تركيا الجديدة والخيارات المطروحة

تركيا الجديدة والخيارات المطروحة

تركيا الجديدة والخيارات المطروحة


18/06/2023

محمد نور الدين

انتهت الانتخابات النيابية والرئاسية في تركيا على انتصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و"تحالف الجمهور" المؤيد له. وبالتالي سيكون على تركيا أن تعيش وتتعايش خمس سنوات جديدة مع السلطة التي تحكم منذ عشرين سنة. ومع طيّ صفحة الانتخابات تفتح تركيا صفحتين، واحدة للسلطة، وأخرى للمعارضة.

 ووفقاً للنظام الرئاسي المعمول به منذ 2018، فإن خيوط اللعبة بكاملها يمسك بها رئيس الجمهورية. وأول هذه العناوين أن المعارضة التي خاضت معركتها تحت أكثر من عنوان، أبرزها إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى نظام "برلماني قوي"، سيكون عليها أن تطوي صفحة النقاش حول النظام الرئاسي. فالأتراك صوتوا بـ 52 % لأردوغان، أي لاستمرار النظام الرئاسي. وبالتالي ستكون السنوات الخمس المقبلة فرصة لتعزيز النظام الرئاسي وتثبيته، وجعله صفحة مسلّماً بها خارج أي نقاش جدّي.

 وبقاء النظام الرئاسي ليس تفصيلاً في مجتمع تتعدد بناه العرقية والدينية والمذهبية. ومن طبيعة الفئات التي صوتت لأردوغان، وتلك التي عارضته، يتبين واضحاً مدى الانقسام العمودي والخير الذي يعتري المجتمع. وهذا يعني أن الرئيس المقبل سيواصل كونه ممثلاً لفئة محددة من المجتمع تضم الكتلة القومية المتشددة والكتلة المحافظة المتدينة، بما يعني تهميش نصف المجتمع الذي صوّت ضد أردوغان وكله ينتمي للفئات غير القومية وغير المحافظة.

 وفي ظل استمرار النظام القومي- المحافظ هذا، يعني أن الفئات المهمشة ستجد نفسها خارج أي إطار يتيح لها المشاركة في القرار السياسي، وغير السياسي، خصوصاً في ظل أن وجودها في البرلمان لا معنى له مع تفريغ البرلمان من صلاحياته المؤثرة.

 إن شعور هذه الفئات بأنها خارج التأثير والشراكة قد يدفع بها إلى اللجوء إلى خيارات غير ديمقراطية، خصوصاً أنها تشكل تكتلات عرقية ومذهبية وأيديولوجية كاملة. ومن هنا، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس التركي الجديد ليس الوضع الاقتصادي المنهار الذي يمكن تجاوزه بإجراءات علمية إذا توفرت النوايا والمصالح لذلك، بل إن التحدي الأساسي هو أخذ العِبر والدروس من نتائج الانتخابات والانقسام المجتمعي الكبير الذي عكسته. وإذا لم تفعل السلطة الجديدة ذلك فإنها تقامر بدفع تركيا إلى مرحلة غير مستقرة.

 أما على الصعيد الخارجي والأمني، فقد برز تعيين حاقان فيدان وزيراً للخارجية، وهو رئيس للاستخبارات التركية منذ أكثر من عشر سنوات. ويمكن اعتبار ذلك تشديداً على البعد الأمني من السياسة الخارجية التركية من جهة، ومحاولة لتسريع خطوات الانفتاح على الخارج، من جهة ثانية. إذ إن دور فيدان يمكن أن يختصر التنسيق بين المخابرات والخارجية.

 ولا ننسى أن فيدان كانت له صولات وجولات ووساطات تتعلق بالسياسة الخارجية، وبالتالي فهو لن يكون "جديداً" على الدبلوماسية التركية.

 كما تم تعيين رئيس جديد للاستخبارات التركية هو ابراهيم قالين الذي كان ناطقاً باسم الرئاسة التركية منذ سنوات ومستشار السياسة الخارجية والأمن لأردوغان. وقد يبدو تعيين قالين غريباً بعض الشيء رأساً للاستخبارات باعتبار أن قالين انهمك على امتداد مساره الفكري بالموضوعات الفلسفية، وله العديد من الكتب في هذا الشأن. ولكن العلاقة الوطيدة بين قالين وأردوغان تجعل منه رجلاً موثوقاً في موقع حساس للغاية في بلد له أدواره، الإقليمية والدولية، المؤثرة.

 وتعطي التعيينات الأخيرة في المجال الخارجي والمخابرات انطباعاً بأن السياسات التركية الخارجية لن تتغير، أو لن يطرأ عليها تعديل جذري، أو حتى ملحوظ. لكن هذا الانطباع مرتبط بمدى الطموح الذي يتطلع إليه أردوغان. فإذا كان العمل على إنشاء "القرن التركي" هو الهدف، وما يتطلبه ذلك من توسيع للنفوذ التركي على حساب القوى الإقليمية والدولية، فإن هذا يتطلب سياسة خارجية مندفعة تتجاوز الخطوط الحمر. عدا ذلك، فإن تركيا قد تكون أمام سياسة خارجية متصالحة مع محيطها، وهذا يتطلب تفكيك المشكلات التي تجد نفسها طرفاً فيها، وفي رأسها الأزمة السورية والتي ستكون معياراً لاتجاهات السياسة الخارجية لتركيا في السنوات الخمس المقبلة.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية