القضاء الليبي: تفاهمات حكومة السراج وقراراتها باطلة

القضاء الليبي: تفاهمات حكومة السراج وقراراتها باطلة


03/02/2021

يختلف القضاء عن الأمر الواقع؛ فالأول يبني أحكامه على القانون، بينما الثاني يستند إلى قوة السلاح، ورغم ذلك تظلّ الشرعية بيد القضاء، وهو ما كشفه حكم محكمة استئناف البيضاء في ليبيا، بانعدام مذكرتَي التفاهم الموقعتين بين تركيا وحكومة الوفاق، حول الصلاحية البحرية، والتعاون الأمني.

وأعاد الحكم تذكير المجتمع الدولي بجرائمه بحقّ الشعب الليبي، وبحقّ اتفاق الصخيرات ذاته، الذي لم تلتزم به حكومة الوفاق، ورغم ذلك أسبغ المجتمع الدولي عليها الشرعية، في انتهاك مشين للقانون الدولي والليبي.

أكّد القضاء الليبي أنّ وزراء حكومة الوفاق المفوضين شاغلون غير شرعيين لوظائفهم، لعدم نيلهم ثقة مجلس النواب، ومخالفة التفويض الممنوح لهم للإجراءات القانونية

واستند الحكم القضائي على بنود الاتفاق السياسي في الصخيرات، حيث لم تحصل حكومة الوفاق على ثقة مجلس النواب، ما يعني أنّ وزراءها هم منتحلو مناصب، إلى جانب أنّ الوفاق لم تلتزم بالاتفاق الذي نصّ على مصادقة مجلس النواب على كلّ الاتفاقيات التي تعقدها الدولة الليبية.

بطلان تفاهمات الوفاق وتركيا

نشر الموقع الرسمي لمجلس النواب الليبي صوراً ضوئية من نصوص حكم قضائي بانعدام مذكرتَي التفاهم اللتين وقّعتهما حكومة الوفاق الليبية مع الجمهورية التركية، بشأن تحديد مجالات الصلاحية البحرية في البحر المتوسط، التي تمّ توقيعها في مدينة إسطنبول التركية، بتاريخ 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، والثانية بشأن التعاون الأمني والعسكري، والتي تمّ توقيعها في اليوم والمكان ذاتهما،

وصدر الحكم عن محكمة استئناف البيضاء (دائرة القضاء الإداري)، بتاريخ 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

 وسبق أن استجابت المحكمة لطلب مجلس النواب في الشقّ المستعجل؛ بإيقاف نفاذ ما يتربت على مذكرتي التفاهم السابقتين، إلى حين الفصل في الموضوع، وذلك في الرابع من كانون الثاني (يناير) 2020.

ورفع الدعوى كلّ من؛ رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الوزراء بالحكومة المؤقتة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ونابت عنهم إدارة القضايا بالجبل الأخضر، ضدّ كلّ من؛ رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، ووزير الخارجية المفوض، ووزير الداخلية المفوض، وترافعت عنهم إدارة القضايا بالبيضاء.

اقرأ أيضاً: ليبيا: السراج يحاول سحب البساط من تحت أقدام وزير داخليته... ماذا فعل؟

وتعليقاً على ذلك؛ يقول المستشار القانوني والمحامي الليبي، فرج العجيل: "الأحكام القضائية هي عنوان للحقيقة، والأحكام النهائية الباتة واجبة الاحترام والتنفيذ، وحكم محكمة استئناف البيضاء، بشأن بطلان مذكرتَي التفاهم بين المجلس الرئاسي والحكومة التركية، هو حكم صادر عن محكمة ليبية، تتمتع بالولاية في الفصل في مثل هذه المنازعات، وهو، كغيره من الأحكام التي صدرت عن محكمة طرابلس بشأن بطلان بعض تصرفات هذا المجلس".

المستشار القانوني والمحامي الليبي، فرج العجيل

ولفتت صياغة الحكم القضائي إلى وجود خطأ شائع تتداوله وسائل الإعلام، يوضحه السياسي الليبي، والنائب السابق بالمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، عبد المنعم اليسير: "ما تمّ إبرامه بين تركيا والسراج هو مذكرات تفاهم، لا ترقى لمستوى الاتفاقيات؛ لذلك لا يجب إطلاق مصطلح اتفاق عليها، وهي مذكرات باطلة وفق القانون الدولي والليبي".

انعدام شرعية الوفاق

واستندت المحكمة في حكمها على عدد من الأسباب، بيّنتها في صحيفة الحكم، بدأت ببيان سبب قبولها الدعوى؛ بأنّها "حدود سلطات الدولة، بشأن مسألة السيادة وحقّ التقاضي المقرر دستورياً، ونفاذ القضاء، تستخلص من الفهم الصحيح للنصوص الدستورية"، وأشارت إلى أنّ الفهم ليس مقصوراً على المحكمة الدستورية، إنّما الفضل في المسألة الدستورية هو الحقّ الحصري للأخيرة، وذلك رداً على دفاع المطعون عليهم.

ولما كانت حكومة الوفاق وتركيا قد تحايلتا على تصديق مجلس النواب على التفاهمات، بوضعها تحت بند "مذكرات تفاهم"، والتي تدخل حيز النفاذ بمجرد التوقيع عليها، ردّت المحكمة بأنّ أيّ اتفاق بين دولتين ينظّمه القانون الدولي هو معاهدة ترتّب التزامات على الدولة الليبية؛ لذلك تستلزم موافقة مجلس النواب عليها.

المستشار القانوني الليبي فرج العجيل لـ"حفريات": "الحكم واجب التنفيذ، ويجب الالتزام به داخلياُ، وسيكون حجّة في مواجهة من يدعم التفاهمات بين الوفاق وتركيا

وأشارت المحكمة إلى أنّ مجلس النوّاب هو الجهة المخوّلة قانويناً بممارسة مهام رئيس الدولة، حتى انتخاب الأخير، "وكان مجلس النواب لم يعدّ الإعلان الدستوري بعد، ولم يصدر عنه ما يفيد منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، فالاتفاق السياسي ما يزال كما ولد، مجرّد مشروع لا يرتّب أثراً قانونياً، ولا تنشأ عنه مراكز قانونية".

وأكّدت المحكمة أنّ وزراء حكومة الوفاق المفوضين شاغلون غير شرعيين لوظائفهم، لعدم نيلهم الثقة أمام مجلس النواب، إلى جانب مخالفة التفويض الممنوح لهم للإجراءات القانونية.

وقالت المحكمة حول توقيع وزير الخارجية على مذكرة التفاهم البحرية، وتوقيع وزير الداخلية على مذكرة التعاون الأمني: "كانت مذكرتَا التفاهم محلّ التداعي، وقّعتا من المطعون ضدّهما، الثاني والثالث، بصفتهما وزيرَين مفوَّضين لحكومة الوفاق الوطني التي لم تنل الثقة المطلوبة، فإنّ القرارَين المطعون فيهما، والمتمثّلين في التوقيع على مذكرتَي التفاهم المشار إليهما، قد صدرا من غير مختصّ، معيباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم".

النائب السابق بالمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، عبد المنعم اليسير

ويضيف المستشار القانوني، فرج العجيل، في حديثه لـ "حفريات" عن أسانيد حكم البطلان: "استند على أنّ المجلس الرئاسي قد يملك حقّ تمثيل الدولة الليبية، لكن لا يملك حقّ توقيع اتفاقات دولية مصيرية، وفي جميع الأحوال المعمول بها في أنظمة الحكم، يجب لاعتماد صحّة مثل هذه الاتفاقيات أن تمرّ بالقنوات التشريعية، وتنال موافقتها".

ويرى السياسيّ، عبد المنعم اليسير؛ أنّ حكومة الوفاق "ليست لها أيّة شرعية قانونية، أو دستورية، وتستمدّ وجودها من قوة الأمر الواقع، الذي فرضته الميليشيات الانقلابية عام 2014، وشرعنة المجتمع الدولي لذلك".

ويقول لـ "حفريات": "حكومة الوفاق لم تلتزم بأيّ من شروط اتفاق الصخيرات، بداية من الترتيبات الأمنية، حيث سارع السراج ومجموعته من المنتمين للإسلام السياسي بالذهاب إلى طرابلس، طمعاً في المناصب والثروات، وتعاونوا مع الميليشيات الإجرامية، ولم تحظَ حكومته بثقة مجلس النواب".

ما يترتب على الحكم

ومن غير المرجح أن يترتّب شيء في الداخل على حكم محكمة استئناف البيضاء، لكن تبقى للحكم أهمية كبيرة، حيث أزاح الشرعية التي أضفتها حكومة الوفاق على التفاهمات مع تركيا، كما أنّه سند قانوني في مخاطبة المجتمع الدولي.

اقرأ أيضاً: تحويل السراج و9 من موظفيه إلى المدعي العام لهذه الأسباب

ويوضح ذلك المستشار القانوني الليبي، فرج العجيل: "الحكم واجب التنفيذ، ويجب الالتزام به داخلياُ، وسيكون حجّة في مواجهة كلّ من يدعم التفاهمات بين الوفاق وتركيا خارجياً، كونها باطلة بحكم القضاء". وأشار العجيل إلى إمكانية الطعن على الحكم، لكن أمام المحكمة العليا فقط.

ويكشف الحكم السابق وجود عوار دستوري كبير في عمل حكومة الوفاق الليبية، خاصة بعد سحب مجلس النواب المصادقة على الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات)، مطلع العام الماضي، ومطالبته المجتمع الدولي بسحب الاعتراف بحكومة الوفاق، وتعدّ جميع الاتفاقيات التي وقّع عليها وزراء الوفاق غير قانونية.

وتعالج الأمم المتحدة هذا الخلل عبر المسار الدستوري الذي استضافت مدينة الغردقة المصرية آخر اجتماعاته، في كانون الثاني (يناير) الماضي.

وفي سياق متصل، رفض المجلس الأعلى للقضاء الليبي ما توصل إليه المجتمعون في بوزنيقة بالمغرب، من تقاسم للمناصب القيادية في القضاء، وقال في بيانه: "أعمال الهيئات القضائية ورئاستها منظمة بنصوص قانونية ودستورية، ولا يمكن الركون لرأي مجموعة لا تأخذ القانون الصادر عن مجلس تشريعي منتخب موحّد بعين الاعتبار".

وكان الممثلون عن البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة في بوزنيقة، اتفقوا على التقسيم الجغرافي للمناصب العليا للمؤسسات القيادية: حيث يحصل إقليم طرابلس في الغرب على مناصب النائب العام وديوان المحاسبة والمفوضية العليا للانتخابات، وفزان في الجنوب على المحكمة العليا، وهيئة مكافحة الفساد، فيما تحصل برقة في الشرق على المصرف المركزي، وهيئة الرقابة الإدارية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية