تداعيات استقالة صهر أردوغان.. والمعارضة التركية: اصطحب حماك معك

تداعيات استقالة صهر أردوغان.. والمعارضة التركية: اصطحب حماك معك


09/11/2020

أعلن وزير المالية التركي بيرات ألبيراق عن استقالته من منصبه بحجّة أوضاعه الصحية، فيما تدل الكثير من المؤشرات أنّ الاستقالة جاءت بطلب من الرئيس رجب طيب أردوغان، بضغط من قوى المعارضة ومواقع التواصل الاجتماعي الذين كانوا ينتقدون تصريحات الوزير، والتي كان آخرها عن تفوق تركيا على ألمانيا صناعياً، وأزمة انهيار العملة، بعد تدهور الاقتصاد التركي وانهيار سعر الليرة، وسبق ذلك قرار إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويصال الذي عيّنه أردوغان في 5 تموز (يوليو) 2019، بعد إقالة المحافظ الأسبق مراد تشاتين كايا، إثر رفضه تنفيذ تعليمات أردوغان الخاصة بخفض سعر الفائدة في البنوك.

بيرات ألبيراق يعلن عن استقالته بحجّة أوضاعه الصحية، فيما تدلّ المؤشرات أنّ الاستقالة جاءت بطلب من أردوغان

وإقالة وزير مالية حكومة العدالة والتنمية ومحافظ المصرف المركزي المقرّب من الرئيس وصهره، تعكس الأزمة التي أمسى أردوغان عاجزاً عن إخفائها، بالإضافة إلى ضعف النظام وعدم وجود أي استراتيجية اقتصادية لحلّ الأزمة التي تعصف بالبلاد والعباد.

وفي بيان نشره على حسابه في تطبيق إنستغرام، قال ألبيراق: "بعد تولي حقائب وزارية على مدى 5 أعوام تقريباً، قرّرت التوقف عن ممارسة مهامي (وزيراً للمالية) لأسباب صحية".

ولم يهمل ألبيراق في بيان استقالته الإشارة إلى تعرّضه لنوع من الظلم والحملة المغرضة.

لم يشفع على ما يبدو لألبيراق صلة القرابة التي تجمعه بالرئيس، فهو صهره والرجل الثاني في الحزب، إذ كان يُعدّه أردوغان ليكون خلفاً له في الحزب.

 

استقالة وزير المالية تعكس ضعف النظام، وعدم وجود أي استراتيجية اقتصادية لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد والعباد

 

هذه التطورات جاءت أيضاً بعد تململ عدد من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وشكواهم للرئيس من حرجهم الشديد أمام الناخبين بسبب ما آل إليه الاقتصاد التركي، حيث عقد أردوغان اجتماعاً مع هؤلاء النواب، حضره ألبيراق في مجلس خاص.

اقرأ أيضاً: أردوغان وحروبه الاقتصادية الوهمية

وفشل ألبيراق في الإجابة عن أسئلة النواب وانتقاداتهم، وأصرّ على أنّ الاقتصاد في أحسن أحواله، وأنّ ما يقال عن تدهوره ما هو إلا "حملة دعائية كاذبة" تقودها المعارضة بدعم من أطراف أجنبية.

 

الاستقالة أو الإقالة جاءت بعد شكوى نواب حزب العدالة والتنمية للرئيس من حرجهم الشديد أمام الناخبين بسبب الأوضاع الاقتصادية

 

ويبدو واضحاً أنّ الحلول الترقيعية التي كان يعتمد عليها ألبيراق للتستر على الوضع الحقيقي للاقتصاد التركي ما عادت قادرة على إخفاء الحقيقة، فالمواطن يلمس غلاء الأسعار وزيادة الضرائب وتراجع قيمة العملة، وما عادت البيانات والشعارات كافية لإقناعه بأنّ ما يعيشه وهم.

هذا، وشهدت الفترة الأخيرة مطالبات من المعارضة بإقالة ألبيراق. فقد دعا زعيم المعارضة الرئيسية في تركيا كمال كليجدار أوغلو، أردوغان إلى إقالة صهره، وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري، في اجتماع مجموعة برلمانية: "إذا كنت ما تزال تحب هذه الأمّة ولا ترغب في أن تصبح هذه الأمّة بائسة، فإنّ أول شيء ستفعله هو إنهاء واجب ذلك الصهر الاجتماعي"، وفق ما أوردت صحيفة "أحوال تركيا". وأضاف: "إقالته ستريح المجتمع وقاعدة ناخبيك".

وانضمّ إلى كيليجدار أوغلو النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد جارو بايلان في الدعوة إلى إقالة ألبيراق.

 

كمال كليجدار: إذا كنت ما تزال تحبّ هذه الأمّة، ولا ترغب في أن تصبح بائسة، فإنّ أول شيء ستفعله هو إنهاء واجب ذلك الصهر

 

وقال بايلان: إنّ المواطنين الأتراك أصبحوا فقراء، بينما ارتفعت معدلات البطالة وأصبحت تكلفة المعيشة لا تُحتمل خلال فترة تولي ألبيراق لمنصبه.

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، ندّدت أحزاب المعارضة، وسياسيون في تركيا، بالبرنامج الاقتصادي الجديد الذي أعلنه ألبيراق، معتبرين أنه عبارة عن "أكاذيب ممنهجة".

اقرأ أيضاً: من سوريا إلى ناغورنو كاراباخ: هكذا استعمل أردوغان المرتزقة

وكان صهر أردوغان قد كشف عن ملامح البرنامج الاقتصادي الجديد في تركيا، الذي سيستمر 3 أعوام، لينال وابلاً من الانتقادات من أكبر أحزاب المعارضة في البلاد.

وحينذاك، قال سليم تيمورجي، المتحدث باسم حزب المستقبل، الذي أسسه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، في سلسلة من التغريدات على حسابه في تويتر: إنّ ألبيراق "أظهر كيف أنّ الكذب أصبح ممنهجاً في الحكومة".

 

استقالة ألبيراق جاءت بعد حملة ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالبه بالاستقالة، وبعد انتقادات تعرّض لها من بولنت آرينتش

 

وأشار تيمورجي إلى أنّ ألبيراق "لم يعترف بالفشل أو يعتذر للأمّة"، في الوقت الذي تراجعت فيه الليرة إلى مستوى قياسي.

من جانبه، تحدّث زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، في تغريدة، عن ارتفاع معدلات البطالة في تركيا، وارتفاع أسعار صرف الدولار واليورو، وتراجع الاستثمارات. وأضاف: "تركيا لم تعد محكومة... تركيا تتشتت".

أمّا زعيمة حزب "الخير" التركي المعارض، وزيرة الداخلية السابقة، ميرال أكشينار، فقد قالت: إنّ حزب العدالة والتنمية الحاكم روّج لأعوام لأهداف عظيمة لتركيا، "لكنه اعترف اليوم من خلال البرنامج الاقتصادي الجديد بأنّ أهداف عام 2023 كانت هراء. إنه لأمر مؤسف لأحلام أمتنا".

اقرأ أيضاً: حكومة أردوغان مصابة بجنون الشك منذ أربع سنوات على الانقلاب

من جهته، كان داود أوغلو، الذي كان الأقرب إلى أردوغان قبل انشقاقه، قد حمّل مسؤولية التراجع الاقتصادي وعجز ميزانية البلاد إلى الرئيس التركي.

ووجّه أوغلو تهماً صريحة لأردوغان وصهره بالتورط في الفساد، ما أدى الى تراجع الاقتصاد وتفاقم عجز ميزانية الدولة، إضافة إلى تراجع الحرّيات العامة وتدهور الديمقراطية.

 

دعوات لمحاسبة صهر الرئيس التركي ألبيراق على تدهور الاقتصاد التركي والجوع والفساد

 

وبالعودة إلى قرار ألبيراق الخاص بالاستقالة، فقد جاء بعد حملة ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالبه بالاستقالة تحت هاشتاج “Berataşbayrakistifa#” الذي يعني "استقالة بيرات ألبيراق"، وبعد انتقادات تعرّض لها من قبل عضو المجلس الاستشاري الأعلى التابع لرئاسة الجمهورية، بولنت آرينتش، لنفيه وجود مشاكل اقتصادية في البلاد، حيث قال: "لقد اعترضت عندما قال وزيرنا إنّ الاقتصاد لا يواجه أزمة، وإنّ الأمر نفسي، بل مشكلتنا كبيرة".

اقرأ أيضاً: نورديك مونيتور: أردوغان يُرقي عقيداً على صلة بالقاعدة

تصريحات أرينتش جاءت خلال مشاركته في حوار تلفزيوني، حيث وجَّه عدداً من التحذيرات لوزير الخزانة والمالية، وفق ما نقلت صحيفة "زمان" التركية.

هذا، وكانت الحكومة التركية قد حاولت تحسين صورة الوزير، الذي يُعتبر ثاني أقوى شخصية في تركيا بعد أردوغان، بشتى الطرق بعد أزمة الليرة الكبرى، والتي عجزت عن احتوائها، فيما رأى مراقبون أنّ الإعلان عن اكتشاف جديد للغاز الطبيعي في البحر الأسود أعلن عنه أردوغان قبل أسابيع، محاولة من قبل الرئيس التركي لتخفيف نقمة الشعب على زوج ابنته.

وفي مؤشر آخر على حالة عدم الاستقرار التي تشهدها حكومة أردوغان، قال الكاتب والصحفي التركي فاتح ألتايلي: إنّ هناك ادعاءات قوية حول اعتزام الرئيس أردوغان إجراء تعديل وزراي اليوم، عقب إعلان استقالة بيرات ألبيراق بشكل مفاجئ.

وأوضح الكاتب بصحيفة "خبر تُرك" أنه منذ أن أعلن ألبيراق استقالته من منصبه، بدأت الادعاءات تتداول على نطاق واسع حول التخطيط لتعديلات وزارية شاملة اليوم، مضيفاً: "ولكنّ هذه الادعاءات مصدرها شائعات كواليس أنقرة".

اقرأ أيضاً: هل حصل أردوغان على إذن بوتين قبل إعلان أذربيجان عن هذا "النصر"؟

وقال ألتايلي: "لن أتحدث عن صحة أو خطأ هذه الادعاءات إلى أن أسمع بأذني تصريحاً رسمياً. وكأنني أشعر بأنّ صدق هذه الادعاءات مرتفع للغاية"، على حدّ قوله.

ورغم استقالة ألبيراق إلا أنّ دعوات محاسبته على تدهور الاقتصاد التركي تتوالى، فقد قال رئيس حزب عمال تركيا أركان باش: إنّ وزير المالية صهر أردوغان يجب أن يحاسب على الأداء الاقتصادي المتدهور.

وأكد أركان باش في تصريح نقلته صحيفة "زمان" أنه سعيد باستقالة ألبيراق من منصبه، قائلاً: "استقبلنا خبر استقالة بيرات ألبيراق، الذي لا يملك أي مهارة في الاقتصاد، بسعادة غامرة. ولكننا لا نقبل انسحابه بهذا الصمت. لن نترك ألبيراق حتى يُحاسب عن انهيار الاقتصاد والجوع والفساد".

اقرأ أيضاً: كيف سيتعامل بايدن مع النظام التركي؟ تصريحات سابقة تظهر موقفه من أردوغان

تصريحات باش جاءت من خلال منشور، عبر تويتر، حيث قال: "لو كنت أمتلك هاتفه لاتصلت به، وقلت له إنه اتخذ خطوة صحيحة جداً، وإن أمكن أن يصطحب حماه معه أيضاً، في إشارة منه إلى أردوغان.

ويرى محللون، وفق ما أوردت "ميديل إيست أون لاين"، أنّ الأزمة الاقتصادية في تركيا تشكلت نتيجة تدخلات أردوغان في السياسة النقدية وإقحام نفسه في مسائل اقتصادية ليست من مشمولاته، وشنّه حملة تصفيات سياسية ضد الكوادر والكفاءات بالبنك المركزي ممّن عارضوا تدخله في السياسة النقدية، ما أربك القطاع النقدي مسبباً له مشاكل كثيرة.

اقرأ أيضاً: جون بولتون يكشف أسرار علاقة ترامب وأردوغان في كتابه "الغرفة التي شهدت الأحداث"

وتعاني الليرة التركية منذ أشهر انهياراً مستمراً في خضم أزمات كثيرة جلبها أردوغان بسبب سياساته الفاشلة في إدارة البلاد، فضلاً عن تمويله تدخلات عسكرية في أكثر من جبهة صراع بدل التفاته إلى أزماته الداخلية، ما استنزف الميزانية التركية، وهو ما قد يشكّل بداية مرحلة من العزلة التركية، في ظل اكتساب أنقرة عداءات مجانية تجاه دول الخليج وأوروبا والدول الغربية.

وتواجه تركيا أزمة اقتصادية ومالية حادة نتيجة سياسات سقيمة لأردوغان وصهره، وضعت الاقتصاد التركي في موقف ضعيف في مواجهة الأزمات، من بينها تداعيات انتشار فيروس كورونا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية