. يعلل بأنّ المشهد الليبي مركب، وفي مرحلة متقدمة غاية التعقيد؛ حيث الجماعات الإرهابية لا تزال تحكم طرابلس، ولديها مشروعها المتعثر الرافض للقيادة العسكرية في الشرق الليبي.

وحول الدور الروسي، قال إنّ إعلان الكرملين إعادة فتح سفارته من طرابلس، يشي برضا أمريكي روسي حول بقاء المصالح الأمنية لروسيا والاقتصادية لواشنطن، على غرار ما كان في عهد القذافي.

وبالنسبة إلى أهم فاعلين إقليميين في ليبيا؛ تركيا ومصر، شهدت الحالة الليبية سيولة بشأنهما؛ في طرابلس تسلمت شركات مصرية صفقة إنشاء الطريق الدائري الثالث، وفي بنغازي عادت شركات تركية إلى استكمال مشاريع متوقفة.

يضع المفتي، هذه السيولة في إطار المتغيرات السياسية الإقليمية، والتي منها عودة العلاقات المصرية - التركية والسعودية - الإيرانية. يقول المفتي "يمكننا القول بوجود تسويات كبيرة حدثت لا نعلم تفاصيلها، أدت إلى مكافأة تركيا بالمشاركة في إعادة إعمار بنغازي واستكمال مشاريعها المتوقفة منذ 2011".

محمود المفتي: الاتحاد الأوروبي فشل في الملف الليبي

تلك التسويات الغامضة تحدث بشأنها مستشار الأمن القومي الليبي، إبراهيم بو شناف، دون توضيح. يمكن القول إنّ الساحة الداخلية تشهد هي الأخرى تسويات غير معلنة. في الجانب العسكري كان لافتاً لقاء فندق ريكسوس، وزيارة وفد القيادة العامة إلى مدينة الزنتان، ولقاء الحليف السابق آمر المنطقة الغربية، اللواء أسامة الجويلي.

اليوم، واقع الحال في ليبيا عسكرياً منقسم إلى ثلاث جهات؛ الأقوى في الشرق ممثلة في قوات القيادة العامة، القوة التالية في طرابلس وجوارها تتبع عبد الحميد الدبيبة وتحظى بدعم تركيا وإيطاليا، والثالثة في الزنتان ومجموعات في مصراتة ومدن أخرى متحالفة مع فتحي باشاغا.

بناءً على ما سبق، فإنّ الأفق الممكن لأي تسوية سياسية تؤدي إلى الانتخابات بحلول نهاية هذا العام، لن يكون ممكناً إلا بتحقيق مصالح هذه الجهات الثلاث، مهما قيل من أي طرف دولي وإقليمي ومحلي. يدعم ذلك أنّ الحديث الأممي والأمريكي حول إخراج القوات الأجنبية مقتصر على الميليشيات والمرتزقة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وقوات فاجنر، دون حديث عن القوات التركية.

وبجانب آفاق التسوية السابقة، بات التلويح بخيار تجاوز مجلسي النواب والدولة سياسياً، وفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات، العصا التي يهدد بها اللاعبون الدوليون، لدفع الجميع إلى تسوية لن تحقق آمال الليبيين كاملةً، لكنها بداية ممكنة يُبنى عليها لاحقاً.

يُذكر أنّ موعد الانتخابات العامة؛ الرئاسية والبرلمانية، كان مقرراً في كانون الأول (ديسمبر) 2021، غير أنّ الخلافات حول القاعدة الدستورية أدت إلى إرجاء الموعد إلى أجل غير مسمى، ويأمل المجتمع الدولي بعقدها نهاية العام الجاري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية