القطبيون الجدد والقدامى.. كل الطرق تؤدي إلى "جاهلية الإخوان" ( 1 )

القطبيون الجدد والقدامى.. كل الطرق تؤدي إلى "جاهلية الإخوان" ( 1 )


02/06/2022

طارق أبو السعد

يعد كيان جماعة الإخوان المسلمين من أكثر الكيانات التباساً وإرهاقاً للباحثين، فأوجه الإخوان المتعددة أو مجالات العمل المختلفة توحي بوجود اتجاهات أو تيارات فكرية مختلفة، وفارق كبير بينهما.

فالتيارات الفكرية مجموعة من الأفراد تتبنى فكرا واحدا مختلفا عن السياق العام تسعى لتغييره، وليس في الجماعة تيارات فكرية متناقضة، بل هم جميعا أصحاب فكرة واحدة يختلف التعبير عنها من جيل لجيل، ولأن الجماعة كانت وما زالت تمثل تهديدا كبيرا على سلامة المجتمعات علينا الاقتراب منها أكثر ووضعها تحت دائرة الضوء لتشريحها بدقة متناهية، لفهم لوغاريتم تكوينها والتعرف على أسلوب عملها، وسبر أغوار تنظيمها، وهل بالفعل توجد بها تيارات فكرية متصارعة أم لا؟

لم تظهر الإخوان كبنيان تنظيمي واحد من البداية، بل تم صياغة الجماعة عبر تراكم خبرات تنظيمية وأحداث ووقائع مرت عليها، وتركت آثارها على التنظيم وعلى الأفكار التي يؤمن بها أعضاؤها، هذه الخبرات أنتجت كيانا مركبا ومربكا، كيانا متلونا حسب التيار العام والسائد، لهذا من الاستسهال اعتبار أن الجماعة الإرهابية التي نتعامل معها الآن، تم تشكيلها فقط في عام 1928، فمنذ تأسيسها وهي تتراوح ما بين مجالات العمل الدعوي الوعظي والعمل التربوي الصوفي الروحاني والعمل المتطرف المسلح والعمل السياسي العام، وكل مجال له رجاله، الذين يؤمنون بأفكار حسن البنا بعد وفاته، حاول كل فريق أن يفرض سيطرته على سير الجماعة.

وفي لحظة مهمة في تاريخ مصر وتاريخ الإخوان، اقتحم سيد قطب الجماعة وانضم رسميا للتنظيم عام 1953، فمصر التي كانت على أبواب عهد جديد عقب ثورة 23 يوليو 1952، كانت تنتظر أن تتخلص من كل مكونات الحياة السياسية في العهد الملكي، أما الإخوان فقد كانوا في بداية عهد جديد مع مرشد جديد هو القاضي "حسن الهضيبي" رجل القانون لا الدعوة وينتظرون أن يحققوا ما خطط له "البنا" من الوصول للحكم عبر تنظيم الإخوان المسلح (التنظيم الخاص) الذي شعر أعضاؤه أنهم شركاء في الثورة وأنهم الأحق بقيادة الجماعة.

عقب انضمامه، قرر سيد قطب نقل أفكار حسن البنا من الغموض إلى الوضوح، ومن النظرية إلى التطبيق، فكثير من أفكار حسن البنا قام سيد قطب بتحويلها من مجرد فكرة نظرية إلى تطبيقات عملية، وضرب لها الأمثلة الواقعية التي يجب على الإخوان أن ينفذوها في واقعهم المعيش، وإذا كان حسن البنا هو من أحضر بذور الإرهاب وحرث التربة وزرعها، فسيد قطب هو من قدم لها الرعاية ورسم لها مساراتها.

قدم سيد قطب أفكاره الراديكالية لإزالة المجتمع والدولة الحديثة بأركانها المعروفة، ليتمكن من إقامة المجتمع الذي ادعى أنه المجتمع المسلم المنشود، ثم إقامة الدولة الإسلامية المستهدفة ثم أستاذية العالم، وفي سبيل هدم الدولة والمجتمع، أطلق فكرة "الجاهلية" كبداية لتكفير المجتمع واستحلال دمائهم فيكون قتلهم سواء بالقصد المباشر أو غير المباشر مبررا لدى المؤمنين بأفكاره، والتي للأسف ما زالت هي المحرك الأول لكل منظري الإرهاب الإسلاموي في العالم، فالبحث عن الحاكمية المزعومة واتهام المجتمعات بالجاهلية، وإنكار الإيمان على المجتمعات هي صلب أفكار سيد قطب المبثوثة في كتب الجماعات الإرهابية ومحاولة تطبيق أفكاره هي أصل ما نعانيه اليوم من إرهاب وتطرف.

من أجل هذا وسم "سيد قطب" كل المجتمعات العربية والإسلامية بالجاهلية، لأنها تعتمد على التشريع الوضعي دون الشريعة الإلهية، وهذا ما نجده فى كتابه "في ظلال القرآن"؛ حيث يؤكد أن "الجاهلية ليست مرحلة تاريخية سابقة على الإسلام"، وأن"الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته، ولو قدمت الشعائر التعبدية له وحده".

 كما اعتبر سيد قطب، في كتابه "في ظلال القرآن"، "أن مساجد المسلمين التي تقام فيها الصلاة ويرفع فيها الأذان هي معابد جاهلية (1) ثم قال بالحاكمية من خلال ما فهمه من أنها تعني أن الله هو الحاكم الأوحد ذو السلطة المطلقة، ولم يكشف للناس كيف يكون الحكم لله بدون تدخل البشر، وما هي طريقته وآلياته، ولو أنه سمح لأتباعه بمناقشة هذه الفكرة لوجدوا أن نهاية الحوار والتجربة الوصول إلى ما يسميه المتشددون بالتشريع الوضعي.

وفكرة الحاكمية مع فكرة الجاهلية معاً هي المحرك الأساسي للإخوان ولجمع المتطرفين، فهم يسعون من خلالها لتحقيق حكم الله في الأرض، وهي التي تدفعهم نحو ضم عناصر جديدة وتجنيد كل من يصلح للانضمام إليهم، وهي المحرك الأول للقيام بالعمليات الإرهابية تحت زعم هدم الباطل، ومحاربة الطاغوت، وهي السبب الرئيسي للعداء المستحكم بينهم وبين المجتمع.

عندما قدم سيد أفكاره للإخوان لم يكن في حاجة للدفاع عنها ولا للدعوة إليها فقد قدمها لتنظيم ينتظر من يعطيهم الغطاء الشرعي لعملياته الإرهابية، تنظيم كونه حسن البنا وليس سيد قطب، فكان أعضاء التنظيم السري أسرع أعضاء الجماعة استجابة لأفكار سيد قطب، فهم مؤهلون لها وجاهزون لتلقيها، وتلاقت رغباتهم معا، ومن ثم نشأت مجموعات جديدة خليطا من الأفكار التنظيمية (للنظام الخاص) وأفكار سيد قطب التكفيرية، هذا الالتقاء أنتج مجموعة سيطلق عليها فيما بعد بالتيار القطبي أو أعضاء تنظيم 1965، الذين أعدوا خططا لتفجير الكباري والقناطر الخيرية لإسقاط الدولة والهجوم على القصر الجمهوري والاستيلاء على الحكم، كما يقول هو في كتابه "لماذا أعدموني؟"، وبعد انكشاف المؤامرة قدموا للمحاكمة، وسجنوا مددا متفاوتة وأُعدم سيد قطب وبعض من قادة هذا التنظيم.

عقب خروج الإخوان من السجن في السبعينيات، قرر هذا التيار هيكلة الجماعة تنظيمياً كلها وفق قواعد (القسم الخاص المسلح) ووضع مناهج الجماعة التربوية وفق أفكار سيد قطب، وحتى يسيطر القطبيون على الجماعة أكثر، قاموا باستخدام استراتيجيات جديدة، منها أولاً السيطرة على قسم التربية، ثانيا الترويج للمرحلة التي تنتهي بالتمكين، ثالثا الإيمان بالعنف المؤجل والتربية عليه، رابعاً إبعاد المخالفين لهم، إلى أعمال أقل أهمية، وحتى ينجحوا في ذلك تم تغيير في الوزن النسبي للتمثيل في مجلس الشورى العام، وضعوا شروطا لمن يتم انتخابه للمكاتب الإدارية بما يتوافق معهم.

من أشهر قادة هذا التيار إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بالأعمال ومنافسه على القيادة محمود حسين، ومحمود عزت نائب المرشد ورجل الجماعة القوي الذي أدارها بعد عزل محمد مرسي، وكاتم أسرارها وأمين صندوقها الذي معه سر أموال الجماعة.

هذا التيار صبغ أفكاره على الجماعة كلها، بدءاً من الذين انضموا للإخوان في سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فأفكار سيد قطب التي دونها في كتاب "في ظلال القرآن الكريم" كانت تدرس للإخوان في شتى مراحلهم التربوية، وإلى جوارها كتب محمد قطب شقيق سيد ووارث أفكاره والحارس الأمين عليها، وذلك طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وشباب تلك المرحلة هم قادة الجماعة اليوم، أو على الأقل هم المشاركون في إدارتها، مثل محمد خيرت الشاطر، نائب المرشد والمرشح الأول للجماعة لتولي الرئاسة، ومحمد كمال مؤسس اللجان النوعية المسلحة والتي حملت السلاح وارتكبت باعتراف قادة الجماعة العديد من الاغتيالات والأعمال الإرهابية، وكذلك محمد مرسي الرئيس الإخواني المعزول ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي وهم من خطباء ما يعرف بمنصة رابعة كانوا من شباب الجماعة في السبعينيات والثمانينيات، وخطابهم عليها كان يقتر تكفيراً وعنفاً وإرهاباً.

ويمكن القول إن كثيرا من أعضاء الجماعة قطبيون أكثر من قطب نفسه، فقد كانت الجماعة وهي تحت سيطرة هذا التيار تطارد أي صاحب فكر مختلف أو متطور أو إصلاحي سواء بالتهميش أو بالإيقاف والفصل النهائي ومطاردته بالشائعات، لذا خلت الجماعة من أي تيار فكري حقيقي وتكاد تكون جماعة قطبية تماما، سواء الجيل الحالي أو الأجيال التالية فكلهم يحملون ذات الفكر نظرا لتلقيهم تربية واحدة على أسس واحدة، وهو ذات الفكر الذي حمله الإخوان إلى كل كياناتهم في المنطقة العربية سواء في اليمن والسودان والصومال.

لم ينته التيار القطبي ومن الخطأ اعتبار وجوده كان مرحلة تاريخية انقضت بإعدام "سيد قطب" أو بظهور كتاب "دعاة لا قضاة"، أو بموت أعضائه المشهورين، فجميع الإخوان من بعد سيطرة القطبيين على مفاصل الجماعة الفكرية والتنظيمية أصبحوا قطبيين دون أن يكونوا من ضمن تنظيم 1965، ومن الخطأ أيضا اعتماد مصطلح القطبيين الجدد، فهذا المصطلح مراوغ ويسمح بافتراض أن ثمة تيارا آخر في الإخوان، وهذا أمر غاية في الخطورة، فهو يؤسس للمناورة التي تقوم بها الجماعة دائما، فبعد الهزيمة ورفض المجتمع لهم نجد أنهم يزعمون أن ثمة تيارا يتبع أفكار حسن البنا الدعوية كخديعة تسمح أن يتقبلهم المجتمع من جديد ويقبل بإعادة بناء التنظيم وتكوين مؤسساته واستعادة قدراته، حتى إذا اقتربوا من السيطرة والوصول للحكم أظهروا حقيقتهم القطبية التكفيرية، وهذا ما نجده بعد وصولهم للحكم في مصر عبر تكوينهم للجان النوعية التي اتسمت بالعنف وتكوينهم لحركتي حسم، ولواء الثورة المدانين بالعنف، هذا العنف جاء عبر اعتناق أفكار حسن البنا وسيد قطب من قبل شباب في العشرينيات من عمرهم، ما يدل على صعوبة تصور أن ثمة تيارا فكريا معتدلا سينشأ من داخل الجماعة مستقبلا، فهم قطبيون حتى النخاع.

وبهذه المناسبة يجب تفكيك مصطلح مضاد ظهر في أوساط الباحثين عن وجود تيار مضاد للقطبيين يسمى التيار الإصلاحي (أو تكتل شباب الإخوان في السبعينيات) والحقيقة التي يلمسها كل من عايش الإخوان أنه لا وجود لهذا التيار الإصلاحي، وهو مجرد مسمى لكتلة رأت أنها الأحق بقيادة الجماعة بعيدا عن قيادة الرعيل الأول والقديم، وأطلقوا على أنفسهم هذا المصطلح، الذي راج على نطاق واسع لأسباب مختلفة، دون وجود أدنى مظاهر للإصلاح لديهم، فهم متمسكون بأفكار حسن البنا، والتي هي أفكار تكفيرية في المقام الأول، ويتمسكون بالتنظيم ويؤمنون بعودة الخلافة وإقامة الدولة الإسلامية، واستخدام القوة في الوصول للحكم، كما يؤمنون أن الإسلام نظام وليس دينا فقط، وأنه نظام يشمل كل مظاهر الحياة، ويؤمنون أنهم هم كإخوان أكثر الناس فهما للدين مما سواهم، وأن عليهم تربية المجتمع والناس على مفاهيم حسن البنا، التي يزعمون أنها هي ذات ما فهمه رسول الله بل هي مراد الله، إذا كانت هذه هي أفكار التيار الإصلاحي فكيف يكون إصلاحيا وهو لا يرى خطأ في أي أفكار لحسن البنا.

التقرير ضمن سلسلة من الحلقات تكشف خلالها "العين الإخبارية" عن وجوه الإخوان الخبيثة منذ نشأة التنظيم وحتى إطاحة المصريين بهم وكذلك تصرفاتهم عقب ذلك التي فضحت أفكارهم ومعتقداتهم. 

عن "العين" الإخبارية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية