الوحدة اليمنية جدلية الحاضر وحقائق التاريخ

الوحدة اليمنية جدلية الحاضر وحقائق التاريخ

الوحدة اليمنية جدلية الحاضر وحقائق التاريخ


22/05/2023

عبدالواسع الفاتكي

مثل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 حدثا مفصليا هاما، في تاريخ اليمن السياسي الحديث، ونتيجة طبيعية لإزالة الفوارق السياسية لشعب واحد يقطن في شطرين شمالي وجنوبي، يحكمهما نظامان سياسيان رأسمالي في الشمال واشتراكي في الجنوب.

لم تكن الوحدة اليمنية وحدة شعبين مختلفين هوية أو ثقافة أو انتماء، ولم تكن وحدة بين أعراق وقوميات مختلفة، كانت وحدة الأسرة الواحدة، وحدة اليمنيين بعضهم ببعض؛ بإزالة الحواجز الجغرافية المصطنعة؛ بفعل الحواجز السلطوية والسياسية، التي كانت تحكم الشطر الشمالي والشطر الجنوبي من اليمن، أطلت برأسها مرة أخرى؛ بفعل الصراعات السياسية، التي مزقت عضد النظام السياسي اليمني وسلطة دولة الوحدة، الأمر الذي ولد احتقانا وردة فعل غير صحية، لدى ذوي المشاريع الارتدادية؛ فبدلا من إصلاح منظومة الاختلالات في النظام السياسي لدولة الوحدة، تم توجيه الصراع صوب الوحدة اليمنية، وتحميلها إخفاقات وسلبيات النظام السياسي لدولة الوحدة، والتي لا يمكن الجزم بأن كل مكوناته وأطرافه ليست في منأى عن المسؤولية عنها، وعن استغلالها من قبل من عجز عن فرض تصوره أو رؤيته لدولة الوحدة، أو عجز عن الهزيمة السياسية لخصمه؛ فوجه سهمه نحو الوحدة باعتبارها أنها هي المسؤولة عن الغبن، الذي يشعر به، أو ضعفه أمام بقية الفرقاء السياسيين، بدلا من البحث عن دعائم سياسية واجتماعية وجماهيرية، تسنده في تأييد وتبني رؤاه السياسية، وتضغط على المخالف له؛ للوصول لتوافقات تصصح اختلالات المسار السياسي والسلطوي لدولة الوحدة، دون المساس بالوحدة اليمنية، التي تعد ملكا لليمنيين وحقا حصريا لهم على امتداد الجغرافية اليمنية، وليست هبة أو منة من النظام السياسي اليمني، سواء الذي كان في الشمال أو الجنوب.

مواثيق الأمم المتحدة ودساتير الدول تؤكد على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها؛ ولذلك فهي في مواقفها المعلنة من الوحدة اليمنية، تعرب عن تأكيدها الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، هذا الموقف للإقليم والمجتمع الدولي في الوقت الراهن لا يعني أنه سيستمر؛ لأن الذي يقف خلفه ليس قناعة الإقليم والمجتمع الدولي التامة بضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية، بقدر ما هو افتقار الانفصال للأسس القانونية والدستورية، التي تجعل قبول ودعم الإقليم والمجتمع الدولي له أمرا مقبولا، دون أن يسبب أي انعكاسات سياسية أو حتى أخلاقية أمام الرأي العام الدولي ومؤسساته؛ إذ أنه لا يمكن أن يتحقق الانفصال إلا بإحدى أمرين.

الأول: الانفصال بالقوة، وهذا سيكلف دعاة الانفصال تكاليف باهظة مالية وبشرية، ناهيك عن أن سلوك هذا المنحى سيفقد دعاة الانفصال المشروعية السياسية لمطالبهم، فضلا عن الحاجة الماسة لرعاية ومساندة خارجية لمشروعهم، بشكل معلن في المحافل الإقليمية والدولية، وهو ما ستحجم عنه كثير من الدول؛ تجنبا للتبعات المستقبلية لمواقفها، حتى تلك التي ترى بأن انفصال الجنوب اليمني في صالح مصالحها السياسية والاقتصادية، أو تلك المؤيدة له من خلال غض الطرف عن كل تحركات المجلس الانتقالي وتصعيده المستمر لفرض الانفصال كأمر واقع.

الثاني: الانفصال بالاستناد لمرجعية وطنية أو دستورية يصادق عليها الشعب اليمني، تتضمن حق تقرير المصير لأبناء المحافظات الجنوبية، وهو في تصوري ما يجري الإعداد له، بناء على المعطيات الموجودة على الأرض، والتغيرات التي طالت بنية السلطة الشرعية والتي أكسبت المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال شرعية الاعتراف به، كممثل للجنوب، وما يستدعيه هذا الاعتراف من تمهيد مسبق للتعاطي مع مطالبه الانفصالية، في المرحلة القادمة، المزمع هندستها بتسوية سياسية؛ لإنهاء الحرب ستحتفظ بالحوثيين كفصيل مشارك في أي ائتلاف قادم للسلطة، وهذا بالطبع يستدعي استمرار الاحتفاظ بالمجلس الانتقالي الجنوبي كمشارك في السلطة أيضا، والتي لن يوافق المجلس على المشاركة فيها إلا إذا تضمنت التسوية القادمة حق تقرير المصير لأبناء المحافظات الجنوبية، وهو ما سيوافق عليه المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية بضغوط إقليمية ودولية، عندئذ سيكسب المجلس الانتقالي الجنوبي ومن يدعمه في مشروعه الانفصالي مشروعية سياسية، بمرجعية داخلية وإقليمية ودولية، في خضم فترة انتقالية، يكن المجلس الانتقالي قد استكمل فيها بناء المؤسسات والهيئات الجاهزة لإدارة شؤون الحكم في المحافظات الجنوبية.

ظل اليمن موحدا في أغلب مراحله التاريخية، فوفقا لدراسة أحد المؤرخين اليمنيين، توحد اليمن بامتداداته التاريخية جغرافيا وسياسيا اثنين وعشرين مرة، آخرها في 22 مايو 1990 ووصل مجموع عمر دولة الوحدة اليمنية 3250 سنة، أما فترات الصراع والانقسام فكانت إما من أجل إعادة الوحدة، أو بسبب الفشل في إقامة دولة الوحدة.

انقلاب 21 سبتمبر 2014 أوجد الأرضية الصلبة لدعاة الانفصال، وساهم في خلق الظروف المهيئة له، وفتح شهية البعض من أبناء المحافظات الجنوبية لرفع الصوت عاليا مطالبين بفك الارتباط مع المحافظات الشمالية، ويمثل استمرار بقاء الانقلاب الحوثي في معظم محافظات شمال اليمن، وعدم تحريرها من قبضة الحوثيين، رافدا مهما ساندا لدعاة الانفصال، يمنحهم مبرراته، ويكسبهم تأييدا ملحوظا لدى أبناء المحافظات الجنوبية، وبالتالي فإن إضعاف صوت الانفصال في الجنوب، وقطع الطريق أمام داعميه، لن يتحقق إلا بهزيمة الانقلاب الحوثي وعودة مؤسسات الدولة الشرعية لكافة المحافظات الشمالية، عندئذ، لن يجد دعاة الانفصال من المبررات والأسباب، ما يقنعون به أبناء الجنوب بالانفصال، وسيدافع عن الوحدة اليمنية، ويتمسك بها أبناء المحافظات الجنوبية أكثر من أبناء المحافظات الشمالية.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية