تونس تحارب الفساد.. سعيّد يطيح بحيتان كبيرة ويفتح قضايا خطيرة

تونس تحارب الفساد.. سعيّد يطيح بحيتان كبيرة ويفتح قضايا خطيرة

تونس تحارب الفساد.. سعيّد يطيح بحيتان كبيرة ويفتح قضايا خطيرة


12/02/2023

نظراً لانتشار الفساد في مرافق الإدارات التونسية ما تسبب بالإضرار بمصالح الشعب، منح التونسيون ثقتهم للرئيس التونسي قيس سعيّد خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، وحصد من خلالها شعبية منقطعة النظير، أرجعها مراقبون إلى "نظافة يده" من جهة، وإلى الشعار الذي رفعه بـ"مقاومة الفساد" الذي استشرى طوال العشرية الماضية من قبل جماعات وأحزاب عملت على النظر إلى الدولة ومقدراتها على أنّها غنيمة واعتبرت نفسها منتصرة في صراع المغالبة.

ونظر التونسيون إلى المنظومة السياسية والحكومات التي دعمتها حركة النهضة ما بعد ثورة 2011 على أنّها متهمة بتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، جراء إدخال البلاد في متاهات الفساد، والتعامل مع السلطة بمنطق الغنيمة والوساطات.

بات ملف مكافحة الفساد حديث الشارع التونسي، الذي تساءل عن مدى جدية الرئيس قيس سعيّد في فتح ملفات الفساد السياسي والإداري والمالي ومحاسبة المتورطين فيها والقطع مع عهد المحسوبية والإفلات من العقاب وخرق القانون.

كشف تورط نقابة أمنية في فساد بملايين الدولارات

وفي إطار الحرب التي وعد بها سعيّد، قررت السلطات التونسية الاحتفاظ بتسعة أشخاص بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي لإحدى النقابات الأمنية ووسطاء بتهمة الاختلاس والقيام بعمليات مالية احتيالية وتزوير وتلاعب مالي بلغ 134 مليون دينار (نحو 45 مليون دولار)، في خطوة هامة من قبل الدولة لمواجهة الفساد داخل النقابات الأمنية وضمن تعهد الرئيس التونسي قيس سعيد بتفعيل المحاسبة لتشمل جميع القطاعات.

قوات الأمن اعتقلت رجل الأعمال المعروف كمال اللطيف من منزله

وقالت الداخلية التونسية في بيان نشرته في صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، السبت، "أنّ نتائج عمليات التدقيق المالي والأبحاث بينت وجود شبهة توظيف غير مشروع لأموال المنخرطين وممارسات احتياليّة مختلفة وواسعة النطاق وتلاعب بمقدّرات النقابة التي قد تناهز 134 مليون دينار".

وأكدت الداخلية أنّ الأبحاث بشأن القضية كشفت "عن شبهة إنشاء طلبات دفع مزوّرة وتضخيم فواتير وإجراء تحويلات بنكيّة غير مدعومة وأخرى مشبوهة إلى حسابات خاصة لوسطاء من أقارب ومعارف أعضاء المكتب التنفيذي تمّ توظيفهم، للتبرير المغلوط لنفقات وهمية وتحريفها على أنّها لقاء خدمات مهنية أو اجتماعية والاستيلاء عليها وإجراء عمليات سحب نقدي لمبالغ هامة بقي مآلها مجهولاً".

ينظر التونسيون إلى المنظومة السياسية ما بعد ثورة 2011 على أنّها متهمة بتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية جراء إدخال البلاد في متاهات الفساد

ملف الفساد داخل النقابات بما فيها النقابات الأمنية يعدّ أحد أبرز المطالب الشعبية التي تعهد الرئيس سعيّد بالبت فيها.

ونشأت عشرات النقابات الأمنية في الأشهر الأولى بعد الثورة بدون أي إطار قانوني ينظمها، قبل أن تتحصّل في أيار (مايو) 2011 على اعتراف رسمي، عبر إصدار المرسوم عدد 42 المنقّح للنظام الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي الذي أجاز العمل النقابي لأعوان الأمن لكن دون الحق في الإضراب.

إيقافات من الوزن الثقيل

كذلك، نفذت قوات الأمن التونسية، باليوم نفسه، حملة إيقافات طالت أحد السياسيين البارزين ورجل أعمال معروف، وذلك على إثر دعوة الرئيس قيس سعيّد لمحاسبة الفاسدين، واتهامه بعض القوى السياسية بـ"التآمر" على أمن الدولة بدعم من أطراف خارجية.

قوات الأمن اعتقلت رجل الأعمال المعروف كمال اللطيف من منزله، وهو أحد رجال الأعمال المثيرين للجدل ووصف من قبل معارضيه بأنّه "رجل الظل" في مختلف الحكومات بعد الثورة نظراً لعلاقاته المتشعبة.

ولكمال اللطيف علاقات وطيدة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي واُتهم مراراً بأنّه وراء تعيين بعض الوزراء ورؤساء الحكومات بسبب علاقاته الداخلية والخارجية المتشعبة، لكن اللطيف نفى ذلك في المرات القليلة التي يخرج فيها في وسائل الإعلام.

وأثار اللطيف جدلاً واسعاً بعد الثورة حينما أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس في 2013 بطاقة جلب ضده في قضية تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، لكن عناصر الأمن المكلفة بذلك تحولت إلى منزله ولم تتمكن من إيقافه، وقدمت له استدعاء للاستماع إليه، وهو ما أثار كثيراً من الانتقادات والجدل حول نفوذ الرجل في مفاصل الدولة الحساسة.

ملف الفساد داخل النقابات بما فيها النقابات الأمنية يعدّ أحد أبرز المطالب الشعبية التي تعهد الرئيس سعيّد بالبت فيها

الأجهزة التونسية اعتقلت أيضاً القيادي السابق في حركة النهضة الإخوانية عبد الحميد الجلاصي، وبحسب وسائل إعلام محلية، فإنّ الجلاصي ملاحق بشبهة "التآمر على أمن الدولة".

والجلاصي هو مهندس كيميائي، التحق منذ عامه الأول خلال دراسته في الجامعة بما يسمى بـ"حركة الاتجاه الإسلامي" أي حركة "النهضة" الإخوانية حالياً، بداية من 1983.

وبعد 2011، كان للجلاصي مكانة هامة في قيادة حركة النهضة، حيث أشرف على البناء التنظيمي وقاد حملة انتخاب المجلس الوطني التأسيسي التونسي في تشرين الأول (أكتوبر) 2011.

كما تم تعيينه منسقاً عاماً ونائباً أولاً لزعيم الحركة راشد الغنوشي، وفي 4 من آذار (مارس) 2020، أعلن الجلاصي استقالته النهائية من حركة النهضة الإخوانية.

وقبل ذلك بساعات قليلة، أوقف الأمن التونسي الناشط السياسي خيام التركي القيادي السابق في حزب التكتل، أحد أحزاب حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة بعد الثورة وهو كذلك رجل أعمال خضع في 2012 إلى التحقيق القضائي بسبب شبهات فساد مالي إثر شكوى تقدمت بها شركة إماراتية، وتم تداول اسمه كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة بعد استقالة رئيس الوزراء السابق إلياس الفخفاخ عام 2020.

الناشط السياسي خيام التركي القيادي السابق في حزب التكتل

يُشار إلى أنّ التهم التي تلاحق الموقوفين تهم جميعها التآمر على أمن الدولة والفساد.

وتأتي هذه التطورات في خضم صراع كذلك بين الرئيس سعيّد والنقابات العمالية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل حيث تؤكد السلطة أنها تريد محاسبة الفاسدين وليس التضييق على العمل النقابي باعتباره من الحقوق المكفولة في الدستور.

سعيّد وشعار محاربة الفساد

وأكد الرئيس التونسي قيس سعيّد مراراً أنّ "الدولة التونسية في حالة حرب ضد الفساد والخونة والعملاء، وسباقٍ مع الزمن لتصحيح مسار التاريخ"، كما تحدث في العديد من المناسبات عمّا وصفها بحالة من الفساد المستشري التي تشهدها الدولة التونسية، مشيراً إلى أنّها "في حاجة إلى أموال وعدالة اجتماعية والقضاء على الفساد المستشري كأسراب الجراد".

وفي أيار (مايو) الماضي قال سعيّد لوسائل إعلام فرنسية إنّ "تونس تملك كل الثروات ولكن للأسف كلما زادت النصوص زاد اللصوص.. كلما ازداد نص إلا وازداد معه لص ومع ذلك يتبجحون بالإصلاح".

يرى متابعون أنّ حركة النهضة الإخوانية رفضت خلال العشرية الماضية أن تكون خارج دائرة الحكم، لما لها من ملفات كبيرة متعلقة بالفساد المالي

ويرى المتابعون للشأن التونسي أنّ حركة النهضة الإخوانية رفضت خلال العشرية الماضية أن تكون خارج دائرة الحكم، لما لها من ملفات كبيرة متعلقة بالفساد المالي، واستغلال السلطة في التغطية على تجاوزاتها، حيث عملت على ضرب منافسيها من الداخل كما فعلت مع نداء تونس بعد أن منحها مؤسسها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الفرصة عندما تخلى عن وعوده الانتخابية وتحالف معها تحت ضغوط خارجية وأخرى داخلية، والذي أدى في النهاية إلى انهيار تام لحزب السبسي حتى قبل وفاته في الخامس والعشرين من يوليو 2019.

فتح ملفات لأول مرّة منذ العام 2011

هذا وتم اتخاذ قرارات في عدد من الملفات، تشمل أحزاباً وسياسيين وشخصيات معروفة، من بينها ملفات "عقود مجموعات الضغط"، ضد كل من حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية عيش تونسي، الذين لاحقتهم تهم الفساد منذ ترشحهم لانتخابات 2019، لكن تم تجاهلها.

وتناولت التحقيقات حصول هذه الأحزاب على تمويلات أجنبية غير مشروعة طبقاً لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات، والقانون للأحزاب السياسية، إلى جانب ملفات أخرى خطيرة مثل شبهات الفساد المتعلقة بالرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد وهيئة الحقيقة والكرامة.

كما تم فتح قضايا فساد مالي، ضد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وبعض قيادات الحركة، وهي محل متابعة لليوم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية