الوهم العثماني المستجد

الوهم العثماني المستجد


19/08/2020

حسن مدن

تتعدد الجبهات التي تفتعل تركيا المعارك عليها، على حدود وفي عمق أراضي بلدان مستقلة ذات سيادة وكذلك في مياهها الإقليمية، وتستقطع بالقوة الغاشمة أراضي عائدة لهذه البلدان، ومن أجل ذلك تشعل الفتن والصراعات داخل البلدان المستهدفة، خاصة العربية منها، صانعة لنفسها أحصنة طروادة محلية، تستخدمها واجهة لاعتداءاتها.
لقد فعلت ذلك في سوريا، حين تحولت المعابر التركية إلى بوابات لدخول الآلاف من الإرهابيين المستجلبين من كافة بقاع الأرض ليقاتلوا هناك، بعد تدريبهم وتسليحهم، وتقديم أوجه الدعم اللوجستي لهم؛ لإطالة أمد الحرب، وفي نتيجة ذلك، احتلت أنقرة أراضي سورية، وما زالت تطمع في المزيد.
وتفعل ذلك الآن في ليبيا، مكررة السيناريو السوري إياه، رغم بعد المسافة بين تركيا وليبيا، حيث يحطّ المرتزقة على الأراضي الليبية، هابطين من الطائرات والبواخر التركية التي تجلبهم إلى هناك؛ للدفع بالوضع الميداني نحو المزيد من التوتر والتعقيد، طمعاً في تحقيق الغايات نفسها التي كانت في سوريا، والسيطرة على الثروات الليبية الغنية، النفطية منها خاصة.
مؤخراً عادت إلى الصدارة أنباء الاعتداءات التركية على العراق، الهدف القديم - الجديد لتركيا، خاصة في شماله، ما حمل السلطات العراقية على إغلاق المنافذ الحدودية والمطارات أمام الأتراك، رداً على انتهاك أنقرة لسيادة البلد والاعتداء عليه، حين استهدفت مركبات عسكرية لحرس الحدود العراقي بقصف صاروخي من طائرة مسيرة بمنطقة سيدكان شمال العراق، أدت إلى مقتل عسكريين عراقيين بينهم ضباط كبار.
يتشكل في أوروبا، والعالم، موقف واسع معارض للسياسات التوسعية التركية في المنطقة، وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، فأنقرة لم تكتفِ بالاعتداء على سيادة البلدان العربية، إنما اختارت الدخول في مواجهة مع فرنسا واليونان وقبرص، تعبيراً عن الأوهام النرجسية لأردوغان وحزبه في استعادة الإمبراطورية العثمانية المقبورة، غير مأسوف عليها، التي ثار العرب على عسفها وبطشها ومظالمها، ولن يقبلوا بعودة ورثتها الجدد في أنقرة إلى ديارهم، تحت أي راية.
وليس أبلغ على ذلك مما قاله في بدايات القرن العشرين الشاعر العربي الحجازي فؤاد الخطيب، معبراً عن الوجدان العربي في كل مكان، الماقت للعثمانية: «يا آل جنكيز أن تثقل مظالمكم/ على الشعوب فقد كانت لهم نعما/ فالظلم أيقظ منهم كل ذي سنة/ ما كان ينهض لولا أنه ظُلما».
ومستنهضاً بني قومه في مواجهة الطغيان العثماني قال الخطيب: «إيه بني العرب الأحرار إنّ لكم/ فجراً أطلّ على الأكوان مبتسما/ إلى الشآم إلى أرض العراق إلى/ أرض الجزيرة سيروا واحملوا العلما». 

عن "الخليج" الإماراتية

الصفحة الرئيسية