تصاعد تهديدات "داعش" في الكونغو... ما الأسباب والتداعيات؟

تصاعد تهديدات "داعش" في الكونغو الديمقراطية... ما الأسباب والتداعيات؟

تصاعد تهديدات "داعش" في الكونغو... ما الأسباب والتداعيات؟


06/12/2023

في الوقت الذي تسعى فيه القوى الدولية والإقليمية لمحاصرة أنشطة تنظيم داعش داخل القارة الأفريقية، التي تشهد تصاعداً في التهديدات الأمنية للتنظيم، تبرز على الساحة المخاطر المتزايدة لـ"داعش" في وسط أفريقيا، ولا سيّما في دولة الكونغو الديمقراطية، التي تمثّل الثِّقل التنظيمي لـ"داعش" في تلك المنطقة، والركيزة العسكرية والفكرية التي ينطلق منها لتهديد دول الجوار وشنّ الهجمات الإرهابية المختلفة، خاصة ضد القرى والمناطق التي يقطنها المدنيون المسيحيون.

وهو ما بات يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تمدّد التنظيم في الكونغو الديمقراطية والعوامل التي ساعدته على ذلك، فضلاً عن التداعيات المحتملة لهذا التمدّد، خصوصاً بعدما أصبحت هجمات التنظيم دموية ومروعة.

تساؤلات أجابت عنها دراسة على موقع (تريندز للدراسات والبحوث)، بعنوان تصاعد تهديدات "داعش" في الكونغو الديمقراطية... الأسباب والتداعيات"، التي انقسمت إلى (4) أقسام:

 القوات الديمقراطية المتحالفة... نواة داعش الصلبة في الكونغو

الدراسة انطلقت ممّا تمثله ميليشيا القوات الديمقراطية المتحالفة من ركيزة يعتمد عليها تنظيم داعش لتعزيز وجوده في وسط أفريقيا بشكل عام، وفي الكونغو الديمقراطية بشكل خاص، منذ إعلان التنظيم، في أواخر عام 2018، أنّ القوات الديمقراطية المتحالفة فرعٌ تابع له، وأعلن مسؤوليته عن العمليات المنسوبة إلى الجماعة المتمردة منذ نيسان (أبريل) 2019، ويصف داعش هذه الميليشيا بأنّها فرع محلي له تحت مُسمّى "الدولة الإسلاميةـ ولاية وسط أفريقيا".

وتتمركز تلك الميليشيا في أعماق الوديان الضيّقة المليئة بالأحراش في جمهورية الكونغو، وتنمو بشكل سريع من خلال تجنيد الأطفال لتضخيم صفوفها، وصقل مهاراتهم في صنع القنابل وشنّ هجمات وحشية على القرى والكنائس والمرافق الطبية.

تنظيم داعش تمكن في غضون أعوام قليلة، عبر ذراعه القوات الديمقراطية المتحالفة، من التحول إلى قوة إرهابية مرعبة بسبب الهجمات الدموية المروعة

وتشير بعض التقارير إلى أنّ تشكّل تحالف القوى الديمقراطية في شرق جمهورية الكونغو عام 1995 جاء من خلال اتفاق بين جماعة التبليغ الأوغندية والجيش الوطني لتحرير أوغندا للقتال ضد الحكومة الأوغندية خلال ذلك الوقت؛ لذا فإنّ هذه القوات مؤلَّفة أساساً من متمردين أوغنديين مسلمين يُقيمون منذ 1995 في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وقد دعمت الحكومات المتعاقبة في جمهورية الكونغو الديمقراطية القوات الديمقراطية المتحالفة من أجل تعطيل الوجود العسكري الأوغندي والرواندي في البلاد.

ملامح تصاعد تهديدات "داعش" الأمنية في الكونغو الديمقراطية

تشير الدراسة في جزئها الثاني إلى أنّ تنظيم داعش تمكن في غضون أعوام قليلة، عبر ذراعه القوات الديمقراطية المتحالفة، من التحول إلى قوة إرهابية مرعبة بسبب الهجمات الدموية المروعة، على غرار استهدافه في حزيران (يونيو) 2023 مدرسةً بالقرب من الحدود بين أوغندا والكونغو، حسب مصادر رسمية وإعلامية أوغندية، حيث انتشلت السلطات جثث (41) شخصاً، من بينهم (38) طالباً، تم حرقهم أو إطلاق النار عليهم أو ضربهم حتى الموت، بعد أن هاجمها عناصر القوات الديمقراطية المتحالفة، واختَطفوا ما لا يقلّ عن (6) أشخاص.

تصاعد تهديدات "داعش" في الكونغو الديمقراطية

وذلك إلى جانب قدرة عناصر التنظيم على شنّ الهجمات الإرهابية الواسعة النطاق وغير التقليدية، والتي تحتاج إلى أعداد كبيرة وتخطيط واسع وعناصر على درجة كبيرة من التدريب والخبرة، بحسب الدراسة، على غرار هجومه في تشرين الأول (أكتوبر) 2020 على سجن كانغباي المركزي في مدينة بيني عاصمة إقليم شمال كيفو في الكونغو الديمقراطية؛ ممّا أدّى إلى تحرير أكثر من (1300) سجين، وقد أشاد تنظيم داعش بهذا الهجوم، ووصفه بالنصر الكبير.

وذلك ما جعل العديد من المراقبين يرون أنّ داعش وسط أفريقيا يُعدّ أخطر فروع "داعش" على الإطلاق، إلى جانب "داعش غرب أفريقيا".

ومن العوامل المهمة التي فاقمت تهديدات "داعش" الأمنية، في الكونغو، توسُّع التنظيم في عمليات الاختطاف للحصول على فدية مالية؛ كونها تُعدّ وسيلة سهلة للحصول على أموال ضخمة لتمويل أنشطته الإرهابية، حيث يتمكّن في عملية واحدة من اختطاف العشرات.

من العوامل التي أسهمت بشكل كبير في تمدّد تنظيم داعش في الكونغو الديمقراطية، وتصاعُد نشاطه بشكل لافت للنظر ومتسارع، الهشاشة الأمنية

كما أسهم تعاون "داعش" مع المجموعات الداعشية خارج الكونغو الديمقراطية في تزايد تهديدات التنظيم، وفقاً للدراسة.

في السياق، عزّز "داعش" في الكونغو من تعاونه مع بعض المجموعات الداعشية في تنزانيا، وهو ما بات يشكل تهديداً داعشيّاً جديداً لمنطقة وسط أفريقيا، بالنظر إلى أنّ تنزانيا من الناحية الجغرافية تشكل حلقة الوصل المباشر بين شمال موزمبيق وشرق الكونغو الديمقراطية؛ ممّا جعل نشاط "داعش"، وسط أفريقيا، يأخذ في الاتساع ليشمل تنزانيا.

أسباب تزايد تصاعد نشاط "داعش" في الكونغو الديمقراطية

ومن العوامل التي أسهمت بشكل كبير في تمدّد تنظيم داعش في الكونغو الديمقراطية وتصاعُد نشاطه بشكل لافت للنظر ومتسارع، بحسب الدراسة، الهشاشة الأمنية؛ إذ تُعدّ دولة الكونغو الديمقراطية من الدول التي تعاني هشاشة أمنية واضحة، بسبب ضعف الحكومة المركزية وتواضع القدرات العسكرية والأمنية، وأيضاً بسبب انتشار وتعدّد المجموعات المسلحة التي تنشط في مناطق عدة من البلاد، حيث ينشط بها أكثر من (120) ميليشيا في شرق البلاد منذ نحو (30) عاماً.

هذا إلى جانب الصراعات الإثنية والقبَلية التي تندلع بين الحين والآخر، وتُسبّب نوعاً من الفوضى الأمنية تؤدي إلى نزوح المدنيين، وقتل العديد منهم، جراء الاشتباكات المسلّحة التي تنشأ بسبب تلك الصراعات، على غرار تلك الاشتباكات الإثنية التي وقعت في منطقة إيتوري عام 2018، والتي أدّت إلى فرار أكثر من (28) ألفاً عبر الحدود إلى أوغندا، حسب أرقام الأمم المتحدة، ومعظمهم من النساء والأطفال.

يطرح تنظيم داعش نفسه على أنّه المدافع عن الإسلام في منطقة وسط وشرق أفريقيا ضد ما يسمّيه الحرب الصليبية التي تقودها بعض دول المنطقة

ومن العوامل الأخرى أيضاً السيولة الحدودية، فمنذ انتقال مجموعة القوات المتحالفة الديمقراطية من أوغندا إلى شرق الكونغو الديمقراطية في عام 1995، وهي تستغلّ حالة السيولة الحدودية بين أوغندا والكونغو الديمقراطية، والتي تتسم بالحدود الهشّة بالنظر إلى اتساعها عبر مسافات طويلة، وضعف الرقابة الأمنية عليها من قِبل الجيشَين الأوغندي والكونغولي، للانتقال عبر حدود الدولتين.

ومن العوامل الأخرى؛ توافر مصادر التمويل، فقد تمكّنت القوات المتحالفة الديمقراطية منذ إعلان مبايعتها لتنظيم داعش من توفير مصادر تمويل جيدة لها، تُمكنّها من الإنفاق على أنشطتها بشكل جيد، ولم تقتصر على المصادر التقليدية مثل التبرعات، وإنّما من خلال إيجاد مصادر تمويل غير تقليدية أيضاً، عبر شبكات تمويل تنشَط خارج حدود الكونغو الديمقراطية.

...

كذلك يعمل تنظيم داعش على التركيز على إعلام الرعب، وهو من العوامل المهمة التي ساعدت القوات الديمقراطية المتحالفة على الانتشار الواسع داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، على مدى العقدين الماضيين، من خلال الاعتماد بشكل كبير على الصور ومقاطع الفيديو التي تتناول قَطع الرؤوس وعمليات الذبح والقتل، فضلاً عن مشاهد إحراق القرى والمدنيين والبيوت والكنائس.

هذا دون اعتبار القدرة على الاستقطاب والتجنيد، فبالرغم من قدرة القوات المتحالفة الديمقراطية على الاستمرار في الاستقطاب والتجنيد من داخل الكونغو الديمقراطية، من خلال رفع شعارات براقة تجذب المتطرفين مثل دولة الخلافة والدفاع عن الإسلام، فإنّ هناك تقارير تشير إلى أنّها عملت على استقبال مقاتلين من دول أفريقية مختلفة، أهمها كينيا ورواندا وجنوب أفريقيا.

التداعيات المحتملة لتمدّد داعش في الكونغو

ومن التهديدات المحتملة لهذا التمدد، بحسب ما ورد في الدراسة، محاولة التوغل في دول الجوار، إذ يطرح تنظيم داعش نفسه على أنّه المدافع عن الإسلام في منطقة وسط وشرق أفريقيا، ضد ما يسمّيه الحرب الصليبية التي تقودها بعض دول المنطقة على غرار أوغندا، التي يرغب في العودة إليها، ولكن تحت شعارات دينية جهادية جذابة، بسبب تدخلها في الصومال.

ومنها تهديد المصالح الاقتصادية، خصوصاً أنّ تنظيم داعش في الكونغو يسعى لتزعُّم كلّ المجموعات الداعشية في وسط أفريقيا، خاصة تلك المنتشرة في موزمبيق، والتي تمكّنت في وقت من الأوقات من السيطرة على بعض المناطق المهمة داخل البلاد، على غرار سيطرتها على مدينة بالما  في آذار (مارس) 2021، والتي تبعد مسافة (10) كيلومترات فقط من مشروع غاز عملاق تبلغ تكلفته مليارات، وتديره مجموعة (توتال) الفرنسية.

وأشارت الدراسة إلى إمكانية تكريس الاستهداف الطائفي، فعلى الرغم من استهداف المجموعات الموالية لداعش للمدنيين غير الموالين لها في مناطق نفوذها وانتشارها، فإنّ فرع داعش في الكونغو، وهي القوات المتحالفة الديمقراطية، يُعدّ أكثر فروع التنظيم استهدافاً للمدنيين، خاصة المواطنين المسيحيين، وهو ما قد ينشر مبدأ الصراعات الطائفية في منطقة وسط أفريقيا، والقتل على أساس الهوية الدينية.

مواضيع ذات صلة:

مجلات الجماعات الإسلامية عبر 9 عقود.. كيف ارتبطت بالدعاية السياسية لحركات الإسلام السياسي؟

خطورة فكر الإخوان المسلمين على المجتمعات الإسلامية

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية