النفوذ الإيراني الإقليمي والدولي.. يتقهقر!

النفوذ الإيراني الإقليمي والدولي.. يتقهقر!

النفوذ الإيراني الإقليمي والدولي.. يتقهقر!


08/01/2023

فارس خشان

بدأ المسؤولون الإيرانيّون يتلمّسون أنّ نفوذ دولتهم الإقليمي والدولي آخذ في التراجع، في وقت يتقدّم موقع الدول "المنافسة" على الرّقعة الإستراتيجيّة.

ووفق المحللين الإيرانيّين، فإنّ "تقهقر" النفوذ الإيراني يعود الى أخطاء استراتيجيّة ارتكبها النظام، عندما سلّم ناصية القرار إلى المتشدّدين الذين استبدلوا الشعارات العقيمة بالدبلوماسية "المحنّكة"، وتغاضوا عن الحكمة في التعاطي مع إرادة الشعب الإيراني الذي يرهقه الفقر والحرمان والفساد والتلوّث وقمع الحريات، وعجزوا عن فهم ديناميّة الدول الغربية بحيث اعتبروا أنّ الحاجة إلى النفط عمومًا والغاز خصوصًا، بعد "القطيعة" مع روسيا، ستجعل حكوماتها "تستسلم" للإرادة الإيرانيّة، سواء في مندرجات إحياء الاتفاق النووي، أو في الرغبة بالهيمنة على منطقة الشرق الأوسط.

ولكنّ الحسابات الإيرانيّة خابت، وأدى تقهقر النظام، داخليًّا وخارجيًّا، ليس إلى ابتعاد الخصوم فحسب، بل أيضًا إلى برودة "الحلفاء" الذين راحوا يفتشون عن بدائل ثابتة ومصداقة، كحال الصين مع مجلس التعاون الخليجي عمومًا والمملكة العربيّة السعوديّة، خصوصًا.

ولولا رغبة النظام الإيراني في "بثّ الأمل" بمستقبل أفضل للشعب الإيراني الغاضب هنا والثائر هناك، لكان العالم قد نسي أنّ هناك ملفًا نوويًّا، يجب أن يعالج دبلوماسيًّا.

وكما في الملف النووي كذلك الحال في ملف الحوار مع المملكة العربية السعودية، إذ إنّه في وقت لا يتوقف المسؤولون الإيرانيّون عن الحديث عن موافقة السعوديّة على معاودة الحوار الذي كان قد توقف، لم تصدر عن المسؤولين السعوديّين أيّ كلمة بهذا الصدد، الأمر الذي يؤشّر إلى عدم رهان الرياض على تغيير يمكن أن يحصل في "عقلية" طهران.

وفي سوريا، لا تتورّع إسرائيل عن توجيه ضربات موجعة إلى المصالح العسكريّة الإيرانية، في وقت وصلت فيه سمعة الميليشيات الإيرانيّة إلى الحضيض، بعدما كشف كبار المسؤولين الأردنيّين أدوارها في تنظيم وقيادة عمليات تهريب المخدرات عبر حدودها.

وبدل أن تدافع موسكو التي تبرم اتفاقيات عسكرية مع طهران عن المراكز الإيرانية في سوريا، تنشط دبلوماسيّتها لإضعاف النفوذ الإيراني على النظام، من خلال فتح قنوات تفاوضية مع تركيا من جهة، ومن خلال تكثيف دولة الإمارات العربية المتحدة محاولات رأب الصدع بين النظام السوري ومجلس التعاون الخليجي، من جهة أخرى.

وفي الملف الفلسطيني نفسه، تراجع النفوذ الإيراني لمصلحة تركيا وقطر ومصر، بحيث أصبحت لهذه الدول "التهدوية" كلمتها المؤثرة جدًّا في "حركة حماس".

وفي الملف الإسرائيلي، فقدت إيران نهائيًّا قدرة التأثير على المجتمعات العربية والإسلامية، بحيث تعزّز "اتفاقيات إبراهيم" نفسها، وهناك مساع لتوسيع دائرتها لتشمل دولًا أخرى، في مقدمها المملكة العربية السعودية، بعدما تعززت العلاقة الإسرائيلية مع أذربيجان "الشيعيّة" التي ليس لديها حدود مشتركة مع إيران فحسب، بل لها نفوذها داخل المكوّنات الشعبية في إيران، أيضًا.

وفي الملف العراقي، كان يفترض أن يفشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع إيصال الفصائل الموالية لإيران محمد شياع السوداني إلى رئاسة الحكومة، في عقد مؤتمر "بغداد 2" في الأردن، ولكنّ التقهقر الإيرانيّ جعل ما بدا له مستحيلًا، ممكنًا، إذ سرعان ما وافق السوداني ليس على الحضور فحسب، بل أيضًا على دعوة ماكرون إلى وجوب أن يتحرّر العراق من الهيمنة الإيرانيّة، إذ قال السوداني، في وقت لاحق، إنّ "العراق ينأى بنفسه عن الصراعات الإقليمية والدولية، ويؤدي دوره المهم في السعي لحلها، كما أن العراق يقف على مسافة واحدة بين أشقائه وجيرانه وأصدقائه".

وكانت فرنسا أكثر دول العالم حماسة لإقامة علاقات قوية مع إيران، ولكنّها، في ضوء الضغوط المجتمعيّة، اضطرت أن تتّخذ مواقف "قوية نسبيًّا" لمصلحة الثورة التي قادتها نساء إيران، منذ السادس عشر من سبتمبر الماضي، بعد قتل "شرطة الأخلاق" الشابة مهسا أميني.

وقد أثار استقبال ماكرون لثلاث ناشطات في الثورة غضب النظام الإيراني.

ولم تكد الدبلوماسيّة تنجح في التخفيف من حدّة الخلاف الفرنسي-الإيراني المستجد، حتى دخلت مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة على الخط، بنشرها عشرات رسوم الكاريكاتور التي تناولت مباشرة مرشد "الجمهورية الإسلامية" علي خامنئي.

وفيما حاولت طهران تحميل باريس المسؤوليّة، وبدأت بالتضييق على ما بقي من مصالحها في إيران، كإقفال المركز الثقافي الفرنسي في طهران، ردّت باريس، من خلال وزير خارجيتها، كاترين كولونا، بعنف على المسؤولين الإيرانيّين، مؤكدة على موقفها المدافع عن حرية الصحافة وحق التجديف في البلاد.

وكان لافتًا للانتباه أنّ افتتاحيّة مجلة "شارلي ايبدو" قد كشفت أنّ النظام الإيراني نفسه سبق أن ألهمها نشر رسوم كاريكاتوريّة "ساخرة" من اعتقادات الأصوليّين الإسلاميّين بداية ومن خامنئي لاحقًا.  وفي هذا السياق، كتبت الآتي: في العام 1993، أطلقت طهران مسابقة رسوم كاريكاتورية طلبت فيها من الفنانين رسم مؤلف "آيات شيطانية" من أجل "تصوير المؤامرة الحقيقية التي تختبئ وراء الرواية المجدّفة" التي كتبها سلمان رشدي. وكان مقررًا أن يحصل الفائز على 160 قطعة نقدية ذهبية. ردًا على ذلك، نشرت "شارلي إيبدو" حوالي 20 رسماً كاريكاتوريًا ساخرًا من جمهورية إيران الإسلامية. في النهاية، لولا هذه المنافسة التي أطلقها آيات الله الإيرانيون الذين أرادوا السخرية من رشدي، ربما لم تكن لتخطر لنا أبداً بعد 13 عاماً فكرة نشر رسوم كاريكاتورية عن محمد أو رسوم عن المرشد الإيراني الحالي. على الأقل، ولهذا السبب وحده، يمكننا أن نقول لهم شكرًا.

في خلاصة الأمر، لم يسبق لإيران أن وصلت إلى هذا المستوى من التقهقر، منذ نشوء الجمهورية الإسلامية، فهي تعاني الأمرّين في الداخل والخارج، ولم يبقَ لديها ما تقدّمه، في حال ثابرت على نهجها، سوى التهديدات التي توحّد أعداءها مع خصومها والشّعارات التي لم تعد تطرب أحدًا!

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية