تركيا تلعب بالنار

تركيا تلعب بالنار


09/09/2020

نبيل سالم

تطورات متلاحقة وفي أكثر من اتجاه تشهدها المنطقة في ظل التغول التركي، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو في شرق المتوسط، تحت شعارات دينية وقومية، تسعى أنقرة من خلالها إلى التغطية على أزماتها الداخلية، وهو ما أعلنه صراحة وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان، الذي اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان بمحاولة افتعال الأزمات؛ للتغطية على أزمة تركيا الاقتصادية.
وألمح لودريان إلى أن الاجتماع المقبل للمجلس الأوروبي سيبحث فرض عقوبات على أنقرة، رداً على أنشطتها غير الشرعية شرقي المتوسط، مكرراً بذلك تهديداً مماثلاً أطلقه وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، فيما نقل عن مصادر في الاتحاد الأوروبي قولها إن «كل الإجراءات، بما فيها نهج الجزرة والعصا، ستدرس خلال القمة في نهاية سبتمبر/ أيلول».
هذا المشهد من التوتر التركي الأوروبي بدأ في الواقع منذ سنوات، وتحديداً مع أزمة اللاجئين التي حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ابتزاز الأوروبيين من خلالها، وقد تصاعد مؤخراً، ووصل إلى ذروته مع إصرار أنقرة على القيام بعمليات تنقيب في مناطق متنازع عليها مع اليونان، رغم أن هذا ليس الملف الوحيد الشائك في العلاقات بين الطرفين، إذ ترفض العديد من الدول الأوروبية التدخلات التركية في ليبيا، وسياسة أنقرة الابتزازية للغرب، لدرجة راح فيها أردوغان يهدد صراحة بالعمل العسكري ضد اليونان، داعياً الاتحاد الأوروبي، إلى البقاء على «الحياد» في الأزمة بين تركيا واليونانيين، محذراً أثينا مما أسماه، ب«التجارب المريرة التي ستعيشها في الميدان». ومهدداً بتمزيق الخرائط والوثائق التي تحدد المناطق المتنازع عليها.
وإذا ما أضفنا إلى تصريحات الرئيس التركي تصريحات وزير خارجيته مولود جاويش التي تجاوز فيها اللغة الدبلوماسية المعتادة، بوصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه شخص «جن جنونه»، وهو تصريح عكس عمق الخلاف بين البلدين في خضم أزمة مشتعلة في شرق البحر المتوسط، نلاحظ أن أنقرة تحاول دفع الأزمة بينها وبين الاتحاد الأوروبي إلى أبعد مدى، لا سيما بعد الخسارة التي منيت بها السياسة التركية في ليبيا، بعد أن مارست فرنسا نفوذاً قوياً هناك دفع برئيس حكومة الوفاق فائز السراج الحليف الاستراتيجي لتركيا للموافقة على المساعي الأوروبية من دون موافقة كاملة من تركيا.
ناهيك عن أن فرنسا أظهرت أعلى درجات التضامن مع اليونان في التوتر الحديث الذي نشب بينها وبين تركيا، في ملف حقوق التنقيب عن الغاز بمنطقة شرق المتوسط، حتى إنها ضغطت لإحداث موقف أوروبي يهدد تركيا بفرض العقوبات، ما لم تتجاوب مع التحذيرات اليونانية الأوروبية.
لكن الحساسية التركية وصلت إلى ذروتها بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي أثناء زيارته لبغداد، والتي أعلن فيها عقب اجتماع مع رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني عن رفض فرنسا التدخلات الخارجية في الشؤون والأراضي العراقية، معتبراً أن العراق دولة ذات سيادة، وهي تصريحات قال المراقبون إنها تقصد العمليات العسكرية التركية في إقليم كردستان العراق، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني.
والحقيقة أن مجمل تلك الملفات، تشير إلى صراع حقيقي بين الطرفين، قد يكون دافعاً لمزيد من الاستقطاب الإقليمي، ما يهدد بالمزيد من التوترات في المنطقة، وصراعات لن تكون تركيا بمعزل عن نتائجها الكارثية، وهي تلعب بالنار. 

عن "الخليج" الإماراتية

الصفحة الرئيسية