تركيا تتوسع في أفريقيا... نفوذاً واقتصاداً

تركيا تتوسع في أفريقيا... نفوذاً واقتصاداً


01/11/2021

أسعد عبود

لم يكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعود من جولة أفريقية شملت أنغولا وتوغو ونيجيريا، حتى إستقبل في أنقرة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي. إنه رهان جديد يخوضه أردوغان على فتح الأسواق الأفريقية أمام الإقتصاد التركي وعلى ترسيخ نفوذ بلاده في القارة السمراء.   

معلوم أن أردوغان أبدى في الأعوام الأخيرة إهتماماً خاصاً بشمال أفريقيا ولا سيما في ليبيا، حيث لعب دوراً عسكرياً في مساندة حكومة الوفاق الوطني السابقة وأرسل مستشارين عسكريين ونقل مقاتلين من المعارضة السورية للقتال إلى جانب القوات الموالية لهذه الحكومة، وأبرم إتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، كان سبباً في إثارة توترات لاحقة مع مصر واليونان وقبرص.      

وفي العقدين الماضيين، أظهر أردوغان اهتماماً بإقامة موطئ قدم إستراتيجي في جزيرة سواكن السودانية، وكذلك فعل مع الصومال وأثيوبيا. 

اليوم يقود أردوغان ديبلوماسية هادئة بهدف إعادة العلاقات مع مصر. ويمهد بذلك لإنعقاد القمة التركية-الأفريقية في إسطنبول في كانون الأول (ديسمبر)  في مناخات من الإيجابية.    

وتنافس تركيا روسيا والصين وفرنسا الطامحة إلى الإضطلاع بأدوار أكبر في القارة الأفريقية. وتحتل المسألة الإقتصادية صدارة الإهتمام. وبلغة الأرقام فقد زاد التبادل التجاري بين تركيا والقارة إلى خمسة أضعاف، من خمسة مليارات عام 2003 عندما كان أردوغان رئيساً للوزراء إلى 25 ملياراً عام 2020. وخلال منتدى اقتصادي حول أفريقيا عقد في إسطنبول قبل أيام، أعلن أردوغان عزمه على زيادة هذه التبادلات إلى ثلاثة أضعاف مما هي عليه اليوم.    

وبالأرقام أيضاً، إرتفع عدد السفارات التركية في القارة من 12 إلى 43 منذ عام 2002، وتسير شركة الخطوط الجوية التركية رحلات إلى أكثر من 60 وجهة في الدول الأفريقية.  

ليس هذا فحسب،بل أن أردوغان يحمل معه في جولاته عدداً كبيراً من رجال الأعمال، بغية الحصول على إستثمارات في القارة والإستفادة من ثرواتها أيضاً. وبعد حرب ناغورنو-كراباخ وإكتساب المسيرات التركية شهرة واسعة في فاعليتها، باتت عيون دول أفريقية كثيرة على إبرام صفقات لشراء هذا النوع من الطائرات.    

وعقود التسلح  ترتدي أهمية بالغة في منطقة مضطربة أمنياً وتخوض دولها صراعات مع الحركات الجهادية، لا سيما في دول الساحل التي تضم التشاد وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو ومالي. وقد تكون تركيا طامحة إلى ملء الفراغ الفرنسي في المنطقة في ضوء اعتزام فرنسا سحب جزء من قوة برخان التي تقاتل الجهاديين في منطقة الساحل منذ عام 2013. وبعد الإنقلاب العسكري في مالي في آب (أغسطس) 2020، زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو باماكو، في وقت كان المجتمع الدولي يضغط على الجنرالات الذين الذين أطاحوا الرئيس المنتخب أبو بكر كيتا.   

ويربط بعض المراقبين الإهتمام التركي المتزايد بالقارة السمراء، مع إبتعاد تركي ملحوظ عن الأسواق الأوروبية والأميركية في الوقت نفسه. وعليه تجد أنقرة أن الساحة الأفريقية مغرية لتعويض الخسائر التركية في مناطق أخرى من العالم. وأفريقيا بحاجة إلى بنى تحتية من كهرباء ومياه عذبة وتشييد للطرقات السريعة والجسور. كما أن تركيا تعتمد اليوم على نحوٍ متزايد على الغاز الطبيعي الجزائري، الأمر الذي أتاح لها تقليل وارداتها من هذه المادة من روسيا وإيران.  

وهكذا تشكل أفريقيا ميداناً مهماً للإقتصاد التركي، وإستطراداً لنفوذ أنقرة الإقليمي الذي دخل في منافسة مع الصين وروسيا والإتحاد الأوروبي. وفي حسابات أردوغان يتداخل الإقتصاد مع السياسة في وقت تتركز أنظار الكثير من القوى العالمية على خيرات القارة السمراء...وعلى موقعها الإستراتيجي أيضاً.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية