تونس تفكر بانتخابات برلمانية.. وحزبيون يؤكدون: "النهضة" حليف لا يُستأمن

تونس تفكر بانتخابات برلمانية.. وحزبيون يؤكدون: "النهضة" حليف لا يُستأمن


12/08/2020

باتت فرضية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة أكثر رواجاً بين الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية في تونس، أمام صعوبة التوصل إلى تحالفات حزبية، وتعطّل إمكانيات الانفراج السياسي بين الأحزاب البرلمانية التقدمية من جهةٍ، وحركة النهضة الإسلامية وحلفائها من جهةٍ أخرى.

النائبة منيرة العياري لـ"حفريات": النهضة حليف لا يُستأمن على أيّ اتّفاق وتجربتنا القصيرة معها في الحكم أكّدت أنّها غير جديّة، وأنّها تسعى فقط وراء مصالحها الحزبية

يأتي ذلك في ظلّ تمسّك أغلب الأحزاب التونسية بعدم التحالف مع حركة النّهضة الإسلامية، وإخراجها من الحكم، فيما تتمسّك النهضة وحلفاؤها بالحكم، وتهدّد بإسقاط الحكومة ما لم تشملها الحقائب الوزارية، في وقتٍ تؤكد مشاورات رئيس الحكومة المكلّف؛ أنّه يتّجه نحو تكوين حكومة كفاءات مستقلّة عن كلّ الأحزاب، لمحاولة الخروج بالبلاد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أضعفتها منذ العام 2011.

سيناريو يدعمه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس تأسست عام 1946)؛ بسبب المشهد البرلماني المتشرذم الذي أفرزته انتخابات 2019، والذي تسبّب، منذ بداية المدّة النيابية الحالية أواخر 2019، في عطالةٍ أفقدت البرلمان وزنه كسلطة أولى في البلاد. 

حركة النهضة تتمسك بالحكم وتهدد بإجراء انتخابات مبكرة

وقد جدّد رئيس المنظمة النقابية، نور الدين الطبوبي، رغبته في الذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة، وأكّد في تصريحات إعلامية مختلفة؛ أنّ حالة تعطيل المجلس تستدعي أن يفكّر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في الدعوة لانتخابات جديدة، موضحاً أنّه "من الضروري إعادة الأمانة للشعب ليختار من جديد القيادات التي تمثله"، معتبراً أنّ الانتخابات هي آلية حاسمة لفضّ الأزمات السياسية في العالم.

النهضة تضغط للمشاركة في الحكم

رغم الرفض السياسي الواسع لاستمرار وجود النّهضة في الحكم، لا تبدو الحركة راغبة في الخروج منه، رغم أنّها سيطرت على مفاصله لـ 10 أعوام متتالية، تراجعت خلالها كل مؤشرات تونس التنموية والاقتصادية والاجتماعية؛ إذ تسعى حالياً للضغط على رئيس الحكومة المكلّف، من أجل أن تضمن لها مكاناً في الحكومة الجديدة.

اقرأ أيضاً: قنابل موقوتة على الحدود الليبية تهدد أمن تونس

وأكّد مجلس شورى الحركة، المنعقد يومي السبت والأحد 8 و9 آب (أغسطس) الجاري، تمسّكه بتشكيل حكومة وحدة وطنيّة سياسيّة، تأخذ بعين الاعتبار الأوزان البرلمانية، وتحوز على أوسع دعم سياسي ممكن، وتعكف على إنجاز برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي يحدّ من التداعيات الخطيرة لأزمة الكورونا، ولتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين وللانخرام الكبير في الموازنات المالية للدولة".

اقرأ أيضاً: كيف ألقت الأزمة الليبية بظلالها السياسية على تونس؟

وتشير بعض المعطيات الواردة من داخل مجلس الشورى إلى أنّ الحركة ناقشت، خلال المجلس، احتمال مشاركتها في الحكومة، عبر الاستقواء بحلفائها (ائتلاف الكرامة ذو التوجه الإسلامي "19 نائباً" وقلب تونس "27 نائباً" وبعض المستقلين) والتهديد بإمكانية إسقاط الحكومة، ما لم يخضع المشيشي لشروطها، أو الاستعداد لانتخابات تشريعية مبكرة، في حال فشل الحكومة في تجميع أغلبية برلمانية داعمة.

كما ناقشت أيضاً الاصطفاف في المعارضة، للمرة الأولى، منذ 2011، غير أنّها وجدت أنّ بقاءها في الحكم أقلّ ضرراً فتمسكت به، دون أن تضمن نتائجه.

ويرى أستاذ العلوم السياسية، إبراهيم العمري؛ أنّ اللجوء إلى انتخابات تشريعية مبكرة، بغضّ النظر عن الوضع السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد بحكم تمسّك الأحزاب الكبيرة بتشكيل حكومةٍ سياسية، ورفض أخرى إشراك النهضة في حكومة المشيشي، هو أمر وارد؛ لأنّ الظرف ملائم جداً للدخول في هذه التجربة، خاصّةً أنّ الدورة البرلمانية الأولى كشفت حقيقة كلّ الأحزاب.

اقرأ أيضاً: تونس.. خيارات صعبة أمام "النهضة" بعد تكليف المشيشي

ورأى العمري، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ إعادة الانتخابات مع وضع عتبة 5% أمر مهم؛ لأنّه سيخلص البلاد من فسيفساء سياسية مقيتة أضرت بالشعب أولاً، والأحزاب الجدّية ثانياً كما يساعد على تكوين جبهات حزبية (عملية ترشيد للنشاط السياسي وتجاوز التذرّر والتشتت القاتل للأحزاب الصغيرة والمهمشة للعمل السياسي).

ويمكن بذلك حلّ البرلمان الذي سيكون مخرجاً آمناً لزعيمها راشد الغنّوشي، من أزمة المؤسسة التشريعية، التي عجز عن ضمان سيرها العادي منذ توليه رئاستها.

إمّا الحكم أو جرّ البلاد لإعادة الانتخابات

وكان رئيس الحركة، راشد الغنوشي، قد أكّد في تصريحات صحفية سابقةٍ، جاءت على شكل تهديداتٍ؛ أنّه "من غير المقبول أن يقع إقصاء الحزب الأول والثاني (حليفه حزب قلب تونس الليبيرالي) من الحكم"، معتبراً أنّ "التفكير في ذلك أمر خطير".

وأطلق الغنوشي، خلال اجتماع حزبي، تهديدات قال فيها إنّه سيكون هناك "خطر بعدم سداد أجور الموظفين وتوقف الخدمات العامة كالكهرباء والماء الصالح للشرب"، بسبب ما عدّها "ثقافة الإقصاء".

ويتوقع مراقبون أن يتجه سعيّد إلى حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة تخشاها النهضة خاصة، وبعض الأحزاب الأخرى المتحالفة معها، والتي لا تريد خسارة مقاعدها في برلمان مشتّت أصبح أغلب التونسيين يرونه عبئاً على البلاد ومؤسساتها، في حال رفضت الحركة التصويت على حكومة المشيشي التي تعدّ الحكومة الثالثة في ظرف عام واحد.

من جانبه، قال عضو الحركة، سليم بسباس، لـ "حفريات"؛ إنّ تمسّك النّهضة بتشكيل حكومة سياسية تكون فيها الحاضر الأبرز احتراماً لنتائج الانتخابات التشريعية، بمثابة الرسالة الضمنية إلى رئيس الحكومة المكلّف، وإلى الطبقة السياسية المعنية بالمشاورات، مفادها أنّ الحكومة القادمة ستسقط في حال لم تشارك فيها النهضة؛ لأنّها لن تصادق على مرورها، خصوصاً أنّها تشكّل مع حلفائها الحاليين حوالي 120 نائباً؛ أي أغلبية البرلمان.

اقرأ أيضاً: ماذا بعد اختيار المشيشي لرئاسة الحكومة التونسية؟ وما خيارات "النهضة"؟

عضو حركة النهضة سليم بسباس لـ"حفريات": وجهنا رسالة ضمنية إلى رئيس الحكومة المكلّف وإلى الطبقة السياسية مفادها أنّ الحكومة القادمة ستسقط في حال لم تشارك فيها النهضة

وقال بسباس؛ إنّ سيناريو إعادة الانتخابات مطروح داخل الحركة منذ تصدّعت علاقتها بحكومة إلياس الفخفاخ، التي رأى أنّها سقطت لأنّها أغلقت باب الحوار مع النّهضة، لافتاً إلى أنّ حضور حزبه مهمّ جداً في أيّة حكومة قد تتشكّل مستقبلاً، وأنّه ليس في مصلحة أيّ رئيس جديد أن يدخل في تضارب معها، وفق تقديره.

"النهضة حليف لا يُستأمن"

في المقابل، تصرّ الأحزاب الوسطية والقومية، على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب، اللذين يشتركان في كتلةٍ برلمانية تضمّ 38 نائباً، وتحيا تونس (10 نواب)، على رفضها الدخول في حكومة بمشاركة النهضة بعد أن قبلت سابقاً الدخول في حكومةٍ توافقية مع الإسلاميين بقيادة إلياس الفخفاخ، انتهت إلى الفشل.

وتحظى هذه الأحزاب، التي تعمل على استبعاد حركة النهضة من الحكم، بدعم عددٍ من الكتل البرلمانية، في مقدمتها كتلة الدستوري الحر (16 نائباً)، وعدد من البرلمانيين المستقلين.

اقرأ أيضاً: تهديدات إخوان تونس تتكسر على عزلة شعبية وتحذيرات رئاسية

وكان المجلس الوطني لحزب التيار الديمقراطي، قد شدّد على أنّ الحزب لن يكون ‏موجوداً في حكومة تضمّ حركة النهضة، فيما أكّدت النائبة، منيرة العياري، في تصريحها لـ "حفريات"، أنّ قرار الحزب قطعي ولا رجعة فيه، حتّى وإن أدّى ذلك إلى إعادة الانتخابات برمّتها، لأنّ النهضة حليف لا يُستأمن على أيّ اتّفاق، وأنّ التجربة القصيرة التي حكما خلالها معاً أكّدت أنّها غير جديّة، وأنّها تسعى فقط وراء مصالحها الحزبية.

الأحزاب التونسية ترفض مشاركة حركة النهضة في الحكم

وأضافت العياري؛ أنّ فرضية إجراء انتخابات مبكّرة مطروحة بشدّة على الساحة السياسية، وأنّ التيار مستعدّ لذلك دون خوفٍ من تراجع نتائجه مقارنةً بانتخابات 2019، لأنّ نتائج سبر الآراء أثبتت حفاظه على مرتبته، لافتةً إلى أنّ النّهضة هي التي يجب أن تخشى إعادة الانتخابات؛ لأنّها ستخسر خزّانها الانتخابي، بسبب مواقفها غير الجديّة، وعدم التزامها بتعهداتها تجاه ناخبيها.

وتؤكد قيادات حركة الشعب، إنّ الحركة متمسكة باستبعاد النهضة من الحكم لأنّها "عنصر معطل"، فيما أكّد أمينها العام، زهير المغزاوي؛ أنّه لا يمكن لأيّة حكومة قادمة أن تنجح إن كانت حركة النهضة طرفاً فيها، لأنّها تتعامل مع من يحكمون معها كتابعين لا شركاء.

اقرأ أيضاً: هل تنجح أحزاب تونس في إخراج "النهضة" من الحكم؟

وتواجه حركة النهضة، التي حكمت البلاد لمدة 10 أعوام، غضباً من الأوساط السياسية التونسية لفشلها في إدارة البلاد، وتعميق أزماتها الاقتصادية والسياسة؛ لأنّها لم تستطع، حتى الآن التعايش مع غيرها، وقد سعت دائماً إلى الحكم بغيرها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية