تونس: مساعٍ قضائية لحلّ حركة النهضة

تونس: مساعٍ قضائية لحلّ حركة النهضة


07/08/2021

يستعدّ عشرات المحامين في تونس لرفع  شكوى جزائية، ستودَع، بحسب مصادر حقوقية لـ "حفريات"، في غضون الأيام القليلة المقبلة، في وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، لمقاضاة حركة النهضة والمطالبة بتجميد أموالها.

المحامية منيرة العياري، النائبة عن حزب التيار الديمقراطي المعارض لـ"حفريات": إثبات تورّط النهضة في التمويل الأجنبي ودعم الإرهاب والتورط في الاغتيالات السياسية ليس صعباً

بالتزامن، تتعالى الأصوات في تونس لحلّ النهضة، التي شاركت في حكم البلاد لنحو عقد من الزمان، ومحاسبتها على نتائج السنوات العشر الماضية، والتي تمثلت بالأساس في تأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، مع ارتفاع الغضب الشعبي نحو هذه الحركة التي أطلقت وعوداً كثيرة خلال عودتها في 2011 لتونس، ومشاركتها للمرة الأولى في الاستحقاقات الانتخابية، بعد أن كانت محظورة خلال عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي.

حلّ النهضة قانونياً

المحامون التونسيون ينكبّون على إعداد لائحة من أجل رفع دعوى قضائية لحلّ حركة “النهضة”، بعد تورّطها في تلقي أموال سياسية مشبوهة من الخارج، بحسب ما أفاد به القطب القضائي، وسط اتهامات سياسية وشعبية وحقوقية لهذه الحركة باستغلال النفوذ عبر التوغل في مفاصل الدولة وتلقي دعم خارجي أثناء الانتخابات الماضية.

اقرأ أيضاً: الإخوان والعنف... هل يتكرر سيناريو مصر في تونس؟

ويستند المحامون في خطوتهم هذه إلى نتائج دائرة المحاسبات التي تدين النهضة، بحسب مؤيدات تقرير دائرة بتورطها في الفساد المالي وفي تلقي أموال أجنبية، وهو ما يُعدّ مخالفة صريحة لنصوص القانون التونسي.

خطوة أكدت انطلاقها المحامية منيرة العياري، وهي نائبة عن حزب التيار الديمقراطي المعارض، مرجحةً نجاح هذا الإجراء، إذا ما استطاع المحامون إثبات بعض التهم الموجهة للحركة، خصوصاً أنّ لها ملفات قضائية عديدة مفتوحة لدى القضاء، كملف التمويل الأجنبي لحملتها الانتخابية، ودعم الإرهاب، وحماية الفاسدين والتستر عليهم.

منيرة العياري

ولفتت العياري، في حديثها لـ "حفريات"، إلى أنّ إثبات هذه التهم ممكن باعتبار ما تضمنه تقرير محاكمة المحاسبات، بخصوص ملف التمويلات الأجنبية بعقود ثابتة وقانونية، وإذا صدر الحكم في هذا الملف، سيكون كافياً لحلّ الحركة، فضلاً عن تكوينها لجهاز سرّي، متورّط في قضايا الاغتيالات السياسية.

ويعمل الحقوقيون على جمع الإثباتات التي تدين الحركة؛ كتقرير محكمة المحاسبات، وتقرير تفقدية القضاة بقضية وكيل الجمهورية بشير العكرمي، الذي يعدّ أحد رجال النهضة داخل جسم القضاء.

من جهتها، أكّدت الخبيرة السياسية التونسية، ومديرة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول؛ أنّ المحاكمات الخاصة بقيادات حركة النهضة التونسية ستبدأ وستكون في أقرب وقت، حيث إنّ هذه الملفات ستكون من الملفات الساخنة التي ينبغي البدء فيها من أقرب وقت.

بدرة قعلول

وأضافت مديرة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية لـ "حفريات": حركة النهضة تغلغلت في مفاصل الدولة وتعاملت مع الملفات ومع الدولة بمنطق الغنيمة، واغتنموا من الدولة التعويضات والمناصب السياسية والفساد داخل مفاصل الدولة، كما أنّ أكبر فساد قاموا به أنّهم وضعوا أشخاص غير أكفاء في أعلى مناصب بالدولة، بالتالي، كان هناك فساد كبير.

مطالب شعبية بمحاسبة النهضة

ولا تواجه حركة النهضة ضغوطات حقوقية فقط، بل تواجه أيضاً غضب الشارع الذي طالب بحلّها ومحاسبتها على كلّ ما سبّبته من أزمات ومشاكل اجتماعية للمجتمع وللبلد، منذ 2011، خصوصاً أنّها خسرت الكثير من رصيدها ومن أوراقها ومن داعميها بعد أن تقدم عليها الرئيس قيس سعيّد مستخدماً أوراقها في انتخابات 2019.

مديرة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول لـ"حفريات": المحاكمات الخاصة بقيادات النهضة ستبدأ في أقرب وقت وستكون لها ملفات ساخنة لا تحتمل التأجيل

ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "إمرود كونسلتينج"، في الفترة بين 26 و28 تموز (يوليو) الماضي، حول موقف التونسيين من قرارات قيس سعيّد، وقد شمل 900 شخص ينتمون إلى 24 ولاية، بما فيها المدن والأرياف، أيّد 87 % من التونسيين قرارات الرئيس، ورفضها 3% .

كما وصف المحتجون، في 25 تموز (يوليو)، أعضاء حزب النهضة بـ "الفاسدين" والمنافقين"و"الكذابين"، ورأوا أنّه المسؤول الرئيس عن ويلات البلاد في مواجهة أزمة ثلاثية سياسية واجتماعية وصحية، مطالبين الرئيس قيس سعيّد بضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنقاذ البلاد ومحاسبة المتسببين في أزماتها.

وأحرق المتظاهرون مقرات النهضة فى مدن؛ توزر والقيروان وسوسة، فيما تجمع متظاهرون أمام مقرّ حركة النهضة بمحافظة سوسة الساحلية، وأسقطوا اللافتة الخاصة بالحزب، وسط هتافات ودعوات تنادى برحيل الإخوان وزعيمهم في تونس، راشد الغنوشي، عن الحكم.

إثر هذه الاحتجاجات، التي تلتها قرارات جريئة لسعيّد بتجميد معقل سلطتها (البرلمان)، حاولت الحركة التعبئة وحشد أنصارها في الشارع، لكنها فشلت بذلك، واكتشفت تآكل شعبيتها وتراجعها، حيث يؤكد خبراء في الشأن التونسي أنّ الحركة خسرت بين 2011 و2019، أكثر من مليون صوت، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي دفعتها نتيجتها إلى التحالف مع حزب "قلب تونس:، الذي سبق أن اتهمته بالفساد، وتعهّد الغنوشي بتجنب التقارب بينهما.

اقرأ أيضاً: المشهد الإخواني في تونس.. أبرز معطيات سقوط حركة النهضة

هذا وارتفع منسوب الغضب من الحركة لدى التونسيين، حين أصدر أحد قادتها، عبد الكريم الهاروني، في ذروة تفشي وباء "كوفيد-19"، مطلع تموز (يوليو) الماضي، إنذاراً للحكومة لتسريع تعويض "ضحايا الدكتاتورية"، وهو ما رآه كثيرون من التونسيين في غير محله، في ظلّ الأزمات التي تشهدها البلاد.

النهضة تقود مبادرة خفية

في غضون ذلك، تحاول النهضة، التي عُزلت تماماً عن المشهد السياسي، قيادة مبادرة خفية تتمثل في بعث حوار وطني بين مختلف الأطراف الفاعلة في تونس، لتجاوز ما تراها أزمة سياسية، وذلك وفق ما أكده القيادي بالحركة، عبد اللطيف المكي، في حوار للأناضول.

وقال مكي، وهو وزير صحة سابق، إنّ حزبه بدأ نوعاً من المبادرة الخفية، مضيفاً أنّ هناك تحركاً باتجاه حوار وطني لتجاوز هذا الوضع المتأزم.

واعتبر أنّ الأيام والأسابيع القليلة المقبلة "يجب أن تكون مرحلة بداية حوار بين مؤسسات الدّولة والأحزاب والمنظمات، لترتيب العودة للحياة الطبيعية والمسار الديمقراطي"، مشيراً إلى أنّه لا توجد قدرة على التّنبؤ بشأن ما ستذهب إليه البلاد، خاصة أنّ رئاسة الجمهورية لم تدخل أو تفتح باباً للحوار مع الأحزاب والمنظمات.

هذه المبادرة اعتبر المحلل السياسي، محمد بوعود، محاولة من جملة محاولاتها للخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، بعد أن تخلى عنها الجميع أنصاراً وخصوماً، لافتاً إلى أنّها ستحاول لعب كلّ أوراقها، ولن تدّخر جهداً من أجل البقاء في المشهد السياسي.

وقال بوعود في تصريحه، لـ"حفريات"، ستحاول النهضة استغلال فترة الصمت الرئاسي التي طالت أكثر من اللازم للملمة ما يمكن تداركه، علّها توفر لنفسها وضعاً آمناً في المشهد القادم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية