تولوز وولادة الجهادية الحديثة

تولوز وولادة الجهادية الحديثة

تولوز وولادة الجهادية الحديثة


06/04/2023

ليام دافي

في هذا التحليل يتساءل ليام دافي، الباحث المتخصص في مجال مكافحة الإرهاب: عندما يرتدي شابان قميص نادي تولوز، يحمل اسم أشهر قاتل جماعي عرفته المدينة؛ فهل يعتبر ذلك مجرد تصرف استفزازي مريض أم أنه دليل على التعاطف مع وجهة نظر هذا القاتل؟ في وقت سابق من هذا الشهر، اعتبرت محكمة فرنسية هذا التصرف تأييداً للإرهاب، وأصدرت أحكاماً بالسجن لثلاثة وأربعة أشهر على شابَّين نشرا صورهما على تطبيق “سناب شات” وهما يرتديان قميصاً لنادي تولوز يحمل اسم الجهادي القاتل محمد مراح، والرقم 7، في إشارة إلى عدد الأشخاص الذين قتلهم.

بدأ محمد مراح سلسلة جرائمه في تولوز، في 11 مارس، عندما قتل جندياً فرنسياً من أصل مغربي رفض أوامره بالاستلقاء على الأرض. ثم كرر هجومه في 15 مارس، فقتل جنديَّين في مونتوبان، وأصاب الثالث بالشلل. ثم عاد في 19 مارس فهاجم مدرسة “خدام التوراة” اليهودية، فقتل حاخاماً وطفلَيه البالغَين من العمر 3 و5 سنوات في باحة المدرسة، قبل أن يدخل إلى البناء ويقتل فتاة في عامها الثامن، وقام مراح بتصوير جرائمه كلها. قُتل مراح بعد مطاردة ومواجهة طويلة في شقته مع قوات الشرطة الفرنسية.

على الرغم من بشاعة العنف الجهادي؛ فقد لاقت جرائم مراح شيئاً من الشعبية، وربما الإعجاب. وقد أشارت نائبة عمدة المدينة إلى أن البعض، حتى من خارج الأوساط الجهادية، ينظرون إليه بشكل إيجابي باعتباره رمزاً للتمرد على المجتمع. حتى إن صفحات وسائل التواصل التي تشيد به جذبت آلاف الإعجابات، بينما كانت الشرطة تحاصر شقته، وبعد مقتله اضطرت الشرطة إلى منع الناس من وضع الزهور على باب شقته.

أما في الأوساط السلفية الجهادية؛ فقد حولت جرائم مراح الوحشية هذا القاتل إلى أيقونة ألهمت كثيرين؛ من أمثال القاتل مهدي نموش. عندما حاصرت الشرطة الفرنسية مراح كان نموش يمضي عقوبة سجن، وعادةً كان نموش يرفض مشاهدة التليفزيون الكافر؛ لكنه في ذلك اليوم طلب من سجانه جهاز تليفزيون ليشاهد مطاردة مراح على الهواء مباشرةً. بعد إطلاق سراحه توجه نموش إلى سوريا، لينضم إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، قبل أن يعود إلى بروكسل عام 2014 ليقتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في المدينة، ويصبح صاحب أول هجوم ينفذه أحد أفراد “داعش” العائدين.

تقول لورنس بايندنر، المتخصصة في متابعة أنشطة الجهاديين عبر الإنترنت: إن تأثير مراح في الحي الذي كان يقيم فيه كان عميقاً للغاية. وترى بايندنر أن مراح احتل مكانة رمزية في التقاليد الجهادية لسبب بسيط ومخيف، “لقد كان الشخص الذي لا يعرف حدوداً، كان الشخص الذي يقتل الأطفال دون أن يرف له جفن”؛ ولكنها تضيف بسرعة: “هذا أيضاً جعله مرفوضاً حتى من بعض الجهاديين الراديكاليين”. لقد أدت جرائم مراح إلى تقسيم الجهاديين في فرنسا وخارجها؛ ولكن في السنوات القليلة التالية بدا أن أنصاره يفوزون، بصورة حاسمة. لقد أراد جيل مراح تحويل شوارع وميادين أوروبا إلى ساحات جهاد؛ فأطلقوا موجة من العنف الشديد ضد المدنيين في أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص.

ربما كانت الأسطورة الأخطر التي خلقها مراح هي أسطورة الذئب المنفرد. تم تبني هذه النظرية في حالة مراح للتأكيد أنه تصرف بمفرده دون أن يتلقى توجيهاً رسمياً من القاعدة. ولكن هذه كانت النظرية القديمة في مكافحة الإرهاب التي لم يتم تحديثها لتناسب الجيل الجديد من الجهاديين. توقعت الدوائر الأمنية في أوروبا وجود خلايا نائمة وعمليات تفجير لأهداف عالية الأهمية؛ ولكن ما حدث كان موجة من العنف الجماعي نفذها متطرفون أوروبيون دُرِّبوا خارج الحدود. لقد منعت نظرية الذئب المنفرد الدولة والمجتمع المدني من إدراك ما سيأتي بشكل كامل، ولم تهتم بعملية التنشئة الاجتماعية المتطرفة التي تجري بهدوء في مناطق متعددة من أوروبا الغربية.

وقد كانت تولوز واحدة من هذه المناطق؛ حيث عمل متشددون مرتبطون بالجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، على مدى عقود، على بناء معقل رئيسي للجهادية الفرنسية؛ وهي البيئة التي انتمى إليها محمد مراح. تتلمذ مراح على يدَي “الأمير الأبيض” أوليفييه كوريل [إسلامي سوري متطرف اسمه الحقيقي عبدالإله الدندشي، سُجن في سوريا؛ لانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يهاجر إلى فرنسا ويحصل على جنسيتها] الذي أسس جماعة سلفية جهادية في تولوز. وكان من بين زملاء مراح في جماعة الأمير الأبيض، الإخوة كلاين الذين ساعد نشاطهم على زيادة أعداد الجماعة السلفية في تولوز من بضع عشرات إلى بضع مئات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

لم يكن مراح حالة شاذة في مجتمعه؛ فعائلته الكبيرة حملت كراهية شديدة للمجتمع الفرنسي واليهود، ويعتقد أن شقيقه، الملقب باسم “أسامة بن لادن”، قد انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وشقيقته سعاد كانت ناشطة على مواقع الشبكات السلفية الجهادية، وعملت في مدرسة مستقلة أُنشئت لتربية المسلمين على النحو الذي حدده السلفيون والإخوان المسلمون. أعلنت سعاد أنها “فخورة، فخورة، فخورة” بأخيها؛ لارتكابه مجزرة ضد اليهود، قبل أن تنضم في النهاية مع عدد من رفاق مراح إلى تنظيم الدولة الإسلامية. كما أن الأخ غير الشقيق لمراح هو الرجل الفرنسي الوحيد المتهم رسمياً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لدوره في أعمال الإبادة الجماعية للإيزيديين في العراق.

لقد أثر مراح على الحركة الجهادية ومكافحة الإرهاب في أوروبا بصورة عميقة للغاية، وكذلك كان تأثيره على تولوز؛ حيث كان هجومه الإرهابي يخيم على أجوائها، وأثر بشكل كبير على الجالية اليهودية فيها؛ التي قرر عدد كبير من عائلاتها مغادرة المدينة. ربما لم تكن قسوة جريمة مراح هي ما دفع هؤلاء لترك مدينتهم؛ بل معرفتهم أن هذه الجريمة كانت عملاً بطولياً بالنسبة إلى الكثير من جيرانهم.

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية